خاص | حلب اليوم
في ظل الثورة الرقمية المعاصرة، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ودخولها حياة الأفراد كجزء من حياتهم، ظهر نوع جديد من العمل، وهو إنتاج المحتوى لهذه الوسائل بهدف الحصول على المزيد من التفاعلات ومن ثم الأموال.
كما لهذه المواقع تأثيرات إيجابية من ناحية تقريب المسافات والشعوب والأفكار، وسهولة التواصل، وسرعة وصول المعلومات والأخبار وغير ذلك، بالمقابل لها العديد من التأثيرات السلبية على الشباب والأطفال على حد سواء، من ناحية تراجع التواصل الفيزيائي والتفكك الاجتماعي، وتداول أخبار كاذبة أو معلومات غير دقيقة، وأخيرا ما بات يعرف بـ “التسول عبر الإنترنت”، ولهذه الظاهرة أشكال متعددة منها، التسول بالتعليقات من خلال استجداء المساعدة أو عبر الرسائل الخاصة أو الرسائل الإلكترونية.
الشمال السوري لم يكن بمنأى عن كل ما سبق، فكما كانت وسائل التواصل وسيلة لنقل قضية الثوار وإجرام سلطة الأسد ومعاناة الأهالي والويلات التي يعيشونها، أيضا كان لها دور بتأمين فرص عمل كما يسميها بعض مرتاديها، كما البثوث المباشرة التي انتشرت مؤخرا على المنصات خاصة منصة تيك توك.
مجد محمد أحد رواد برنامج التيك توك شمال غرب سوريا يقول: كنت استخدم برنامج التيك توك للعمل من خلال الدخول على البثوث المباشرة وجمع العملة الإلكترونية وبيعها عند أحد المندوبين الذين يجمعون هذه العملة علما أن كل ألف نقطة أو ما يطلق عليها عملة تساوي ثمانية دولارات أمريكية.
فيما أشار محمد خلال حديثه لموقع حلب اليوم إلى أنه حاول الانخراط في سوق العمل من خلال بحثه عن عمل، لكن دون جدوى فلمّ يوفّق بالحصول على عمل ما أجبره على اللجوء إلى التيك توك مرغمًا وقضاء غالب أوقاته خلف شاشة جواله يرصد العملة، ويجمعها بحثًا عن لقمة العيش له ولعائلته.
وأضاف محمد أنه يوجد عدة طرق للعمل على برنامج التيك توك وجمع المال من خلاله مؤكدًا أن كافة الطرق تكون من خلال البث المباشر، فمنها يكون من خلال دعم المتابعين للبث بالهدايا باختلاف أنواعها وقيمتها، فمنها يصل سعرها إلى قرابة ثلاثمئة دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن الكثير من مشاهير التيك توك يمارسون هذه الطريقة، ومنهم فنانون كبار، لكنها غير متاحة إلا لمن لديه عدد معيّن من المتابعين منوهًا إلى السلبيات الكبيرة للعمل على بثوث التيك توك حيث يتعرض صاحب البث المباشر للتنمر والتعليقات السلبية والألفاظ النابية وتشبيهه بالمتسول الذي يستجدي عواطف الناس للحصول على هدايا إلكترونية ذات قيمة مادية معيّنة حسب قول محمد.
أما الطريقة الأخرى هي جمع النقاط أو العملة من البثوث التي يطلقها بعض المشاهير وهي الطريقة التي يستخدمها ويعمل عليها بعض الشباب في مخيمات الشمال السوري حسب قول محمد مشيرًا إلى أن العمل على التيك توك ليس بالعمل المثالي الذي يطمح له لما له من سلبيات نفسية وجسدية.
من جانبه يرى الباحث الاقتصادي محمد قوجة أن توجه الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي هو فرصة لتحقيق دخل إضافي في ظل انعدام فرص العمل في الشمال السوري من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق التواصل مع العالم الخارجي رغم سلبيات هذا البرنامج.
وأضاف قوجة في حديثه مع حلب اليوم أن ذلك يعود إلى الضغط السكاني الذي يعانيه الشمال السوري المحرر مشيرا إلى أن 6 ملايين نسمة يعيشون في منطقة مساحتها حوالي 11 ألفاً كم، مع انعدام الموارد الاقتصادية، وهذا ما انعكس سلبًا على مستوى الدخل.
ويبلغ متوسط دخل أسرة مؤلفة من أربعة أشخاص 150 دولاراً أمريكياً أي ما يعادل حوالي 4500 ليرة تركية، بينما تحتاج الأسرة نفسها إلى الحد الأدنى من الدخل حوالي 200 دولار أمريكي أي ما يعادل 7000 ليرة تركية حسب قول قوجة.
وفي سياق متصل، بيّن الدكتور محمد الحمادي عميد كلية التربية في جامعة حلب في المناطق المحررة أن السبب الأساسي علميًا لتوجه الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي هو إشباع وسائل التواصل الاجتماعي لدوافع متعددة لدى الشباب فالفرد يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بدافع، أو يكون بأكثر من دافع، كدافع الاستطلاع أو الإنجاز أو الانتماء أو تحقيق الذات أو الرغبة في الحصول على المال في ظل البطالة المنتشرة وشعور الشباب بالعجز.
حيث يُبنى قياس إدمان وسائل التواصل الاجتماعي على المحكات التشخيصية للإدمان، ومنها ما يُعرَف بالصراع، ويُقصد به حدوث صراع على مستوى الأسرة، العمل، التعليم، ونحو ذلك من الأنشطة المعتادة حسب قول الحمادي، مؤكدًا أن هناك بحوثاً كثيرة أظهرت نتائجها وجود علاقة ارتباطية عكسية سالبة بين إدمان وسائل التواصل الاجتماعي والأداء الأكاديمي أو الإنجاز أو التحصيل،
وأضاف الحمادي أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى مشكلات أسرية، وانعزال أفراد الأسرة، وإضعاف التواصل والحوار الأسري، حيث أشار الحمادي إلى دراسة أجريت عام (2018) التي شملت /80/ أسرة عراقية، أشار 65% من أفراد عينة البحث إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي زادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأكد 54% منهم أن عدم الاهتمام العاطفي من الأبوين يؤدي إلى البحث عن الدفء العاطفي في مواقع التواصل الاجتماعي بدلًا عنهم.
فيما أشار الحمادي إلى دراسة أخرى جرت عام (2020) إلى أنّ الإنترنت أصبح يشكل أكبر تحدٍ للأسرة في كيانها نتيجة تكريسه للعزلة الاجتماعية، وإثارة فجوة واسعة بين الزوجين، وبين الزوجين والأبناء، وبين الأبناء أنفسهم، وأدى إلى ظهور حالة من الجفاف العاطفي، وإهمال شؤون الأسرة.
وفي ختام حديث الحمادي لموقع حلب اليوم شدد على الاستخدام المتوازن غير المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي والتوازن بين وقت الاستخدام والأنشطة الحياتية الأخرى والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها وسائل فقط.