عمر حاج حسين
تمهيد
أعاد التصعيد اﻷخير من طرف مليشيات إيران على شمال غربي سوريا، وتحديداً منطقة إدلب، خشية الشارع من سيناريو “اﻻجتياح” وقضم مناطق جديدة، وخاصة مع استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية في مناطق مأهولة بالسكان منذ مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي، والذي أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى، في مشهد لم يألفه المسرح العسكري منذ حملة سلطة اﻷسد وحلفائه قبل نحو خمس سنوات على المناطق المحررة شمال غربي سوريا.
وقتل 5 أشخاص وأصيب 8أخرون، في هجوم بمسيرة إيرانية مفخخة على أطراف بلدة تفتناز شمال شرقي إدلب، في31 من شهر كانون الثاني الفائت والذي صادف يوم الأربعاء، إذ استهدفت الطائرة تجمعاً للآليات، وفقاً لمراسل “حلب اليوم”.
وبعد مضي ستة أيام فقط وتحديداً في السادس من شباط الحالي، كرّرت مليشيات إيران استخدامها للمسيرات، واستهدفت بطائرة انتحارية أخرى سيارة لنقل المياه في قرية فريكة بريف جسر الشغور غربي إدلب، ما أدّى لإصابة السائق بجروح، كما استهدفت مسيرة انتحارية أخرى، سيارة في بلدة آفس شرقي إدلب، دون وقوع إصابات، بحسب ما رصده مراسلو حلب اليوم في المنطقة.
وعملياً، جاء التصعيد المذكور بعد أيام قليلة من اختتام جولة “أستانة-21” والتي انتهت بمخرجات مشابهة لمثيلاتها الستة السابقة، والتي يتصدرها بنّد مشترك وهو “الحفاظ على الهدوء في منطقة إدلب”، ولكن بالنظر إلى ماقبل الجولة بأيام قليلة، فقد أبدى الضامن التركي جديته في إدلب، والتي تمحورت في قصف مدفعيته الثقيلة بعددٍ من القذائف بلدة سراقب شرقي إدلب التي تسيطر عليها مليشيات إيران وقوات روسية، كردٍّ على استهداف مباشر لمدينة إدلب، ورافق القصف وقتئذٍ استخدام “أنقرة” رسالة واضحة أكثر حدّة أيضاً، وهي إرسال طائرات F16 وتحليقها فوق سماء مدينة إدلب وعلى الحدود التركية – السورية، وهو ما رواه مراسلنا في وقت سابق.
فتح هذا التصعيد المتبادل مع حلول العام الجديد 2024 واحتدامه بمسيرات إيران مطلع شباط، الباب لـ”حلب اليوم” أمام تساؤلات عدّة وسيناريوهات قد تكون مخفية، في الوقت الذي اعتبرها سكان إدلب وناشطون بأنها مؤشرات عسكرية تكون قد فرضتها قراءات سياسية هذه المرة بعد اجتماع أستانة الأخير، باعتبار أن هذه الخطوة سابقة نادرة الحدوث من “إيران وتركيا”.
وتعد محافظة إدلب شمال غربي سوريا أحد أبرز محاور الصراع الرئيسية وبؤر التوتر التي لم تهدأ تقريبا والتي تسعى إيران وسلطة اﻷسد بالتعاون مع روسيا لاستعادتها والسيطرة عليها، كأحد التفسيرات للقصف والاستهداف المتكرر على محافظة إدلب، ولكن من الواضح تماما من خلال تصرفات تركيا على الأرض أنها غير مستعدة للتنازل عنها، فعدد سكان المنطقة المحررة هذه لا يمكن استيعابه في المناطق المحررة الأخرى، ولن تقبل تركيا بأي حال من الأحوال أن يتشكل ضغط جديد على الحدود التركية السورية.
ووفق مراسلنا فقد أدى القصف المتكرر لمدينة إدلب ولعدة أماكن بعيدة عن خطوط التماس مع سلطة الأسد إلى حركة نزوح للأهالي إلى عفرين وإلى اعزاز بشكل رئيسي، وزاد من معاناة الأهالي خصوصا مع فصل الشتاء.
