أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يدرس تعيين مبعوث خاص له في سوريا، الأمر الذي ربطه بعض المراقبين بجهود إيطالية لإعادة التواصل مع سلطة الأٍسد، بدعوى معالجة قضية اللاجئين.
وجاء الإعلان بعد محادثات منفصلة عقدتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مع عدد من رؤساء الدول الأوروبية لحثهم على عودة المزيد من اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، فيما تتخذ دول الاتحاد خطوات متسارعة ضد المهاجرين.
من جانبها جددت منظمة هيومن رايتس ووتش تأكيدها أن سوريا مكان غير آمن للعودة، وقالت في تقرير نشرته أمس الأربعاء، إنها وثقت اعتقال سلطة الأسد لأربعة أشخاص عادوا مؤخرا من لبنان، مؤكدة تورط المخابرات العسكرية بتفيذ جميع الاعتقالات.
وحول ما إذا كانت خطوة الاتحاد الأوروبي نابعة من رغبة بالتطبيع مع سلطة الأسد، قال حسام نجار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي، لحلب اليوم، إن إيطاليا تحاول أن تكون خط التسوية والتطبيع بين سائر الدول الأوروبية وسلطة الأسد من منطلق تخفيف عبء الهجرة كونها بلد عبور لباقي دول الاتحاد.
بدوره قال حافظ قرقوط الكاتب الصحفي السوري، إن موضوع اللاجئين هو الموضوع الحساس الآن على الساحة السياسية الأوروبية، حيث يخشون تدفقاً جديداً للاجئين بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط وتفاقم الحروب في أكثر من منطقة، لكنه قلّل من احتمالية التوجه نحو التطبيع.
ونوّه الصحفي المقيم في أوروبا، خلال إفادته لموقع حلب اليوم، بأن الاتحاد دفع بعض مبعوثيه نحو تبني مفاهيم جديدة وخاصة تجاه سوريا، ومع صعود الأحزاب المتطرفة أصبحت تلك الدول أقرب لتبني بعض المفاهيم التي قد تدفع اللاجئين أكثر وأكثر باتجاه العودة.
لكنه يرى أن “هذا الموضوع تتبناه بعض الدول الأضعف تأثيرا في الاتحاد الأوروبي بشكل عام، لأنه مرتبط بالاقتصاد وهذه الدول التي تتبنى هذا الطرح لا تقدم مساهمة فعالة تجاه بعض الدول الأوروبية الأخرى التي تعنى باللاجئ، فعلى سبيل المثال هناك دول كبيرة كألمانيا وفرنسا لا يزال هذا الموضوع بالنسبة لها ليس أولوية، وخاصة تجاه سلطة الأسد”.
وأضاف أن “بعض الدول ذات التأثير الضعيف تدفع باتجاه إعادة العلاقات لكن هذا غير مؤثر بالسياسة الأوروبية الكلية، لأن الدول القوية والفاعلة ما زالت ترفض إعادة العلاقات مع الأسد لوجود وثائق عن ارتكابه وأركان نظامه جرائم حرب، وتلك الوثائق موجودة في محكمة العدل الدولية بلاهاي وموجودة أيضا في كواليس السياسة الأوروبية، ليس فقط منذ قطع علاقاتها مع سلطة الأسد لاستخدامه العنف تجاه المتظاهرين، بل لاستخدامه للأسلحة الكيماوية، وعلى ذلك فحتى الأحزاب اليمينية تبقى حذرة من أن يلاحقها القانون في يوم من الأيام بسبب إعادة الصلة مع أشخاص مطلوبين للتحقيق، أو ارتكبوا جرائم حرب تجاه مدنيين وتجاه شعوبهم، ومنهم بشار الأسد بالتأكيد”.
وقالت هيومن رايتس إن الوفيات المريبة للعائدين خلال احتجازهم تسلط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد، كما أن المخابرات العسكرية لم تقدم أي معلومات إلى العائلات عن أسباب الاعتقالات أو مكان احتجاز المعتقلين.
وشددت على أن “سوريا ما تزال غير آمنة”، وأن على البلدان التي تستضيف لاجئين سوريين الوقف الفوري لأي عمليات عودة لا تراعي الإجراءات الواجبة، مضيفة أن “عودة السوريين إلى بلادهم ليست علامة على تحسن الظروف بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنا”.
وأكد التقرير أيضا أن السوريين “يجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت”، بسبب سياسات الدول المضيفة للاجئين.
ولفت نجار إلى زيارة وفد حكومي إيطالي لمناطق سيطرة الأسد، معتبرا أنها كانت لعدة أسباب منها الاطلاع على أرض الواقع، ومنها عقد اتفاقيات مع السلطة لقبول عودة اللاجئين، وأن الهدف الأساسي ليس التطبيع، وإنما تخفيف عدد اللاجئين أو الحد منه مع تقديم مغريات لمستقرين بالدول الغربية من خلال حوافز مالية، وكذلك تقديم ضمانات بعدم التعرض لهم.
وأضاف: “لا تعلم تلك الدول أن سلطة الأسد لديها أساليب كثيرة تتيح لها الاعتقال والسجن لغير السبب السياسي، مثل الفرار من التجنيد أو تهم جنائية أخرى تكون معلبة وجاهزة والاتهامات عديدة”.
وأكد أنه “لا يمكن ضمان هذه السلطة التي أجرمت بحق شعبها وهو داخل الوطن قبل الثورة وأثنائها، فهل يقبلهم بعد رفضهم إياه؟ لا مناص من حل القضية السورية التي تحمل في طياتها حلا لهذه المشكلة، فلا العفو العام ولا حتى العفو المشروط يؤدي إلى حل جذري، الممارسات التعسفية لمليشيات الأسد والتنظيمات التي تعمل خارج الدول لكن بتوجيه من الأجهزة الأمنية قادرة على سلب العائدين جميعهم حريتهم بل وأرواحهم”.
وكانت قبرص قد دعت الاتحاد الأوروبي عدة مرات إلى دعم فكرة المناطق الآمنة لإعادة اللاجئين إليها، لكن أوروبا لا تزال ترفض الفكرة التي تقدمت بها تركيا منذ أكثر من عقد.
وتعمل الحكومات الأوروبية على تقييد إجراءات لم الشمل، منعا لمضاعفة الأعداد، رغم أن القوانين التي تنظم عملية اللجوء تضمن حقوق لم شمل الأسرة، كما أن عدة دول تدرس تقديم عوائد مادية لمن يرغب في العودة إلى بلده بشكل طوعي وإعطائه كافة تكاليف السفر ومبلغا ماليا ليبدأ حياته من جديد في حال موافقته.
وتخطط عدة دول أوروبية لتشديد القوانين على اللاجئين، وطالبي اللجوء في أراضيها، وذلك ضمن توجه عام تزايدت وتيرته بعد وصول الأحزاب اليمينية للسلطة في العديد من دول الاتحاد.