تؤكد التقارير أن استخدام المسيّرات في تهريب المخدرات بات يمثل تحديا جديدا وغير مسبوق أمام القوات الحدودية الأردنية بسبب صعوبة الرصد والاعتراض، فهو تطور مثير لقلق عمان، بينما تكافح لمنع محاولات التهريب البرية.
وسلّط تقرير لمجلة “المجلة” الضوء على الجهود المبذولة لمكافحة نقل المخدرات عبر الحدود الصحراوية للأردن مع سوريا، والتي يبلغ طولها 375 كيلومترا (233 ميلا)، حيث ازدهرت على نطاق واسع تجارة المخدرات المربحة وسط فوضى الحرب.
ويربط مراقبون بين “عرقلة” شاحنات نقل البضائع في معبر نصيب، وبين مطالب الأردن بوقف تهريب المخدرات، فيما تبدو عمان أمام وسائل ضغط قليلة الفعالية تجاه ميليشيات إيران وسلطة الأسد.
يقول العقيد مالك الكردي، لحلب اليوم، إنه يصعب على الأردن تغطية كامل الحدود وخاصة أن جزءا كبيرا منها يمتد عبر البوادي والمناطق الخالية من السكان، وعبر تاريخه عانى الأردن من مشاكل التهريب بسبب طول الحدود وعدم وجود القوات الكافية لتغطيتها، ولكن في السنوات الأخيرة أخذ التهريب منحى خطيرا مع الميليشيات الإيرانية التي باتت تهرب جميع أنواع المخدرات.
وقد أعلنت السلطات الأردنية في 22 يوليو/تموز الماضي، عن اعتراض مسيّرة محملة بالمخدرات قادمة من سوريا، في حدث لم يعد نادرا، بل بات جزءا من سلوك مثير للقلق، ففي الأسابيع الأخيرة اعترضت السلطات الأردنية أيضا مسيرتين أخريين تحملان مواد غير مشروعة قادمة من سوريا، وهو ما يعكس الجهود القصوى التي تبذلها شبكات التهريب في جنوب سوريا.
وبحسب تقرير المجلة قد جاهد الأردن طيلة سنوات لمواجهة محاولات تهريب المخدرات عبر حدوده مع سوريا، وسط فوضى الحرب و”تواطؤ جهات حكومية”، بيدَ أن ما يجعل هذه الأحداث الأخيرة مثيرة للقلق على نحو خاص هو تجدد استخدام المسيرات بعد أشهر من التوقف، مما يشير إلى أن شبكات التهريب في جنوب سوريا لا تزال تحاول استخدامها لتوسيع أنشطتها، بعد أن استخدمتها العام الماضي أول مرة.
ويضيف العقيد السوري المنشق عن قوات الأسد أن السلطات الأردنية تمكنت من مواجهة المهربين عبر العمليات العسكرية والحد من نشاطهم إلا أن الوقائع تثبت أن إيران تتعمد تسليم الطائرات المسيرة للميليشيات التابعة لها بهدف تمرير صفقات تهريب المخدرات.
وحيث تزايدت هذه الظاهرة وبات من الصعب كشفها وخاصة ليلا، “صار لزاما على الحكومة الأردنية نشر محطات رادار لكشف الأهداف القريبة وتحديد نقاط انطلاقها مع نشر وحدات صغرى قادرة على الانتقال السريع والخاطف لمواجهتها من الحركة وإن تطلب الأمر دخول الأراضي السورية”.
وتتميز المسيّرات بأنها تفلت بكفاءة من الرصد والاعتراض أكثر بكثير من أساليب التهريب البرية التقليدية، وهذا ما يفضي إلى تفاقم الاتجار بالبضائع المهربة ويطرح أيضا على الأردن “مجموعة جديدة من التحديات الأمنية لا يسعه تجاهلها”، وفقا للتقرير.
وتُبرز بيانات مفتوحة المصدر سلسلة كبيرة من اعتراض المسيرات، ففي 22 يوليو أعلن الجيش الأردني عن اعتراض مسيرة قادمة من سوريا، وجاء هذا الحادث في أعقاب عملية اعتراض أخرى أبلغ عنها قبل يومين فقط، حيث أحبط “جسم طائر” كان محملا بنحو 4000 حبة من الكبتاغون.
يضاف إلى ذلك أن السلطات الأردنية أبلغت في 19 يونيو/حزيران، عن إسقاط مسيرة تحمل مادة ميثامفيتامين البلوري، وهي مادة شديدة الإدمان، قبل أن تتمكن من دخول الأردن، كما شهد العام الماضي ارتفاعا في وتيرة الحوادث المماثلة.
ويعتبر معدل نجاح عمليات التهريب المعتمدة على المسيرات مرتفعا، نظرا للتحدي الهائل الذي تمثله المسيرات لأنظمة الرادار الناجم عن ضآلة بصمتها الرادارية.
هل تنفع الدبلوماسية؟
بادر الأردن لدعم مسار التطبيع العربي مع الأسد، في مسعى لاحتواء نظامه والميليشيات المرتبطة به، عبر تقديم عروض باستعادة العلاقات وحلحلة الأوضاع مقابل بنود منها وقف تهريب المخدرات.
