رفعت سلطة الأسد سعر ليتر المازوت الزراعي “المدعوم” بمقدار 250 في المائة مرة واحدة، الأمر الذي ألقى بظلاله على الواقع الزراعي المتردي أصلا، فيما تقترب عدة مدن من حالة الشلل بسبب أزمة النقل، دون وجود حلول في الأفق المنظور.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية الموالية لسلطة الأسد، أن الأخيرة أصدرت قرارا بما تسميه “تعديل” سعر تلك المادة من 2000 إلى 5000 ليرة سورية، كما بلغ سعر ليتر المازوت الموزع على المنشآت الصناعية الزراعية 11100 ليرة، وهو “سعر التكلفة”.
وباتت الزراعة مهددة فعليا بالشلل، حيث عانى الفلاحون بشكل كبير جراء غلاء الديزل وارتفاع التكاليف، وذلك قبل صدور هذا القرار، الأمر الذي ينعكس على غلاء المواد الغذائية.
وبحسب ما قاله الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لموقع حلب اليوم، فإن “خطوة سحب الدعم يمكن أن تكون خطوة إيجابية إذا تم استثمار الوفورات الناتجة عن رفع الدعم في سياسات اقتصادية أخرى لها أثر إيجابي في تحفيز الإنتاج والتصدير، لكن مع الواقع الاقتصادي السوري هناك فجوات كبيرة وغياب سياسة واضحة للاقتصاد تتضمن تعويض المتضررين من رفع الدعم”.
من جانبه اعتبر الباحث الاقتصادي فراس شعبو، أن السلطة باتت غير قادرة على حل أي مشكلة اقتصادية، وكل ما تقوم به هو إعادة ترتيب فقط، في محاولة البقاء بالحد الأدنى لاستمرار قيام مؤسساتها، لتظهر أمام المجتمع الخارجي كأنها ما زالت دولة.
وأشار في حديثه لحلب اليوم، إلى أن محاولات إمساك سعر الصرف، لا تعني أن القيم الرسمية حقيقية، فهي محددة بأدوات أمنية، حيث أن السلطة لم تترك في مناطقها إلا شركات الصرافة التي تسيطر عليها، كشركتي الفاضل والهرم اللتين تتحكمان بأسعار الصرف، كما أن الصرف ثابت منذ نحو عام بينما الأسعار ترتفع بشكل جنوني، وهذا يؤكد أنها غير حقيقية، أي أن الاقتصاد في حالة انهيار مستمر.
ويلفت قضيماتي إلى أن رفع الدعم قد يكون مجديا من خلال إرساء نظام عادل للرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية للأفراد والأسر، لكن ذلك لا يحدث، “ناهيك عن سيطرة أفراد محددين على الاقتصاد”.
كما أكد أن تغيير سياسة الدعم سيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر لدى الأسر السورية ودخول شريحة جديدة من الأفراد تحت خط الفقر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وإلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات وانخفاض قيمة العملة المحلية.
ويتوقع المزارعون أن يكون المردود المالي للموسم الشتوي الحالي هو الأضعف منذ سنوات عديدة، كما يخشون الخسارة مع تزايد التحديات وارتفاع التكاليف بما في ذلك السماد وأجور النقل، وانقطاع الدعم، وضعف التسويق، وفشل سلطة الأسد في إيجاد أسواق تصريف خارجية.
ويشير قضيماتي إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ جدا في سوريا يُنذر بانهيار جديد لليرة خلال الفترة المقبلة، رغم أن سعر الصرف لا يزال ثابتا منذ نهاية عام 2023؛ وقد ساهم ذلك في خلق حالة توحي بالاستقرار، لكن خطر الانهيار لا يزال قائما.
كما أكد أن العديد من الشخصيات المرتبطة بسلطة الأسد، تبحث عن الأموال بالعملة الصعبة، والتي يمكن أخذها لخارج البلاد، في حال حدث أمر ما، وهو ما انعكس على سوق العقارات التي انخفضت خلال العام الحالي، وهو ما يكشف هشاشة الوضع المالي للسلطة.
ومع حالة “الثبات” الوهمية تلك، يؤكد الكثير من المراقبين أن استقرار سعر التصريف يتم فرضه أمنيا، عبر إملاء شروط معينة على الشركات والتجار وتدخل الأمن بشكل مباشر في الملف، لكن ذلك لم يحل دون ارتفاع الأسعار بشكل مضطرد، حيث يظهر ذلك جليا في غلاء الخبز والمحروقات وكافة السلع والمواد بما فيها الأساسية.
وكان من اللافت انخفاض عدد المشاركين في انتخابات غرفة تجارة دمشق بشكل كبير، خلال الصيف الفائت، فمن أصل نحو 5 آلاف تاجر مسجلين في وزارة التجارة الداخلية، لم يتقدم سوى 10 بالمئة منهم للحصول على براءة ذمة للمشاركة في الانتخابات.
وذكرت مواقع موالية لسلطة الأسد أن أغلب تجار دمشق غادروا سوريا، وأن الأمر يتضح من خلال البيانات التي نشرتها الإمارات العربية المتحدة منذ أشهر، حيث كشفت أن السوريين أسسوا أكثر من 1300 شركة منذ مطلع العام الجاري.
كما كشفت بيانات حديثة للمكتب المركزي للإحصاء التابع لسلطة الأسد، أن هناك 221 ألف شخص كانوا على لائحة المشتغلين في العام 2021، واختفوا في العام 2022.
ويواجه قطاع الصناعة أيضا تحديات كبيرة نتيجة لعدة عوامل أخرى، وتُبرر السلطة ذلك بتدمير البنية التحتية، بما في ذلك المنشآت الصناعية، والطرق، والكهرباء، والمياه، لكن سيطرة شخصيات محددة واتباع سياسات فاشلة هو ما يسبب هذا الواقع وفقا لشعبو الذي يؤكد أن عدم الاستقرار الأمني يشكل عائقًا كبيرًا أمام الاستثمار، فضلا عن تخوف المستثمرين من الاستيلاء على ممتلكاتهم أو فرض الإتاوات عليها.
وعادت مؤخرا مشاهد الازدحام إلى العديد من المدن السورية، دون تعليق أو توضيح من قبل سلطة الأسد التي كانت تقدم عادة الوعود بحدوث انفراجات جديدة.
وقالت صحيفة الوطن، منذ أيام، إن أزمة المواصلات المستمرّة حتى اليوم، دخلت شهرها الثاني دون أي أفق للحل، فيما تتخذ السلطة مزيدا من الإجراءات الإسعافية.
ويأتي ذلك فيما تشهد إيران وهي المورد الأساسي للمحروقات إلى سلطة الأسد حالة اقتصادية صعبة، فيما تتجه إلى مضاعفة إنفاقها العسكري، وسط تراكم الديون المستحقة على “الخزينة السورية”، لكن سلطة الأسد تبرر الأزمة، بتأخر وصول صادرات المشتقات النفطية نتيجة “الظروف العالمية”، و”الأوضاع في البحر الأحمر”.
ومنذ منتصف الشهر الفائت أعلنت محافظة اللاذقية عن انخفاض كميات المازوت الواردة إليها إلى النصف، مؤكدة تقليص مخصصات الحافلات إلى حد بعيد، وسبق ذلك إعلان مشابه من محافظة دمشق، فيما ارتفعت أجور المواصلات في حلب والسويداء وحمص.