حرب المسيرات تتسع
يعتقد المحلّل العسكري “أحمد خربوطلي” أن الرسائل الإيرانية هي أبعد بكثير عن كونها استهداف لشمال غرب سوريا، بقدر ما هي توجيه تحذيرات خارجية بعيدة من اﻹيراني، بأنه بات يملك من القوة ما يعطيه اﻷفضلية في ترسيخ نفوذه بالمنطقة.
ورأى خربوطلي في حديثه مع “حلب اليوم” أن الفصائل العسكرية الثورية شمال غربي سوريا، باتت هي اﻷخرى قادرة على الردّ بالمثل من خلال “مسيراتها” وإن لم تعلن عنها بشكل رسمي، لكنها طوّرت منذ سنوات سلاحها، ما يعني أن حرب المسيرات من المتوقع أن تتسع في اﻷيام واﻷشهر القادمة.
وأوضح أن انشغال تحرير الشام خلال الفترة الماضية بملفات الفساد واﻻختراق الداخلي أضعف موقفها، ولكن بالمقابل لديها قدرة الردّ أو “اﻻستنزاف”.
توازن الرعب
من جهته، وصف الصحفي “فرات الشامي” المراقب للحركات الجهادية في منطقة الشرق الأوسط، أن المعارضة السورية استفادت مؤخراً من الدعاية التي أطلقتها قنوات سلطة الأسد اﻹعلامية، حول المسيرات والهالة الكبيرة في هذا الشأن، ولعبت دورا في خلق وإيجاد بيئة يمكن تسميتها “توازن الرعب” على خطوط التماس.
واعتبر الشامي في إفادته لـ”حلب اليوم” أن هذه المسألة جرّت اﻹيرانيين أيضاً لهذه الساحة وكشفت أوراقها، عبر تكثيفها لاستخدام الطائرات المسيرة المذخرة والانتحارية، مستهدفة السيارات والدراجات النارية في البلدات القريبة من خطوط التماس.
حالة “توازن الرعب” التي تحدث عنها الشامي، يرى أنها باتت واضحة تحديداً خلال الأشهر الماضية، وخاصة بين عناصر سلطة الأسد المنتشرين ضمن المواقع العسكرية في محيط مدينة حلب.
وأوضح بيان صادر عن الدفاع المدني السوري أن قوات سلطة الأسد باتت تتّبع نهجاً جديداً باستهداف المدنيين في شمالي غربي سوريا، تمثلت باستخدام الطائرات المذخرة بقصف المزارعين بالدرجة الأولى، والتي باتت تُستخدم كوسيلة للهجوم أو الاستهداف.
وتحمل المسيرات الإيرانية الانتحارية متفجرات عادة، ويتم توجيهها نحو الأهداف المحددة بواسطة نظام تحكم عن بُعد يسمح للمشغّل بتوجيهها والتحكم في حركتها وقصف الأهداف، وفقاً لبيان الدفاع.
تبادل الاتهامات
وعلى الرغم من عدم نفي المعارضة أو اﻹقرار وتبني استهداف الكلية الحربية، إﻻ أن “تحرير الشام” وفق الشامي تملك المسيرات، وهو أمر معلوم داخلياً ومحلياً، إﻻ أن كل من روسيا ونظام اﻷسد يوجهان اتهاماتٍ يومية أو شبه يومية للهيئة أو ما يطلقون عليها اسم (جبهة النصرة سابقاً)، باستهداف مواقع سلطة الأسد عبر الطائرات المسيرة.
ويعتقد الشامي أن الطرف اﻷقوى حتى اللحظة هي “تحرير الشام” التي لم تقدم مبرراً لقصف المدنيين، عبر تبنيها الرسمي “ﻻمتلاك المسيرات”، وإنما تكتفي بموقف الصمت ﻻ قبول وﻻ نفي.
