أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تورط القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية في عمل مشترك لمنع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا وإجبارهم على العودة إلى سوريا رغم المخاطر التي يواجهونها هناك، وبدعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي.
وأشارت المنظمة إلى أن الجيش اللبناني رحّل العديد من السوريين إلى مناطق سلطة الأسد في سوريا بشكل فوري بعد أن أعادتهم السلطات القبرصية إلى لبنان دون السماح لهم بالدخول في إجراءات اللجوء.
وحول ما إذا كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تؤكد ما ورد في التقرير، قالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة، لموقع حلب اليوم، إن تلك المعلومات موثوقة، مشيرة إلى شراكة الشبكة السورية مع “هيومن رايتس”، حيث يتم اتباع منهجية متشابهة فيما يخص جمع الأدلة.
وأضافت أن “هيومن رايتس ووتش” من أبرز المنظمات العاملة بمجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، و”عادة ما تكون كل المعلومات الواردة في تقاريرها موثوق بدرجة عالية لانهم بيتبعون منهجية ممتازة جدا، تعتمد على الأدلة الموثوقة”.
وبحسب التقرير فإن القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية يعملان معا، على صدّ وإرجاع اللاجئين رغم “سعي السوريين في لبنان اليائس إلى المغادرة ومحاولة الوصول إلى أوروبا”، حيث يتم طردهم فورا إلى سوريا.
ويقوم خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى بإعادة السوريين الذين وصلت قواربهم إلى قبرص نحو لبنان، “دون اعتبار لوضعهم كلاجئين أو خطر طردهم إلى سوريا”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنها قابلت 16 لاجئا سوريا حاولوا مغادرة لبنان بشكل غير نظامي بالقوارب بين أغسطس/ آب 2021 وسبتمبر/ أيلول 2023، كما راجعت وتحققت من الصور الفوتوغرافية والفيديوهات المرسلة مباشرة من الأشخاص الذين قابلتهم، ووصلت إلى بيانات تتبع الطائرات والقوارب لتأكيد روايات هؤلاء الأشخاص، وقدمت طلبات حرية المعلومات للحصول على وثائق تمويل “الاتحاد الأوروبي”.
ووثّقت حالات الأشخاص الذين أعيدوا بين أغسطس/ آب 2021 وسبتمبر/ أيلول 2023، لكنّ الحكومة اللبنانية أكدت طرد السوريين الذين أعادتهم قبرص في أبريل/ نيسان 2024، وأعلنت عن عمليات إرجاع جديدة في أغسطس/ آب 2024.
من يتحمل المسؤولية؟
أكدت الباحثة السورية حلاق أن المسؤولية من الناحية القانونية عن الإعادة القسرية للاجئين تقع على الحكومة اللبنانية التي أعادت هؤلاء، فهي من تتحمل مسؤولية الانتهاكات التي تقع بحقهم، كما تتحملها سلطة الأسد التي ترتكب تلك الانتهاكات بشكل مباشر.
ونوهت بأن ذلك انتهاك للقانون الدولي في حال تعرض هؤلاء اللاجؤون لأي نوع من أنواع الانتهاكات مثل القتل أو الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو الإخفاء القسري.
وتنقل المنظمة عن امرأة سورية (44 عاما) أن خفر السواحل القبرصي اعترض قاربهم، و”بدأ عناصر الأمن بإمساكنا ودفعنا” إلى سفينة العودة، و”استخدموا صاعقا كهربائيا وهراوة” على زوجها.
وقالت المرأة: “سالت الدماء من أنفه وفمه في كل مكان”، ومجرد عودتهم إلى لبنان “اقتادنا الجيش من المرفأ… إلى منطقة محظورة بين الحدود [السورية واللبنانية]… وطلبوا منا الركض إلى الجانب الآخر”، ثم احتجزتها قوات الأسد مع عائلتها لمدة تسعة أيام.
ويؤكد التقرير طرد السلطات القبرصية المئات من طالبي اللجوء السوريين بشكل جماعي دون السماح لهم بالوصول إلى إجراءات اللجوء، وأجبارهم على ركوب سفن سافرت بهم مباشرة إلى لبنان، حيث قال الأشخاص المُبعدون إن عناصر الجيش اللبناني سلموهم مباشرة إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا.
