خاص – حلب اليوم
فاض نهر بردى الذي تغنّى به الشعراء على مر العصور، بالقمامة والأوساخ، وباتت الروائح المنبعثة منه تثير استياء سكان العاصمة السورية “دمشق”، مِمّا ساهم بغياب صورته العذبة وتحوله إلى مجرى يوزع الأمراض والروائح الكريهة.
من دمشق تروي مراسلتنا أن مشهد تلوث النهر وتحديداً تحت ما يسمى “جسر الرئيس” مظهراً مثير للاشمئزاز ويدفع المارون بجانبه للابتعاد عنه إثر رائحته الكريهة المنبعثة منه.
بردى يفيض بالنفايات
من وجهة نظر المهندس الزراعي “مهند.ف” الذي التقت به مراسلتنا في دمشق، فإن ظاهرة تلوث نهر بردى ليست وليدة الأيام الماضية، بل منذ وقت طويل، ولكن مع تفاقم هذه الظاهرة وهي رمي القمامة بداخله والتي أصبحت عادّة لدى العديد من السكان، يمكن جزم انتشار الأمراض لدى العديد من سكان دمشق سببها تلوث هذا النهر وذلك لسبب رئيسي وهو اعتماد الفلاحين على مياهه لري مزروعاتهم التي تُطرح في الأسواق.
يقول المهندس مهند لـ”حلب اليوم” إن مشهد مجرى نهر بردى أسفل جسر الرئيس وهو ممتلئ بأكياس الشيبس والمعلبات الفارغة وغيرها الكثير، شكّل بكل وضوح بيئة غير سليمة على السكان من جهة وعلى مجرى النهر من جهة ثانية.
وتابع قائلاً: “لقد أسفر انحسار نهر بردى وعدم جريانه بالشكل المعتاد عبر أفرعه السبعة في دمشق، إلى تعزيز ظاهرة الجفاف على العديد من الأراضي الزراعية، والتي يواجهها الفلاحين كل صيف”.
وقال: “أغلب المزارعين يعتمدون على مياه الأنهار لري المزروعات حيث يقوم العديد منهم بشق طريق نهري لوصول المياه إلى الأراضي على الرغم من تلوثها من أجل الحفاظ على محصوله السنوي وعدم تلف محصوله.
ويُضيف: ولكن من الجانب الآخر فهذا الأمر يُعزّز من فرصة انتشار الأوبئة، مؤكداً على أن اللوم يعود إلى سلطة الأسد التي تُهمل رعاية هذا النهر، منوّهاً أن المزارع لا يحمل أي مسؤولية تجاه هذا الأمر، نتيجة سوء الحال المعيشي وغياب البدائل.
لا حلول
خلال استطلاع أجرته مراسلتنا مع عدد من السكان الذين يسكنون بالقرب من النهر في دمشق، اتفقت معظم الآراء على تحميل سلطة الأسد مسؤولية ما وصفوه بـ”الكارثة”.
يقول أحدهم وهو الشاب “محمد.خ” لـ”حلب اليوم”: للأسف يطل منزلي اليوم على النهر الذي بات العيش بجانبه مقلقاً للغاية، فالروائح المنبعثة منه لا تنقطع طيلة العام، وخاصّة في فصل الصيف الذي يكون كابوساً حقيقياً نتيجة الحشرات التي تصيب أطفالي بالأمراض”.
يؤكد الشاب “خالد” أنه أقدم مرات عدّة على تقديم شكاوى لمجلس البلدية الذي يجيبها بأن الأمر قيد الدراسة، بيّد أن مجلس البلدية يلتزم الصمت تماماً حيال وضع نهر بردى.. ولماذا لا أعلم.
رمز تاريخي
اشتهرت العاصمة “دمشق” بنهر بردى وكان رمزا تاريخيا عريقاً، إذ ورد في تسمية نهر بردى قديماً اسم (باراديوس) أي نهر الجنة أو الفردوس، بحسب ما ذكر المؤرخ ابن عساكر في كتبه، وحظي النهر بحفاوة عالية عبر آلاف السنين بدءاً من العهد الآرامي ووصولاً إلى الحقبة الإسلامية وخاصة العهد الأموي، حيث تعتبر أفرعه من أقدم شبكات الري في العالم.
ينبع نهر بردى من جنوبي منطقة الزبداني شمال غربي العاصمة، ليبدأ رحلته عبر وادي بردى ليرفده نبع الفيجة بغزارة مياهه، ثم يكمل طريقه إلى الهامة ودمر ويصل إلى منطقة الربوة أول دمشق، ويتفرع النهر في منطقة الربوة إلى سبعة أفرع تتوزع في أنحاء المدينة، ليتجه بعدها إلى الغوطة الشرقية فيرويها ويصب أخيراً في بحيرة العتيبة.