وبالمجمل تزعم سلطة الأسد وبشكل شبه يومي إسقاط مسيرات للفصائل في أثناء محاولتها تنفيذ عمليات قصف، ويدّعي إعلامه أن قصف الطائرات الروسية على محافظة إدلب يستهدف في بعض الأحيان مصانع لإنتاج المسيرات.
ومؤخراً ذكر بيان صادر عن وزارة دفاع سلطة الأسد أنها استطاعت إسقاط 15 طائرة مسيرة في ريفي إدلب وحلب، دون الإشارة إلى مواقع إطلاق الطائرات المستهدفة، مكتفية بزعم أن الطائرات تابعة لمن تصفهم بـ”التنظيمات الإرهابية”.
وخلال شهري تشرين الأول والثاني، وثّقت “حلب اليوم” في مدينة حلب هجمات عدّة لطائرات مسيرة، منها استهدفت مطار النيرب العسكري، ونادي الضباط في حي الفرقان بحلب الجديدة، والقنصلية الإيرانية في حلب، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العمليات.
موقف تحرير الشام
بدوره، نفى قيادي في هيئة تحرير الشام -رفض كشف اسمه- وجود مسيرة للهيئة يمكنها أن تصل الكلية الحربية في حمص، لافتاً إلى أن استهداف غرفة عمليات الفتح المبين يإدلب، يقتصر في معظمه بقصف يستهدف مواقع سلطة الأسد ومليشيات إيران، وخوض اشتباكات تمنع عناصر سلطة الأسد من التقدم إلى مواقع جديدة.
إﻻ أن المصدر ذاته، لم ينفِ امتلاك تحرير الشام، للمسيرات، مؤكدا أنها صناعة محلية، وبعضها مستورد، مفضلا اﻻكتفاء بهذا القدر من المعلومات.
بدوره عقّب “الشامي” على كلام المصدر السابق، بالقول: إن “موقف الفصائل المعارضة واضح وهو عدم إعطاء فرصة أو شماعة للنظام وإيران لتمرير مخططها بضرب المدنيين، عبر استخدام سلاح المسيرات”.
وتابع الشامي؛ “السرية في إنتاج أو تطوير السلاح الذي تنتهجه تحرير الشام منحها قوة وخلق حالة هلع أجبر اﻹيرانيين على إخراج أوراقهم لجر المعارضة للاعتراف بأسلحتها على اﻷقل امام حاضنتها لكنها فوتت الفرصة وربما هذا أمر تكتيكي قد يتغير في مرحلة ﻻحقة”.
ما وراء المسيرات الانتحارية؟
خلال إعداد هذا التقرير التقت “حلب اليوم” مع المحلل العسكري “تركي مصطفى” والذي اعتبر أن الفصل الجديد التي اتبعته إيران شمال غربي سوريا، عبر استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية، ماهي إلا رسالة واضحة للعودة إلى الطاولة، منوّهاً إلى أن جميع المؤشرات اليوم تدل على أنه لا يوجد اجتياح بري لإدلب، فيما سيستمر التصعيد الميداني بهذا المستوى دون وجود تغييرات في الملف السوري على المستوى السياسي، وفق قوله.
ولكن القيادي في الجيش الوطني السوري “فاروق أبو بكر” اعتبر أن التصعيد العسكري التي تفعله إيران في شمال غربي سوريا، ما هو إلا محاولة منهم لتغطية مساوئهم تجاه مواقفهم السلبية إزاء ما يحصل في مدينة غزة المحاصرة، وهو ما اعتدنا عليه طوال السنوات الماضية من سلطة اﻷسد عبر تصدير أزماته بافتعال الحروب والمعارك على مناطق المعارضة السورية، سواء بقصف أو محاولة تقدم، كي يبرر لحاضنته الشعبية حالة الحرب اللي تعيشها سوريا.
واستبعد القيادي في حديثه لـ حلب اليوم أن يحدث صدام بين تركيا وإيران وروسيا في سوريا، بسبب وجود تفاهمات في مسألة خفض تصعيد في إدلب، منوّهاً إلى أنه لا توجد أي مؤشرات على التصعيد العسكري في الوقت الحالي.