تشهد المناطق السورية بشكل عام تراجعاً في حركة البيع في الأسواق قبيل شهر رمضان، مع ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية الأساسية، تأتي هذه الزيادة في الأسعار في سياق أزمة اقتصادية صعبة تعاني منها البلاد، ممّا يثقل كاهل غالبية الأسر، خاصة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود وعمال المياومة، الذين يجدون صعوبة في تأمين احتياجاتهم الأساسية للحياة.
وسط سوق مدينة القامشلي تتجول السيدة “منى عيدو” تعاين المنتجات والسلع دون أن تشتري، وداخلها تشعر بالحسرة والألم عند تذكر سنوات كانت فيها مائدتها الرمضانية تكون مليئة بالضيوف، ولكن اليوم وجدت نفسها مضطرة للتقشف في المصروف وتقليل إعداد وجبة الفطور.
تشارك منى البالغة من العمر أربعين عاماً ومقيمة في مدينة القامشلي، قصتها لـ”حلب اليوم” وتقول: “في السابق، كنت أدعو أهلي وأهل زوجي للإفطار أكثر من مرة خلال شهر رمضان ولكن اليوم أصبح الأمر صعباً ومحرجاً خاصةً وأنني أم لأربعة أطفال.”
كما تعبر السيدة منى عن تحول الأوضاع الاقتصادية التي جعلتها تقلّل من إعداد الطعام وتراقب النفقات بعناية، إذ تستعين منى بالابتكار في إعداد الوجبات لتتناسب مع الأوضاع المالية الصعبة.
وتضيف: “بات الأمر مكلفاً، فسعر كيلو اللحم في السوق وصل إلى 200 ألف ليرة سورية، والفروج 33 ألف ليرة سورية، وأسعار المواد الغذائية تثقل كاهل الأسر”.
لذا قمت بتجهيز قائمة طعام لشهر رمضان وأقوم بالتوفير بالاستعانة بالماجي وصدر الدجاج في تحضير الوجبات فأنا أضيف لحم الدجاج البيضاء بدل اللحم الحمراء، حيث يكون سعرها أقل وتكون كمية اللحم أقل، ولكني لا أحرم أطفالي من لحم الدجاج.
“سهى محمود” التي تبلغ من العمر 32 عاماً، تواجه صعوبات كبيرة في تجهيز مائدة الطعام في ظل ارتفاع الأسعار وتقنين الاستهلاك، خاصّةً مع ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز إلى 10 دولارات أمريكية، لذلك تعمل سهى على تقديم وجبات بسيطة ومقتصرة على عدد محدود من الأصناف، مع استبعاد اللحوم بشكل متكرر.
تعتزم سهى الاعتماد خلال شهر رمضان على صنفين من الطعام، وتقديم وجبات تحتوي على كميات أقل من اللحمة، وتقول: “على سبيل المثال، سأقوم بطهي البامية دون إضافة اللحمة، كما سأقوم بتحضير الكبة النية بإضافة بطاطا مسلوقة بدلاً من اللحمة”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن زوج السيدة “سهى” يعمل في محل لإصلاح السيارات ويحصل على أجر أسبوعي، ولكنها تطلب مساعدة مالية من أختها لشراء بعض الثياب البسيطة لبيعها في المنزل وتحقيق دخل إضافي لتلبية مصاريف شهر رمضان، وفقاً لما روته السيدة “سهى” لـ “حلب اليوم”.
في السابق، كان السوريون يعتادون على تخزين العديد من المنتجات الغذائية لضمان توفرها خلال شهر رمضان، مما كان يسهم في تخفيف النفقات، ومع ذلك، تغيرت الأوضاع في ظل ارتفاع الأسعار بشكل متزايد، حيث لم تعد الأسر السورية تقوم بعمليات التخزين بنفس الطريقة نظراً للتحديات الاقتصادية الحادة وتراجع الدخل.
وعملياً، أجبر الغلاء المتزايد وتدني الدخل الأسر على تغيير عاداتها وتقليل التخزين الذي كان يعتبر وسيلة للتوفير، فالأسعار الجنونية والظروف الاقتصادية الصعبة جعلت الكثير من الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف شراء المواد الغذائية بكميات كبيرة للتخزين، وبالتالي أصبحت عمليات التجهيز لشهر رمضان أكثر صعوبة.