أعلنت الأمم المتحدة بدأها في تنفيذ “استراتيجية التعافي المبكر في سوريا”، انطلاقا من مناطق سيطرة سلطة الأسد، وذلك بعد تأكيد الدول الغربية لسنوات، رفضها تحقيق تلك الخطوة دون إنهاء الحرب وتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا في دمشق، إن البرنامج سيكون في كل الأراضي السورية، ويستمر لمدة 5 سنوات، وهو “لكل سوري بغض النظر عن مكان إقامته”.
وبحسب ما نقلته صحيفة الوطن الموالية للسلطة، فقد حدّد عبد المولى مجالات يشملها المشروع؛ هي الصحة والتغذية والتعليم، والمياه والصرف الصحي والنظافة العامة، وفرص سبل العيش المستدام، لافتا إلى أن “الوصول الموثوق إلى الكهرباء يشكل أساس كل هذه الجهود، إذ يتيح التعافي الفاعل والمستدام”.
ويعرب مراقبون عن خشيتهم من اتخاذ هكذا مشاريع ذريعة لتبرير إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم قسريا، بحجة إعادة تأهيل البنى التحتية، خصوصا مع كون تلك الخطوة قد أتت في وقت تسعى خلاله الأحزاب اليمينية بأوروبا لتحقيق ذلك.
وتقول يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لحلب اليوم، إن مشروع التعافي المبكر مهم بشكل كبير بالنسبة للسكان المدنيين، بعد تفاقم الفقر وانعدام مقومات الحياة، لكن المشكلة تكمن في أبعاد ذلك المشروع، ونتائجه المحتملة.
وتضيف أن هناك أيضا إشكالية تتعلق بموضوع الهجرة واللجوء، فسلطة الأسد تدعي أن سوريا بلد آمن وأن المشكلة الوحيدة التي تحول دون استقبال اللاجئين هي الأوضاع المعيشية الصعبة، وبالتالي فإن صندوق التعافي المبكر سيقدم الخدمات الأساسية ويحسن الأوضاع المعيشية، ما قد يزيد عمليات الترحيل القسري للاجئين.
ونفى الاتحاد الأوروبي ما ذكرته وسائل إعلام غربية حول نيته تعيين مبعوث خاص له في سوريا، الأمر الذي ربطه بعض المراقبين بجهود إيطالية لإعادة التواصل مع سلطة الأسد، بدعوى معالجة قضية اللاجئين.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قد عقدت محادثات منفصلة مع عدد من رؤساء الدول الأوروبية، منذ نحو أسبوع، لحثهم على عودة المزيد من اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، فيما تتخذ دول الاتحاد خطوات متسارعة ضد المهاجرين.
من جانبها جددت منظمة هيومن رايتس ووتش تأكيدها أن سوريا مكان غير آمن للعودة، وقالت في تقرير نشرته مطلع الشهر الحالي، إنها وثقت اعتقال سلطة الأسد لأشخاص عادوا مؤخرا من لبنان، مؤكدة تورط المخابرات العسكرية بتنفيذ جميع الاعتقالات.
ويأتي إطلاق مشروع التعافي المبكر، بعد أن أعلنت أوروبا والولايات المتحدة، منذ سنوات خلت، رفضهم لتلك الخطوة قبل تحقيق الحل السياسي الذي يضمن إنهاء الحرب في سوريا.
وأشار عبد المولى إلى أن عملية تفعيل الاستراتيجية ستكون منسقة من خلال البنية القائمة في مجال العمل الإنساني، وستنفذ وفقاً للمبادئ الإنسانية في جميع مناطق سوريا، تحت القيادة العامة للمنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي، بينما ستشرف مجموعة الدعم الاستراتيجي على التنسيق على المستوى الاستراتيجي كجزء من الاستجابة لعموم سوريا.
ووفقا لما قالته حلاق لحلب اليوم، فإن هذا التوجه ضروري، من وجهة نظر إنسانية بعيدة عن السياسة، ولكن إذا دعمت الأمم المتحدة هذا المشروع فإنها ستدعم هذه الفكرة السلبية القائمة على تحسين الأوضاع المعيشية لإعادة اللاجئين، وهو ما سيكون انتهاكا إضافيا يحول تلك المشاريع لذريعة لإعادة اللاجئين إلى بلد غير آمن.
