تتواصل الضربات الإسرائيلية القاسية والحازمة على مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني، وسط خطوات متسارعة نحو الاجتياح البري، فيما تطلق تل أبيب تحذيرات لإيران من التدخل في الحرب، كما يظهر موقف بشار الأسد الآن هو الأضعف خلال عقود خلت.
ولا يبدو الأمر كمجرد عمليات عسكرية محدودة غرضها إبعاد صواريخ حزب الله عن المستوطنات الإسرائيلية، أو منعها من دعم غزة، حيث إن القوات الإسرائيلية اجتاحت القطاع على مدى ما يقرب من عام دون أن يقدم حزب الله أي إسناد فعلي ذا قيمة عسكرية.
ومع إعلان الجيش الإسرائيلي رسميا تصفية أمين عام حزب الله حسن نصر الله وقادة آخرين في الغارة التي استهدفت ضاحية بيروت، يوم الجمعة الفائت، تحدثت تل أبيب عن “ترتيب جديد”، وهو اسم العملية التي استهدفت من خلالها نصر الله.
يقول حسام نجار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي،لحلب اليوم، إن ما يجري الآن هو خطة مسبقة معدة بعناية، وليس مجرد رد فعل على هجمات تجاه إسرائيل، وإن هناك بالفعل عملية إعادة ترتيب للمنطقة تقوم بها تل أبيب بإسناد أمريكي كامل.
وقال نجار إن “الجميع يتابع الخطة الإسرائيلية المعدة مسبقاً لتقزيم وتحجيم حزب الله وليس للقضاء عليه؛ خاصة أن نتنياهو يريد تحقيق انتصار مبهر بعد فشله في القضاء على حماس وكذلك محاولة حزب الله لعب دور أكبر من حجمه في المنطقة”.
وأكد رئيس الأركان الإسرائيلي أن الضربات الجارية الآن “ليست نهاية المطاف بالنسبة للقدرات الإسرائيلية”، مشيرا إلى أن تنفيذ الهجوم على الضاحية الجنوبية أُعِدّ له لفترة طويلة، وأن تل أبيب “مستعدة دفاعيا وهجوميا”.
من جانبها ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن تصفية نصر الله، جاءت تتويجا لسلسلة من الهجمات ضد القيادة العليا للتنظيم ومخابئ الأسلحة الرئيسية، واستنادا إلى معلومات استخباراتية جُمعت خلال عقود من الزمن.
وبحسب نجار فقد أدت “تصريحات نصر الله الحادة وكذلك خروج مليشياته عن الخطة المنوطة بهم والحدود المرسومة لهم والتي عليهم أن لا يتجاوزوها” إلى الأحداث الجارية حاليا، معتبرا أنه “لا بد من تقليم تلك الأظافر وإعادة ترتيب المنطقة ديمغرافياً وعسكرياً واقتصادياً”، ويتطلب ما سبق “الإتيان بشخصية غير حسن نصر الله التي تم استهلاكها”.
ما موقع الأسد من تلك العملية؟
مع توسع الضربات الإسرائيلية في انتظار العملية البرية جنوب لبنان، باتت الأنظار تتجه إلى الساحة السورية والتداعيات الممكنة عليها، نظرا لانتشار الميليشيات الإيرانية وعلاقتها بسلطة الأسد.
وتحدثت تقارير سابقة عن رغبة ضمنية للأخير بالتخلص من نفوذ الميليشيات الإيرانية المتزايد على الأرض السورية، وعن وجود تفاهم غير معلن مع إسرائيل حول ذلك، فيما تتحدث تقارير أخرى عن تداعيات سلبية بالنسبة له في المرحلة المقبلة، قد تؤدي إلى استهدافه.
يقول مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالشؤون الإيرانية، لحلب اليوم إن “الرغبة الأسدية ستصطدم بحائط الواقع المحلي والإقليمي والدولي بما يخص تموضع إيران في سوريا”.
وبالرغم من أن هنالك “تصريحات من قبل سلطة الأسد مفادها بأنه غير راغب في استمرار نفوذ المحور الإيراني في سوريا”، إلا أنه “غير قادر على منع هذا النفوذ حيث إن الجغرافيا السورية مستباحة بشكل شبه كامل لميليشيا المحور ولم تعد لديه القدرة على السيطرة حتى على نقاطهم العسكرية في حال تموضع الميليشيات الإيرانية”.
من جانبه يرى نجار أن تلك الضربات “تؤثر نوعاً ما على بشار الأسد لكنها ليست قاضية وإنما يراد له أن ينصاع بشكل تام للخطة الأمريكية – الإسرائيلية وهذا ما نراه منذ طوفان الأقصى فلم يصدر له صوت أو بيان”.
وحول ما إذا كان الأسد قد حجز مكانا لنفسه في “الترتيب الجديد”؛ قال نجار إنه “يعتبر ركنا أساسيا في ترتيب المنطقة من جديد وهو أداة فعالة جُرِّبَت في مناسبات عديدة ويؤدي أدواراً كثيرة نفذها بامتياز”.
