يتوافد المزيد من النازحين السوريين القادمين من لبنان إلى الشمال السوري، مع استمرار القصف الإسرائيلي العنيف، بالتوازي مع موجات اللاجئين اللبنانيين إلى مناطق سيطرة الأسد.
وقد عاد عشرات الآلاف من السوريين عبر الحدود إلى بلدهم خلال الأيام الماضية، فيما حرص الكثير منهم على التوجه نحو الشمال في قوافل جماعية، خوفا من البقاء في مناطق سيطرة الأسد.
وسبق ذلك حالات عودة كثيرة للاجئين سوريين من لبنان، خلال العام الحالي، بسبب تصاعد الضغوط عليهم، وقد توجه كثير منهم نحو الشمال السوري، وهو الأمر الذي حدث قبل ذلك مع اللاجئين السوريين في تركيا، بسبب تصاعد الضغوط وعمليات الترحيل الجماعي.
يؤكد مراسل حلب اليوم في إدلب، أن أسعار إيجارات المنازل ارتفعت في المنطقة بنسبة الثلث، خلال الأشهر القليلة الماضية، لكنها ارتفعت أيضا بشكل طفيف خلال الأيام الأخيرة، فيما يوجد وضع مشابه لذلك بريف حلب الشمالي.
وتعود أسباب الارتفاع لزيادة الطلب على السكن، وقال فريق منسقو استجابة سوريا، في بيان له اليوم الثلاثاء، إن عدد الوافدين من لبنان إلى الشمال السوري خلال الأيام الفائتة بلغ 2097 لاجئا، بسبب القصف الإسرائيلي، كما أن عدد الوافدين من لبنان منذ بداية العام الحالي يبلغ 4355 نسمة، أي أن المجموع يتجاوز 6400 شخص حتى اليوم.
ومن المتوقع وصول المزيد من النازحين من لبنان في أعداد أكبر من السابقة مع استمرار التوجه إلى الشمال السوري.
يضاف إلى ما سبق عمليات النزوح الداخلي، التي تحدث مؤخرا، في العديد من القرى الواقعة قرب خطوط التماس في ريفي إدلب الشرقي وحلب الغربي، بسبب أنباء متداولة وشائعات عن احتمال اندلاع هجوم من قبل الفصائل العسكرية نحو حلب.
وبحسب استجابة سوريا، فقد وصل عدد النازحين بالمنطقة إلى 7315 نسمة، منذ بداية تشرين الأول وحتى يوم أمس الاثنين.
وتشهد القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس بريفي إدلب وحلب في الشمال السوري، حركة نزوح واسعة في أوساط المدنيين، تزايدت حدتها مؤخرا، وسط ضيق الخيارات أمام السكان، مع اقتراب حلول فصل الشتاء.
وتعود أسباب النزوح بالدرجة الأولى، لتخوف السكان من اندلاع معارك جديدة بالمنطقة، وإمكانية تعرضهم لهجمات أو قصف انتقامي من قبل قوات الأسد والميليشيات الموالية لها.
يقول “أيمن .م” وهو نازح من ريف إدلب الشرقي، لحلب اليوم، إنه اختار البقاء في بلدة سرمين لسنوات خلت، رغم قربها من خط التماس وتعرضها للقصف بشكل شبه يومي، بسبب قلة ذات اليد، حيث إن الإيجارات هناك منخفضة مقارنة مع باقي المناطق.
لكن الشاب اضطر للنزوح إلى مسكن شبه مهجور في أحد التلال المرتفعة شمال إدلب، مع زوجته وأولاده وأبويه، خوفا من اندلاع معركة قال إن الجميع يتحدث عنها في المنطقة.
وزاد ذلك من التكاليف والأعباء الملقاة على عاتق العائلة، حيث بات على الشاب أن يجد عملا جديدا في المنطقة التي نزح إليها، بعد فوات عمل “المياومة” الذي كان يقتات منه هناك.
ويعيش آلاف آخرون ممن بقوا في منازلهم حالة من الحيرة والقلق، مع عدم وضوح المشهد، بشأن احتمالية اندلاع معركة، حيث إنهم لا يرغبون في الرحيل بدون داع، ويتخوفون في الوقت ذاته من إمكانية وقوع مواجهة ما، خصوصا مع إعلان سلطة الأسد تعزيز قواتها بريف إدلب.