وحول مسألة المهجرين واللاجئين، فإن أحد الإشكاليات المرتبطة بمشاريع التعافي هو تطبيقها بطريقة ترجح الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإنسانية والتنموية.. “حينها قد تُسرق أجزاء من التمويل كما حدث في المساعدات الإنسانية وهو ما ستستغله سلطة الأسد سياسيا للالتفاف على العقوبات أو حتى لاستعادة مكانتها أمام المجتمع الدولي لأن هذه المشاريع تتطلب تعاونا مباشرا مع السلطة”.
وحذرت حلاق أيضا من أنه سيكون هناك انتهاك لحقوق المهاجرين، ومن المحتمل أن تكون ذريعة لإعادة اللاجئين قسريا لسوريا.
ودعا عبد المولى المانحين إلى المساهمة في تمويل صندوق التعافي المبكر في سوريا، لأنه “لن يعود لاجئ إلى بلدته ما لم يجد مدرسة ومياه شرب.. إلخ”.
وأوضح أن المجموعات الإنسانية ستشرف على التنسيق على المستوى الفني في عموم سوريا ومستوى المحور الإقليمي، كما سيكون التنسيق بين القطاعات بدعم من مجموعات التنسيق بين القطاعات التابعة للفريق القطري للعمل الإنساني وفريق التنسيق الإنساني ومنتدى المنظمات الدولية العاملة في شمال شرق سوريا، وذلك تحت إشراف مجموعة التنسيق بين القطاعات.
وبين عبد المولى أن تنفيذ استراتيجية التعافي المبكر سيعتمد نهجاً قائماً على المناطق، من خلال تدخلات ذات أولوية ومتكاملة في مناطق مختارة، واستناداً إلى تقييمات محكمة للسياق والاحتياجات.
وذكر أن صندوقاً مخصصاً للتعافي المبكر سيدعم الاستراتيجية هذه، وسيكون وسيلة مرنة وفاعلة من حيث التكلفة لتمكين تقديم الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني والموارد لتدخلات التعافي المبكر على المدى المتوسط.
وحول هذا الصندوق، أوضحت حلاق أن عبد المولى “ذكر سابقا أن صندوق “حياتنا” يعتمد بشكل أساسي في تمويله على دول الخليج، وبعض الدول الأوروبية، ولكن حتى اليوم لا يزال الموضوع غير واضح ومن هي بالضبط الدول بالضبط التي ستساهم وما هي النسب، ولكننا نستطيع القول إن هناك توجها أكبر نحو التعافي المبكر وهناك ضوء أخضر للبدء بهذه المشاريع”.
أما بالنسبة لموضوع العقود فإن عبد المولى أكد أن دول الخليج تفضل تقديم مساعدات ثنائية لسلطة الأسد على نحو مباشر لكنها غير قادرة على ذلك بسبب العقوبات، وقال إن صندوق التعافي المبكر سيؤمن آلية دولية شرعية تتيح لتلك الدول تقدم المساعدات بدون التعرض للعقوبات، لذا فإن موضوع العقوبات لن يؤثر في مسألة التمويل.
وتتولى لجنة توجيهية يرأسها المنسق العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي تحديد الاتجاه الاستراتيجي لصندوق التعافي المبكر وتقديم الرقابة الفنية وممارسة المساءلة الشاملة عن الصندوق، ويكتمل هيكل الإدارة بلجنة فنية تتألف من كبار الخبراء الفنيين من الجهات المشاركة في عموم سوريا، تتلقى دعمها من أمانة الصندوق التي تدير العمليات اليومية، وفق ما ذكره المنسق.
وقال: “سيكون صندوق التعافي المبكر متاحاً لجميع شركاء استراتيجية صندوق التعافي المبكر بغض النظر عن وضعهم أو موقع تدخلهم في جميع أنحاء سوريا، كما سيلتزم الصندوق بنهج عموم سوريا الحالي وآليات الحماية والتنسيق القائمة”.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا إيثان غولدريتش، قد أكد في وقت سابق أنّ الولايات المتحدة ترفض بشكلٍ قاطع أي تطبيع للعلاقات مع سلطة الأسد، مؤكّداً أنّ بلاده مستمرة بفرض المزيد من العقوبات ضده، كما تعارض واشنطن مشاريع التعافي المبكر دون الوصول لحل سياسي.