وكانت تصريحات محمد علي الحسيني أمين عام المجلس العربي الإسلامي التي وجهها لحسن نصر الله قبل مقتله بيوم لافتة جدا، حيث أكد أن إيران تخلت عنه و”باعته” طالبا منه أن “يكتب وصيته” مشيرا إلى أنه يستند لمعلومات وليس لتحليلات.
وأكد الحسيني أمس في تصريحات جديدة، أن معلوماته التي يتحدث عنها، تشير إلى أن الخطة الإسرائيلية تتضمن اجتياح الجنوب السوري أيضا، وصولا إلى دمشق، حيث سيتم إجبار الأسد على القبول بحلول جديدة.
ويعتقد نجار أن “التفاهمات تمت مع العرب وإسرائيل بشكل أساسي”، مضيفا بالقول: “بحسب ما وصلنا فإن بشار الأسد في اجتماعات ثنائية وأخرى سرية صرح للعرب بأنه غير قادر على إخراج حزب الله وإيران من سوريا لأسباب عديدة أهمها المطالبة الإيرانية بالأموال والقروض وثانيها تغلغلها داخل الجيش والأجهزة الأمنية”.
وأضاف المحلل السياسي السوري أن الأسد “طلب أن يتم التعامل العسكري من قبل إسرائيل مع هذه القوات على الأرض السورية، حيث تم البدء بضرب مصياف ومصنع الصواريخ الإيراني هناك”.
كما أن الأسد “طلب إقفال مكاتب حزب الله في السيدة زينب، منذ بدء الضربات على حزب الله”، و”لم تصدر سلطته أو إعلامه شيئاً ذا أهمية حول الضربات” حيث “لم يكن هذا الأمر حديثاً بل من فترة شهور لم يسمح إعلامه الرسمي بنقل خطابات نصر الله على التلفزيون الرسمي بشكل مباشر”، وفقا لنجار.
ونوه النعيمي بأن الميليشيات الإيرانية وحزب الله كانت سببا في الكثير من الضربات التي توجه لمنظومات دفاعه الجوي أثناء تحركها إضافة إلى محاولة إيران زج الكثير من العناصر الذين ينتمون إليها في صفوف قواته.
ويرى الأخير أن المنطقة بشكل عام تتجه صوب حرب واسعة النطاق وربما كان حزب الله “كبش الفداء الأول الذي قدمته إيران على مذبح ملفها النووي، وربما يكون الأسد هو الهدف القادم إسرائيليا”، وذلك فقط “في حال عدم قدرته على الوفاء بتعهداته أمام تل أبيب”.
بدوره أكد نجار أن “محاولة اغتيال بشار الأسد كانت واردة سابقاً أمريكياً وتم إيقافها إسرائيلياً، لكن في هذه الأيام تم إلغاء الأمر نهائياً فلم تستطع أمريكا أو إسرائيل إيجاد شخصية تقدم لهم أكثر مما قدم لهم الأسد”.
أين ستقف العملية الإسرائيلية؟
تشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن نوايا تل أبيب تتطلع إلى توسيع دائرة الحرب، حيث تم استهداف مواقع الحوثيين في اليمن فور محاولتهم التدخل بالمواجهات.
ويعتبر نجار أن الضربات الإسرائيلية لن تتوقف؛ “خاصة بعد الحديث المطول عن تحذير إسرائيل لدول عربية وحضها على ضرورة منع إيران من التوسع وإلا فإن قطار التطبيع معها سيتوقف”، و”هذا ما نلاحظه من قصف مستمر للمنطقة الشرقية من سوريا وتدخل روسيا لمنع استخدام الجولان لقصف إسرائيل”.
ويقول مراسل الشؤون العسكرية في القناة 12 العبرية، نير دفوري، إن إسرائيل لا يمكنها التوقف الآن، قبل تدمير الأسلحة في جنوبي لبنان، حيث إن “أمامها فرصة لفرض واقع أمني جديد، وبناء قوة في المنطقة تساعدها وتساعد الشرق الأوسط من أجل “ترتيب جديد”، ما يتطلب “خطوات عسكرية وسياسية في نفس الوقت”.
وأضاف أن تل أبيب “تحتاج إلى هذا الائتلاف للعمل معاً.. نوجَد في مكان لم نوجَد فيه منذ عقود (عقب الضربات لحزب الله)، ولذلك يجب استغلال الفرصة”.
ويختم نجار بالقول: “بالتأكيد فإن الاتفاق سوف يستمر وستكون هناك ضربات إسرائيلية عديدة وفي أماكن موسعة من سوريا وأتوقع أن الساحل وحمص سيكونان مركزاً للقصف الإسرائيلي”.
وكانت وسائل إعلام محلية قد أكدت سماع دوي انفجارات في محيط العاصمة دمشق، صباح اليوم الاثنين، فيما حاولت الدفاعات الجوية التصدي لصواريخ إسرائيلية في سماء ريف دمشق، كما سُمع إطلاق رصاص كثيف في ضاحية قدسيا بريف دمشق بعد سماع دوي انفجارات.