عاد الهدوء الحذر إلى محافظة إدلب ومحيطها في شمال غرب سوريا، بعد أيام من التصعيد والقصف الذي استهدف مناطق واسعة، وأوقع العديد من الجرحى والضحايا في صفوف المدنيين.
وقال مراسل حلب اليوم، إن المنطقة لم تشهد غارات جوية روسية منذ يوم الخميس الفائت، كما عادت الأمور إلى طبيعتها قرب خطوط التماس في أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية.
وكان الطيران الروسي قد شنّ عشرات الغارات على مدار ثلاثة أيام، خلال الأسبوع الفائت، تركزت معظمها في ريف إدلب، كما استهدفت مدفعية قوات الأسد القرى والبلدات بعشرات القذائف.
وحذرت الأمم المتحدة من مخاطر التصعيد شمال غرب سوريا، وقال نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، ديفيد كاردن، إن 122 هجومًا على الأقل وقع خلال ثلاثة أيام، 115 منها ضربت إدلب وريف حلب الغربي، ومن ضمنها المناطق السكنية والمتاجر المحلية والأراضي الزراعية، مشيرا إلى أن روسيا شنّت أول سلسلة غارات جوية، منذ أيام، بعد توقف لثلاثة أشهر.
وأكدت أن القوات الروسية شنّت ثلاث غارات جوية في منطقة قريبة من مخيم غرب إدلب، بينما كانت الأسر هناك تتلقى مساعدات غذائية، كما ضربت غارتان جويتان محطة كهرباء غربي المحافظة، ما أدى إلى تعطيل محطتين للمياه، كانتا تخدمان 30 ألف شخص في 17 قرية.
وأوقع القصف الروسي مجزرة في ورشة لتصنيع المفروشات على أطراف المدينة الغربية، حيث لقي عشرة أشخاص حتفهم؛ من بينهم طفل، كما أصيب 32 آخرون يوم الأربعاء الفائت، وقُتلت في اليوم نفسه طفلة جراء قصف مدفعي على منزل بين قريتي معربليت ومعرزاف في الريف الجنوبي.
ولم تحل زيارة وفد أممي لشمال غربي سوريا، في 12 من الشهر الجاري، دون استمرار القصف، حيث كان أعضاء الوفد يتجولون بالمنطقة للاطلاع على أوضاع النازحين واحتياجاتهم والاستجابة الإنسانية الطارئة من قبل شركاء الأمم المتحدة، برئاسة نائب المنسق الإقليمي الإنساني للأزمة السورية، ديفيد كاردن، مع ممثلين من مفوضية الأمم المتحدة و”يونيسف” ومنظمة الصحة العالمية وإدارة خدمات الدعم الاجتماعي.
النازحون في حيرة من أمرهم
يقول الشاب “إحسان .ع” من مهجري ريف إدلب الشرقي، إن حركة النزوح التي حدثت موخرا في بلدة سرمين القريبة من خطوط التماس شرقي المحافظة، دفعته للخروج بعائلته نحو سكن غير مناسب، خوفا من اندلاع المواجهات بعد كثرة الأحاديث عن ذلك.
وعقب تركه للمنزل الذي كان يسكنه ونقل أغراضه، بات الشاب في حيرة من أمره، حيث كان يعيش نوعا من الاستقرار النسبي، بينما بات اليوم في حيرة من أمره، إذ يتخوف من الرجوع لنفس المكان مع إمكانية عودة التصعيد في أية لحظة، فقد تمكن من ترتيب معيشته هناك على مدى السنوات الماضية والحصول على عمل يقتات منه.
واليوم بات الشاب مع أفراد عائلته في منزل شبه مهجور شمال المحافظة، وليس باستطاعته فعل شيء مع فقدان فرص العمل بالمنطقة، وليست لديه القدرة على استئجار منزل في مكان آمن مع ارتفاع الإيجارات بشكل كبير نتيجة موجات النزوح.
ويشير مراسلنا إلى وجود حالة مشابهة في أوساط معظم النازحين الذين تُقدر أعدادهم بعشرات الألوف ممن غادروا منازلهم، في أكثر من عشرين قرية، تبعد لمسافة تقل عن عشرة كيلومترات عن خط التماس.
