تتفاقم مخاوف اللاجئين في ألمانيا، بمن فيهم السوريون، من تضييق الإجراءات الحكومية ضدهم، والذهاب باتجاه إتاحة الترحيل؛ الأمر الذي يطالب به اليمين المتطرف في معظم أنحاء أوروبا.
وقد أجرى “البوندستاغ” و”البوندسرات” في ألمانيا، يوم الجمعة الفائت، تصويتًا على حزمة أمنية مثيرة للجدل تنص على تغييرات بعيدة المدى في قانون اللجوء والإقامة بالإضافة إلى قانون الأسلحة.
ويُعتبر “البوندستاغ” في ألمانيا بمثابة البرلمان، وهو أهم هيئة تشريعية في الاتحاد الألماني، فيما يشارك “البوندسرات” (مجلس الولايات الاتحادي) في عملية التشريع، على اعتبار أن للولايات في نظام الدولة الفيدرالي حصة أساسية في سلطة الدولة.
يأتي ذلك بعد عقد قمة أوروبية في بروكسل، “لتشديد اللهجة حيال سياسات الهجرة واللجوء في أوروبا”، جرت يوم الخميس الفائت، “في إطار الجهود الأوروبية لمواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية”، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال عبد الرزاق صبيح، الصحفي السوري المقيم بألمانيا، لموقع حلب اليوم، إن الاتحاد الأوروبي وافق بعد عدة جلسات على اتفاقية اللجوء وأصبحت على رأس جدول أعماله، حيث لوحظ انخفاض عدد الوافدين إلى الدول الأوروبية.
وكان اليمين المتطرف في ألمانيا، قد استغل حادثة هجوم شاب سوري على حفل موسيقي في زولينغن، حيث أوقع ثلاثة قتلى قبل أن يعترف بانتمائه لتنظيم الدولة.
وأشار صبيح إلى أن الجدل بخصوص ملف اللجوء تجدد بعد ذلك الهجوم، حيث تصاعدت شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في هولندا وفرنسا وألمانيا وحقق الحزب البديل من أجل ألمانيا نجاحا في العديد من انتخابات الولايات الألمانية، كما حقق اليمين المتطرف أيضا تقدما في الانتخابات الأوروبية.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس: “يجب علينا أن نتحرك بشكل أسرع، وأن نخفض الهجرة غير النظامية”، وبحسب الصحفي السوري، فقد انخفضت الهجرة بالفعل، وفي ذات الوقت حذر شولتس من أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يظل مفتوحا أمام هجرة العمال الضرورية والعمالة الماهرة حتى يتمكن الاقتصاد الألماني من النمو “على الرغم من التحديات الديموغرافية التي تواجها ألمانيا”.
وعقد قادة الاتحاد الأوروبي القمة في العاصمة البلجيكية بروكسل؛ للبحث في تشديد إجراءتهم المتعلقة بسياسات اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين، بينما تتجه أوروبا نحو اليمين فيما يتعلق بسياسات الهجرة.
وتبرز دعوات العديد من القادة لإنشاء “مراكز عودة” للمهاجرين في دول أخرى، وهي السياسة التي بدأت إيطاليا في تنفيذها بإرسال مهاجرين إلى ألبانيا المجاورة.
ويبحث الأوروبيون اقتراحا بإنشاء “مراكز العودة”، من أجل نقل المهاجرين إلى مراكز استقبال في دول أخرى، وقد بدأت حكومة جورجيا ميلوني في إيطاليا بفعل ذلك.
ونوه صبيح بأن الاتحاد الأوروبي ناقش تطبيق النموذج الإيطالي، وهي استعانة إيطاليا بمصادر خارجية لإجراءات اللجوء إلى الأراضي ومنها التعاون مع ألبانيا وكذلك التعاون مع بلدان المنشأ والعبور وكما رفض” شولتس” إنشاء مراكز استقبال خارج الاتحاد الأوروبي.
ودخل الأراضي الألمانية أكثر من 300,000 رجل وامرأة بشكل غير قانوني، خلال العام الماضي، حصل الكثير منهم على الحماية.
وطرحت وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيزر” قوانين لتنفيذ إصلاح نظام اللجوء الأوروبي، ومنها تسريع إعادة طالبي اللجوء، للحالات التي تنطوي على وجود مخاطر تهدد الأمن أو النظام العام في ألمانيا، وسيتم تنفيذ ترحيل فوري، وقالت إن برلين تنفذ قوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة باللجوء بسرعة، حيث تم الاتفاق على إصلاح نظام اللجوء في أيار/ مايو الماضي.
وينص على إجراءات سريعة عند الحدود ومعاملة أكثر صرامة مع الأشخاص المنحدرين من دول تعتبر آمنة نسبيا، وترحيل طالبي اللجوء المرفوضين.
أما بالنسبة للاجئين السوريين، فيؤكد صبيح أن هناك تخوّفا من عمليات الترحيل، لكون البلد غير آمن، ولا تزال العمليات العسكرية مستمرة في أكثر من منطقة في سوريا، كما أن سلطة الأسد اعتقلت عددا كبيرا من اللاجئين العائدين، مع احتمال حدوث تصفيات داخل السجون، وقد تم توثيق مقتل أكثر من شخص عادوا إلى سوريا خلال العام الماضي وهذا العام.
ونوّه بأن العديد من الولايات الألمانية شهدت مظاهرات حاشدة للجاليات السورية تحت شعار “سوريا غير آمنة”، شارك فيها حقوقيون سوريون وسياسيون وناشطون من المجتمع المدني، كما حظيت بمشاركة أجانب وألمان.
من جانبها تؤكد يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، أن هناك انتشارا لفرضية “سوريا الآمنة”، مضيفة أن “أوروبا لم تعد بحاجة إلى اللاجئين السوريين، ولا تريدهم أن يتدفقوا إلى أراضيها”.
كما أكدت أن دول الطوق في الاتحاد الأوروبي بدأت بممارسات الإعادة القسرية، أي أن “الكل صار من مصلحته أن يروج لفرضية ‘سوريا الآمنة’ تلك”، منوهة بأن إحصائيات الشبكة تثبت عكس ذلك “فالانتهاكات والاعتقالات مستمرة حتى للاجئين المعادين قسريا”.
وأشارت إلى أن فرضية “سوريا الآمنة” هي “ادعاء وتضليل تتبناه الدول مع الأسف لتكون ذريعة للتخلص من حمل اللاجئين”.
ومن المقرر أن تتم مناقشة الحزمة في ألمانيا على الفور في البوندسرات، بعد التصويت في البوندستاغ، وتركز الحزمة على إلغاء المزايا المقدمة لطالبي اللجوء الذين يضطرون إلى مغادرة البلاد إذا كانت دولة أوروبية أخرى مسؤولة.
وقالت رئيسة وزراء ولاية سارلاند، أنكي ريهلينجر، إن الحزمة إجراء ضروري لمكافحة “جرائم السكاكين المتزايدة”، معتبرة أن “الأمن واللجوء لا ينبغي أن يتعارضا مع بعضهما البعض”.
وتؤكد وسائل إعلام محلية وجود مقاومة داخل الأحزاب الحكومية، حيث أعرب بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر عن أصوات انتقادية ضد التشديد في مجال الهجرة.