لم تبدأ مجازر حزب الله وزعيمه حسن نصر الله في سوريا بعد حمل السلاح ضد سلطة الأسد وتحول الثورة السلمية إلى مسلحة، لكن انتهاكات عناصر الميليشيا اللبنانية التابعة لإيران بدأت بالأطفال والنساء في وقت مبكر جدا من عمر الثورة.
ومع امتعاض أنصار الميليشيا من “الشماتة” السورية بما حل بالأخيرة جراء المواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، أعاد ناشطون سوريون تسليط الضوء على كمية المجازر والانتهاكات التي وقعت على أيدي عناصرها وقادتها.
فمنذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة، انتشر عناصر حزب الله بلباس مدني وعسكري على أبواب الكليات في جامعتي دمشق وحلب، بالتزامن مع انتشار دعوات للتظاهر، وذلك للمشاركة في قمع المظاهرات وضرب الطلاب وسحلهم.
كما دخل المئات من العناصر إلى سوريا بين عامي 2011 و 2012، وتركز وجودهم في المواقع الحيوية بالعاصمة دمشق والسيدة زينب جنوبها ومواقع بحلب شمال البلاد، خصوصا نبل والزهراء، إضافة إلى كفريا والفوعة شمال شرق إدلب، وذلك قبل الانتشار الكبير الذي تزايد مع الوقت، وبلغ ذروته مع التدخل الروسي عام 2015.
وكان لميليشيا حزب الله بزعامة حسن نصر الله، بصمة واضحة في أول وأكبر مجزرة وقعت بسوريا عام 2012، وهي مجزرة الحولة الشهيرة.
يقول الناشط السوري بسام الرحال، لموقع حلب اليوم، إنه كان لعناصر الميليشيا دور كبير ومشاركة حقيقة بارتكابها في منطقة ريف حمص الشمالي عام 2012، حيث تعد من أبشع المجازر التي حصلت منذ بداية الثورة السورية.
وانطلق منفذو تلك المجزرة من قرية الغور الغربية (الشيعية) حيث كان يوجَد عناصر حزب الله، وقد أعادت مشاهد المجزرة إلى الأذهان حضور البربرية بأجلى حالاتها وعمليات التعذيب الوحشية والهمجية التي كانت تجري في العصور الوسطى، وفقا للرحال.
وأكد الأخير أن ميليشيات حزب الله وقفت بعد ذلك إلى جانب قوات الأسد وشبيحة من قرى القبو وفلة والغور الغربية الموالية، وقتلت أكثر من 112 مدنيًا بينهم نساء وأطفال ذبحًا بالسكاكين وحراب البنادق، وأطلقت النار على أعناقهم ورؤوسهم من مسافات قريبة بدم بارد.
ونوه بأن مجزرة الحولة هزت السوريين جميعًا والعالم بأسره، لما حملته من مشاهد فظيعة فاقت الوصف، وكانت ردود الفعل الشعبية للسوريين تعبر عن كمية الحزن والقهر الكبيرين من هول الكارثة وعدد الضحايا، وخصوصًا مع طريقة القتل ذبحًا التي أثبتت مدى الانحطاط الإنساني الذي تحمله الميليشيات الطائفية الموالية للأسد.
وفي أواخر صيف عام 2015، تعرضت مدينة مضايا السورية لحصار اتسم بالقسوة والوحشية والشماتة التي أظهرها عناصر حزب الله بجوع المدنيين ومعاناتهم، حيث حرموا سكان المدينة من الحصول على الغذاء والدواء، وهو ما أدى لوفاة الكثيرين من الأطفال والمرضى وكبار السن، قبل أن يفرض التهجير على من تبقى منهم.
وقال علي الدالاتي، وهو ناشط سوري، في تعليقه لحلب اليوم: “رغم فرحنا بمقتل نصر الله يبقى في القلب غصة لأن هذا المجرم لم يُقدم للمحكمة ولكنه قُتل في قصف إسرائيلي”.