وخرج معظم هؤلاء إلى المخيمات أو خيام عشوائية أقاموها بأنفسهم، فيما تنخفض درجات الحرارة ويقترب الشتاء، وسط غموض شديد في المشهد العسكري بالمنطقة.
وتقول بيانات الأمم المتحدة إن 1400 موقع في شمال غربي سوريا تعرض للقصف، ما أدى إلى نزوح ما يزيد على 68 ألفًا من 91 منطقة؛ وصل نحو 57 ألفًا منهم إلى مخيمات النازحين في إدلب وشمال حلب، ليشكلو مزيدا من الضغط.
وكان معظم هؤلاء النازحين من نواحي أريحا وبعض قرى جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، ودارة عزة غرب حلب، وسرمين شرق إدلب.
ويحتاج نحو 28 ألف طفل نازح حديثًا إلى الدعم التعليمي، بسبب تأثر عشرات المدارس والمنشآت التعليمية سلبا بالأوضاع، وفقا لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الذي أكد تعرض عشرات المرافق التعليمية وخمسة من المرافق الطبية للاستهداف المباشر، بالإضافة إلى قصف عدد من المساجد والمخيمات والأسواق الشعبية وأربعة مراكز للدفاع المدني السوري.
يقول “عزام .ح” من جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، إنه وعائلته مضطرون للبقاء في منزلهم رغم الخطر الحقيقي الذي يداهمهم منذ سنوات، حيث يعيشون في تلك الأوضاع تتنازعهم الحيرة، والأمر ليس بجديد عليهم، بل هذه حالهم منذ نحو 4 أعوام، بسبب استمرار الاستهداف شبه اليومي، والصعوبات البالغة في العمل بأرضه الزراعية، جراء خروج طائرات استطلاع ترصد أية حركة لتزود المدفعية بالإحداثيات لاستهدافها.
أمام هذا الوضع تطلب الزوجة والأولاد من الأب الخروج والبحث عن مكان آمن، لكن أسعار الإيجارات وتكاليف الحياة الغالية مع قلة الدخل تُضطره للبقاء، رغم رغبته في المغادرة.
يشير الرجل الخمسيني إلى حالة الرعب التي تنتاب العائلة عند استخدام قذائف كراسنيبول الروسية، فهي قذائف دقيقة موجهة بالليزر وذات حشوة متفجرة فراغية تؤدي لهدم البيت بشكل كامل، وقد سببت فيما سبق مجازر واسعة، فضلا عن الطائرات الروسية التي تقصف المنطقة بين الحين والآخر.
يذكر أن المبعوثة البريطانية إلى سوريا، آن سنو، دعت اليوم السبت، جميع الأطراف، لدعم وقف التصعيد والعمل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، مضيفة بالقول: “آخر ما يحتاجه السوريون هو تصعيد جديد في العنف”.
كما جددت تأكيد بلادها أن القرار الأممي 2254 هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم في سوريا، مشيرة إلى أن لندن نصحت مواطنينا بعدم السفر إلى سوريا “بسبب الصراع المستمر والظروف الأمنية التي لا يمكن التنبؤ بها”.
وأعرب رئيس الائتلاف الوطني السوري “هادي البحرة ” عن استنكاره الشديد للجرائم المروّعة التي ترتكبها قوات الأسد وروسيا بحق المدنيين في الشمال السوري، مؤكدا أن استمرار هذه الانتهاكات يتطلب تدخلاً دوليًا حازمًا لحماية المدنيين وتحقيق العدالة للضحايا.
والتقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نظيره الروسي سيرغي لافروف، في مدينة إسطنبول، أمس الجمعة، على هامش الاجتماع الثالث لمنصة التعاون الإقليمي لجنوب القوقاز، وفقا لما أعلنته وزارة الخارجية التركية.
ولم تكشف الوزارة أي تفاصيل عن اللقاء الثنائي المغلق بين الجانبين، وقالت وكالة الأناضول إنهما “بحثا العلاقات بين البلدين وقضايا إقليمية أخرى”.