وبمجرد وصولهم تعرض اللاجئون المبعدون ليس فقط للاحتجاز من قبل قوات الأسد، بل للابتزاز من قبل مسلحين مقابل دفع المال لتهريبهم إلى لبنان مجددا.
وتشير حلاق إلى دور الاتحاد الأوروبي الذي “يساعد في دفع التكلفة، حيث تنتهك قبرص هذا الحظر أيضا من خلال دفع اللاجئين إلى لبنان حيث قد يتعرضون للإعادة إلى الخطر في سوريا”.
كما أن “تخاذل المجتمع الدولي بقضية إجبار اللاجئين على العودة القسرية تحت مسمى العودة”، مضيفة أن “المجتمع الدولي يتحمل جزءا من المسؤولية لأنه يسمح بتلك الانتهاكات والتي لا تعتبر جديدة بل أصبحت قديمة ومتكررة، وليست فقط من قبل لبنان بل من عدة دول، إذ تتم إعادة اللاجئين قسريا بنفس الطريقة”.
وتقول هيومن رايتس إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قدموا تمويلا يصل إلى 16.7 مليون يورو بين 2020 و2023، إلى مختلف السلطات الأمنية اللبنانية، لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود التي “تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحد من الهجرة غير الشرعية”.
وخصص الاتحاد حزمة أوسع، في مايو/ أيار 2024، بقيمة مليار يورو للبنان حتى 2027، بما في ذلك أموال لتزويد “القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب”.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء فيه قدموا تمويلات كبيرة لإدارة الحدود اللبنانية دون ضمانات حقيقية لضمان عدم استخدام أموال الاتحاد الأوروبي من قبل جهات مسؤولة عن الانتهاكات أو المساهمة في إدامة الانتهاكات.
وقالت نادية هاردمان، الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة: “لطالما كافأ الاتحاد الأوروبي لبنان على منع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا بمشاريع إدارة الهجرة. بدلا من الاستعانة بجهات خارجية لارتكاب الانتهاكات، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين أن ينشئوا على الفور آليات مباشرة ومستقلة لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية”.
ما الذي يمكن فعله؟
تؤكد الباحثة السورية حلاق أنه من الممكن أن يمارس الاتحاد الاوروبي الضغط على الحكومة اللبنانية، خصوصا وأنه يدفع له مبالغ طائلة بدعوى “احتواء أزمة اللاجئين”، كمان من الممكن لتلك الدول الأوروبية أن تفتح أبوابها ببساطة حتى تستقبل المزيد من اللاجئين وتساهم بالحد من إعادتهم.
لكن “ما يحدث للأسف هو العكس تماما، حيث يتم عقد اتفاقيات لضبط الحدود ومنع تدفق اللاجئين أو خروجهم من لبنان عبر البحر نحو أوروبا”.
وبينما يعيش 1.5 مليون لاجئ سوري في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة بلبنان يضطر الكثير منهم إلى المغادرة نحو أوروبا، ونظرا لعدم وجود مسارات هجرة قانونية وخوفا من الاضطهاد في سوريا، يؤكد “العديد من الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش” أن رحلات العبور غير النظامية بالقوارب هي السبيل الوحيد المتاح لهم لحياة آمنة وطبيعية.
لكن الاتحاد الأوروبي – وفقا لحلاق – لا يمنع الوصول إليه فحسب، بل يمتنع عن ممارسة الضغوط على لبنان حتى يتوقف عن ممارسات الإعادة القسرية، فضلا عن تقصير الأمم المتحدة التي “تستطيع أن تمارس الضغط الدبلوماسي على الأقل”.
كما “تستطيع المفوضية السامية لحقوق اللاجئين مثلا أن تعمل على تنظيم هجرة اللاجئين في لبنان لبلد ثالت بطريقة شرعية”، وفقا للباحثة السورية.
ويؤكد العديد من المهاجرين الذين تمكنت قواربهم من الوصول إلى المياه القبرصية استخدام سفن خفر السواحل هناك “مناورات خطيرة لاعتراض القوارب”، مع ممارسات تهدد حياتهم.