وتعيش أكثر من 20 قرية قريبة من خط التماس حالة مشابهة، على امتداد المنطقة من ريف حماة الغربي، وحتى ريف إدلب الجنوبي فالشرقي وصولا إلى ريف حلب الغربي.
وفي إجابتها على استفسار من حلب اليوم، قالت إدارة الدفاع المدني السوري، إن استمرار القصف من قوات الأسد وحلفائه على المدن والبلدات في شمال غربي سوريا وخاصةً القريبة من مناطق سيطرة تلك القوات والميليشيات، تسبب بحالة ذعر وخوف كبيرين بين المدنيين.
كما أشارت إلى استمرار القصف والاستهدافات المباشرة التي نشطت مؤخرا عبر الطائرات المسيرة الانتحارية منها والمذخّرة، وهذا ما يعيق حركة المدنيين إلى حد بعيد وخاصةً المزارعين حيث تُرْصَد تحركاتهم واستهدافهم إما بالصواريخ الموجهة أو بالطائرات المسيرة.
وتتواصل مأساة اللاجئين السوريين في لبنان، مع استمرار الحملة الإسرائيلية على مواقع حزب الله، في جنوبي البلاد، حيث تدفقت أعداد كبيرة من النازحين السوريين واللبنانيين نحو سوريا، بسبب القصف الدموي والواسع.
ومع تلك الضغوط اضطر عشرات آلاف السوريين ممن كانوا يرفضون فكرة العودة، إلى التوجه نحو مدنهم وقراهم التي تسيطر عليها قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، وذلك بالرغم من وجود خطر التصفية والاعتقال.
وأكدت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لحلب اليوم أن كثرة أعداد اللاجئين وحالة الفوضى على الحدود، لا تحول دون اعتقال سلطة الأسد للسوريين، حيث يبقى الخطر محدقا باللاجئ السوري بعد دخوله لبلده ووصوله لمنزله إن كان ما يزال موجودا، إذ إن الملاحقات الأمنية لا تتوقف.
وأضافت: “بمجرد دخولهم إلى سوريا فلا شيء يمنع قوات الأمن من اعتقال بعضهم فورا، كما أن هناك مسألة التجنيد الإجباري، ويوجد الكثير من الشبان ممن دخلوا إلى سوريا وأعمارهم تحت الثامنة عشر، وسيُطْلَبُون فيما بعد للتجنيد بعد دخولهم لسن التجنيد، وكانت سلطة الأسد قد فعلت ذلك من قبل”.
وقد وجد الكثير من السوريين أنفسهم مضطرين للعودة لسوريا، رغم كل ما تحمله من مخاطر، حيث لم يعد البقاء هناك ممكنا بأي شكل، فيما توجد صعوبات معيشية جمة تحول دون انتقالهم إلى أماكن أخرى في لبنان؛ مما جعل الكثير منهم فريسة سهلة لسلطة الأسد وأفرعها الأمنية، وضباطها الذين يبتزون أموال اللاجئين من أجل التغاضي عن اعتقالهم، حتى لو كان ذلك بدون داع.
وأمام هذا الواقع اختار الآلاف التوجه نحو الشمال السوري، رغم أن عليهم دفع مبالغ كبيرة لضباط قوات الأسد من أجل السماح لهم بالمرور عبر الحواجز حتى الوصول إلى المحرر.
ولا تنتهي مأساة هؤلاء بمجرد الوصول، حيث يجدون أسعار إيجارات عالية في انتظارهم، بينما أغلبهم – وفقا ليمن حلاق – من الفئة الفقيرة التي ربما لا تملك شيئا من المال.
ومع تفاقم حالة الجشع، لم تسجّل أي محاولة من قبل حكومة الإنقاذ في إدلب، أو الحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب، لوضع حد لظاهرة استغلال النازحين من قبل أصحاب العقارات.
وألحق ذلك الضرر حتى بأبناء المنطقة الأصليين في الشمال السوري، ممن لا يملكون منازل أو محال تجارية، إذ إن عليهم دفع مبالغ كبيرة للإيجارات حالهم حال النازحين.
يشار إلى أن حالة البطالة تنتشر بشكل واسع في المنطقة، بسبب قلة فرص العمل، فيما تشكل الطبقة الفقيرة الأغلبية الساحقة.