ورغم موافقتها على بذل الجهود لوضع حد لتلك الميليشيات، إلا أن سلطة الأسد تواصل دعمها في تنسيق مشترك مع حزب الله، وهو ما خيب آمال الأردن.
ويرى العقيد الكردي أنه منذ بداية تحرك الدبلوماسية الأردنية نحو الأسد “كان الفشل حتميا لأنه لم يجد بديلا غير إطلاق عصابات المخدرات لنيل حصته من الأموال بعد أن أغلقت جميع الخيارات أمامه لتأمين دعم مادي”.
ويعني ذلك – وفقا للعقيد – أن على الأسد أن يتجه إلى أن يخنق نفسه بنفسه، في حال أوقف تلك العمليات، كما أن “ضباطه وقادته الذين استمرؤا السرقة والفساد لا يمكن بأي حال أن يبقوا دون نشاط يدر عليهم أموالا، لذلك فإنهم سينسفون أي اتفاق يتم بين الأسد والأردن”.
قلة الموارد
أشار العقيد إلى أن الأردن “بلد قليل الموارد وتأثيره محدود في المنطقة ولا يملك كثيرا من أوراق الضغط على سلطة الأسد، خاصة بعد رميه لورقة الجيش السوري الحر والفصائل الثورية ووضعها بيد روسيا والميليشيات الإيرانية”.
وتمثل المنطقة الجنوبية من سوريا “شريان النقل الذي تحتاجه السلطة والأردن فكلاهما ليس له تقريبا إلا هذا المنفذ”، كما أن “بإمكان الأردن العودة للإمساك بورقة الفصائل وهو أمر متاح له بشكل كبير بسبب قدرته على الإمساك بالورقة العشائرية وتحريك الفصائل من خلالها”.
ومع أن المسيرات جربت في السنوات السابقة، فإن استخدامها كان محدودا في التهريب من سوريا، ويرجع ذلك أساسا إلى أن المسيرات وسيلة غير ضرورية، ففي البداية، استخدمت أساسا للتدريب والاستطلاع، مثل مراقبة الطرق قبل أو أثناء عمليات التهريب.
ولا يزال التهريب البري، كما تشير مصادر محلية، حتى الآن، الأسلوب المفضل لأنه مألوف وفعاليته مضمونة، غير أن حملة القمع المكثفة التي شنتها القوات الأردنية على المهربين العام الماضي، غيرت إلى حد كبير المشهد العام لصناعة المخدرات.
وعزز الأردن كثيرا من أمن حدوده الشمالية مع سوريا، للحد من تدفق المخدرات، وتفيد التقارير بأن تجار المخدرات تكيفوا مع هذه الحملة بأن بدأوا في تعديل تكتيكاتهم لتصبح أقل قابلية للاكتشاف، فبينما كانوا يعملون ذات يوم بانفتاح نسبي، معتمدين على حماية سلطة الأسد، “دفعتهم الضغوط الخارجية المتزايدة إلى تبني أساليب أكثر سرية ومرونة”.
مزايا فريدة
بحسب منظمة “إيتانا” السورية، فإن نحو ثلث محاولات المسيرات نجحت في تحقيق مهمتها العام الماضي، مما يدل على فعاليتها المتزايدة في تعزيز عمليات التهريب.
وليس مفاجئا أن يكون معدل نجاح عمليات التهريب المعتمدة على المسيرات مرتفعا، نظرا للتحدي الهائل الذي تمثله المسيرات لأنظمة الرادار الناجم عن ضآلة بصمتها الرادارية، كما أن السلطات في البلدان النامية ذات التكنولوجيا المحدودة، تعتمد في المقام الأول على الرصد البصري للكشف عن هذه المسيرات.
وتتفاقم المشكلة أكثر لأن بعض المسيرات يمكنها الطيران على نحو مستقل ليلا، مما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة، كما أن المهربين يستخدمون أساليب التضليل لرفع معدلات نجاحهم.
وتتضمن هذه الاستراتيجية نشر مسيرة منخفضة التكلفة كطعم لتشتيت انتباه السلطات عن العمليات الأكثر أهمية، فالمسيرات التي اعترضت، مثلا، في 28 يونيو/حزيران و28 أغسطس/آب العام الماضي كانت فارغة، مما يشير إلى أنه ربما استخدمت لصرف الانتباه عن عمليات أخرى أكثر أهمية شاركت فيها عدة مسيرات محملة بالمخدرات.
وتوفر المسيرات للمهربين حلا فعالا قليل التكلفة وسهل التشغيل، وتكشف صور المسيرات التي اعترضت أن تكلفة هذه الأجهزة تبلغ نحو 1000 دولار أو أقل، وهي كلفة متواضعة نسبيا مقارنة بالأرباح المحتملة لهذه الأنشطة، كما زُودت الكثير من هذه المسيرات أيضا بوظيفة العودة الذاتية، مما يسمح لها بالعودة إلى مشغليها بعد التسليم، فتزيد عملية إعادة الاستخدام بالتالي من الجدوى الاقتصادية إلى أقصى حد.