وأوضح أن تصفيته وباقي قادة الميليشيا هو “نوع من العدالة الإلهية”، والعقاب “لما فعله هذا المجرم والميليشيا التي تتبعه في سوريا” حيث قتلوا آلاف السوريين، ودمشق تشهد عليهم بالمجازر التي فعلوها في النبك وداريا ومضايا والزبداني ووادي بردى والغوطة الشرقية وريف دمشق الجنوبي وأحياء العاصمة الجنوبية، إذ شاركوا في الحصار والتهجير والقصف.
يقول الناشط الإعلامي السوري م. أمجد المالح، لحلب اليوم، إن المدن السورية الثائرة عانت جميعها من إجرام ميليشيا حزب الله، فمنذ اليوم الأول للثورة السورية انخرطت في الحرب وهذا ظهر جلياً في منطقتي مضايا والزبداني ومنطقة الحدود السورية اللبنانية بشكل عام.
وأضاف أن إجرام عناصر حزب الله لم يكن يضاهي إجرام عناصر سلطة الأسد، بل “فاقهم بمراحل محملين بفكر طائفي بغيض”.
ومضى بالقول: “من خلال تواجدي في مراحل الثورة ومتابعتي الميدانية لكل التطورات التي تلت انطلاقها مروراً بحصار بلدتي مضايا التي هُجّرنا منها في ٢٠١٧ نحو الشمال السوري رصدت الكثير من الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيا وكان أخطرها في الأعوام ٢٠١٥ – ٢٠١٦ – ٢٠١٧ حيث حُوصرت بلدتي مضايا بشكل تام ومُنِع الطعام والمواد الطبية من الدخول وكان المتسبب الرئيسي في هذه الجريمة هم عناصر حزب الله اللبناني حيث استشهد في هذه الفترة نحو ٣٥٠ شهيد في بلدتي جلهم بسبب الجوع والحصار والألغام”.
وعندما تلقى المالح خبر قتل حسن نصر الله أمس، استذكر الكثير من الصور والوجوه والكثير من الألم، ولكنه “لم يستطع أن يفرح بمقتله”، قائلا: “كنت أتمنى أن لا يسبقنا الموت إليه قبل إلقاء القبض عليه حياً لينال جزاءه العادل أمام محاكم ثورية.. كنت أتمنى أن تكون الفصائل الثورية هي من يقوم بهذا العمل المبارك ولكن للأسف كان الموت إليه أسرع”.
سيكون موت حسن نصر الله “فارقة في مستقبل المنطقة ونقطة تحول كبيرة في تاريخ الشرق الأوسط برمته وخصوصاً الثورة السورية”، وفقا لما يراه المالح حيث يعرب عن أمله في أن تستغل فصائل الثورة “الفرصة الذهبية” و”تعيد تفعيل الجبهات وتحرر الأرض والإنسان كي نكمل مشروعنا الثوري المتمثل ببناء سوريا الحديثة القائمة على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة”.
وضع نصر الله يده في يد بوتين للمساعدة في تقطيع أوصال الأطفال والنساء وتشريد العائلات، بينما يتم غسل أدمغة شبان جنوب لبنان ومراهقيه بشعارات تحمل حقدا طائفيا فظيعا.
وقامت المليشيا بتسوية قرى وبلدات بأكملها بالأرض، كما طردت سكان مدينة القصير شرق حمص، واحتلتها بشكل كامل، نظرا لموقعها الهام على الحدود السورية – اللبنانية، وذلك بعد انتهاكات طائفية كبيرة.
وفعلت الشيء نفسه في دير الزور شرقي البلاد، ودرعا في الجنوب إضافة إلى القلمون غرب دمشق والبادية السورية، حيث هجرت السكان الأصليين وجلبت أنصار إيران من العراق وغيره، فضلا عن تورطها في “صفقات مشبوهة” مع تنظيم الدولة شرقي البلاد.
ومع كل تلك الجرائم استفزّ حسن نصر الله السوريين بتصريحاته وخطاباته التي تحداهم فيها، وأصر على موالاة إيران والأسد، مدعيا أن “طريق القدس” يمر بالمحافظات السورية.
لم تتوقف جهود نصر الله في تدمير المنطقة عند القتل والقصف والحصار، بل حوّل سوريا في مناطق سيطرته إلى أكبر مصدر بالعالم لتصنيع وتهريب المخدرات والكبتاغون، وحوّل جنوب لبنان إلى منطقة مخصصة لزراعتها، وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي.