يعاني الشمال السوري من تحديات كبيرة في قطاع الصناعة تتطلب جهوداً كبيرة للتغلب عليها، فيما تشهد المنطقة محاولات لإقامة منشآت ومصانع إنتاجية.
وبينما يحتاج الشمال السوري إلى إعادة بناء البنية التحتية، وتحقيق الاستقرار الأمني، وصولًا إلى تقديم الدعم المالي والتقني للصناعيين، يبقى تصريف البضائع هو الحاجة الأساسية أمام نهوض الواقع الصناعي.
وبدون معالجة هذه القضية، سيظل القطاع الصناعي في شمال غربي البلاد يواجه صعوبات كبيرة تعوق نموه واستمراريته، وفقا لما يؤكده الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لحلب اليوم.
وأشار إلى أن معاناة السكان في الشمال السوري تكمن في عدم القدرة على تصدير المواد المصنعة داخليا إلى تركيا، حيث أن “المصيبة” التي تعاني منها المنطقة هي في منع دخول هذه البضائع إلى تركيا، وبالتالي “هنا تكون المشكلة الأساسية وهو ما يعيق حركة التجارة و التطور في الشمال السوري”.
يأتي ذلك فيما تحاول تركيا إعادة افتتاح معبر أبو الزندين، وسط رفض قطاع واسع من السكان في ريف حلب لتلك الفكرة، وهو ما يرى شعبو أنه قد يكون فرصة لإيجاد حل لتلك المشكلة.
وأكد أنه يجب أن يتم – إذا كانت هناك قدرة على التفاوض نوعا ما – السماح بإدخال البضائع السورية إلى تركيا أو على الأقل إلى الجنوب التركي في مقابل فتح معبر أبو الزندين، حتى يكون هناك تصريف للمنتجات الموجودة.
ومنذ دخول المنطقة في حالة من الاستقرار النسبي، عقب عملية درع الفرات في ريفي حلب الشرقي والشمالي، أعلنت الحكومة السورية المؤقتة، عن انطلاق مشروع لبناء منطقة صناعية بالقرب من مدينة الباب بدعم وتعاون من الجانب التركي.
كما شهدت إدلب محاولة مشابهة، حيث يتم الحديث عن تقدم وتوسع في مشروع المنطقة الصناعية في منطقة باب الهوى الحدودية شمال إدلب، والتي أقامتها حكومة الإنقاذ منذ سنوات، وتحظى بنوع من الاهتمام.
لكن التصنيع ليس كل شيء، فمن أهم عناصر الدورة الإنتاجية وجود أسواق لتصريف البضائع، إلا أن ما يتم تصريفه هو عدد محدود من المواد غير المصنعة، وفقا للتاجر عبد الحكيم العبد.
ويقول العبد، لحلب اليوم، إن نحو 200 طن من مادة الهال خرجت من أسواق الشمال السوري، إلى الإمارات العربية المتحدة فقط، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك على سبيل المثال.
ويضيف أن هذه الخطوة ربما تساهم في دخول الأموال للمحرر، حيث اشترى العديد من التجار تلك المادة أثناء رخصها، فيما تضاعفت أسعارها خلال العام الحالي، لكن هناك مواد يساهم خروجها في إلقاء الثقل على كاهل المستهلك المحلي بسبب ارتفاع أسعارها، مثل زيت الزيتون الذي يتم تصديره عبر تركيا، ورؤوس الغنم التي يتم “تهريبها” نحو إقليم كردستان العراق، عبر الشمال الشرقي من سوريا.
ويضيف التاجر السوري، أن التصدير ليس دائما في مصلحة المواطنين والمنطقة بشكل عام، وأن الأساس في دعم الشمال السوري اقتصاديا، هو تصريف الإنتاج، بما يشجع المستثمرين على إقامة مشاغل.
ورغم كل ما تعرضت له المنطقة من نزوح وتدمير، لا تزال هناك خبرة جيدة توجد في كل من إدلب وريف حلب، في مجالات متنوعة مثل إنتاج الأحذية والألبسة والمنظفات والمخللات والمنتجات البلاستيكية البسيطة، وهي مجالات لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة أو بنية تحتية صناعية متقدمة.
ونوّه شعبو بأن إنتاج الشركات أو المحال التجارية والصناعية في الشمال السوري، إضافة للانتاج الزراعي الموجود في الداخل السوري بحاجة للتصدير وإيجاد أسواق تصريف له، وإلا فإنه يباع – كما هو الحال – في الداخل بأسعار بخسة.
وأوضح أنه لا يمكن للسوق الداخلي أن يجد تصريفا لهذه البضائع بسبب انخفاض قيمة العملة والوضع الاقتصادي الصعب نوعا ما بشكل أساسي، وبالتالي قد يشكل ذلك نوعا ما ضغطا على الصناعيين والتجار والزراعيين.
ويواجه شمال غرب سوريا تحديات كبيرة في قطاع الصناعة نتيجة لعدة عوامل أخرى مرتبطة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي تمر بها المنطقة، فهي محاصرة باستثناء المعابر مع تركيا، كما لا تزال معرضة للتهديد بالهجمات سواء الجوية أو البرية، فضلا عن القصف المستمر.
كما تعرضت على مدار سنوات الحرب لتدمير واسع النطاق في البنية التحتية، بما في ذلك المنشآت الصناعية، والطرق، والكهرباء، والمياه، ما أدى إلى تعطيل العمل في العديد من المصانع وتوقف الإنتاج بشكل شبه كامل في بعض الأحيان.
ويشكل أيضا عدم الاستقرار الأمني عائقًا كبيرًا أمام الاستثمار في القطاع الصناعي، إذ لا تزال المنطقة تشهد اشتباكات متفرقة، فضلا عن تخوف المستثمرين من الاستيلاء على ممتلكاتهم أو فرض الإتاوات عليها، مما يعزز المخاوف لدى المستثمرين المحليين والدوليين ويحد من إمكانية توسيع أو إنشاء مشاريع صناعية جديدة.
ورغم حركة الهجرة الكبيرة للأيدي العاملة نحو تركيا وأوروبا، لا تزال المنطقة تعاني بطالة مستفحلة، ولا تشكو نقص المهارات والخبرات وذلك بسبب قلة المشاريع وفرص العمل.
ووصلت معدلات البطالة بين السكان المدنيين إلى 88.74 % بشكل وسطي ( مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة)، وهي في أوساط النازحين أعلى منها في أوساط السكان المحليين.