سلطت منظمة أطباء بلا حدود الضوء على الاحتياجات النفسية لسكان شمال غرب سوريا، واضطرابات ما بعد الصدمة التي يعاني منها الكثيرون خصوصاً اﻷطفال.
وقال رئيس بعثة أطباء بلا حدود في سوريا، توماس باليفيه: “زاد الزلزال من الفقر والتشرد والنزوح وتردي الظروف المعيشية في المنطقة، فتدهور الوضع الاقتصادي وتأثّر أداء النظام التعليمي، ولحقت الأضرار بالبنى التحتية، وفقد آلاف الأطفال ذويهم أو تعرضوا لإصابات جسدية وبُترت أطرافهم.. كل هذه العوامل فاقمت التحديات النفسية للآلاف في المنطقة”.
وكانت قوات اﻷسد قد أجبرت الكثيرين على النزوح في شمال غرب سوريا، قبل شهر فبراير/شباط الأخير، وفي أعقاب الزلزال، وجد هؤلاء أنفسهم وسط احتياجات هائلة من دون مأوى أو طعام أو مياه نقية أو أي مستلزمات أخرى.
وأعرب مشرف الصحة النفسية في المنظمة بإدلب عمر العمر عن صدمته بعدد الجرحى والجثث الذين رآهم في الغرف والممرات، وقت وقوع الزلزال، مضيفًا: “فقدت توازني وجلست على الأرض ثم أجهشت في البكاء”.
وقالت هند التي تبلغ من العمر 36 عامًا وتعيش في عفرين شمال غرب سوريا، إنها انتقلت مع أطفالها الخمسة، للعيش في خيمة، مضيفةً: “باتت المباني والمنازل تخيف أطفالنا.. لقد أعيانا التعب”، متسائلةً: “كيف تهدّئ من روع أطفالك وقد أتعبهم الخوف من أن تهتز الأرض تحت أقدامهم من جديد؟”.
ولفت التقرير إلى أن ماقالته هند هو من بعض الأسئلة المؤرقة التي تدور في أذهان سكان شمال غرب سوريا، فالمنطقة تتخبّط أساسًا بين الأزمات الاقتصادية وويلات الحرب قبل أن يلمّ بها الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا في السادس من فبراير/شباط 2023.
وتوضح هند قائلة: “غادرنا مسقط رأسنا في سراقب، شرق إدلب، بسبب الحرب والقصف المستمر، وبعد سنوات من النزوح والبحث عن ملاذ آمن، استقررنا في عفرين الأبعد شمالًا. كان المنزل الذي مكثنا فيه من دون جدران، فوضعنا بعض الأغطية والستائر لتأمين بعض الخصوصية. ومع أن زوجي كان يعمل، كان ما لدينا من طعام يكفينا بالكاد. ثم وقع الزلزال وفقدنا كل ما لدينا مرة أخرى”.
وقد نزحت أكثر من مرة، وانتهى بها الأمر في مدينة عفرين شمال غرب سوريا، حيث تعيش في منزل غير مكتمل، كان الزلزال قد دمره بالكامل، وانتقلت لاحقًا إلى خيمة بعد أن أصيب زوجها بإعاقة دائمة عندما سقط عليه أحد الجدران أثناء الزلزال.
بعد ذلك، تعرضت هند للعنف أثناء عملها في الحقول الزراعية حيث كانت تسعى جاهدة لإعالة أسرتها. وبعد أن أصيبت بمشاكل نفسية نجمت عن تجربتها، بدأت بزيارة برنامج المساحات الآمنة الذي تديره أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، وتقول إنها تشعر بالسعادة والرضا عندما تتحدث مع الناس والمتخصصين.
غيرت هند عملها وبدأت ببيع الأحذية في أحد الأسواق العامة بمدينة عفرين، بعد أن ساعدتها إحدى المنظمات في افتتاح هذا المشروع الصغير. وتذهب إلى السوق مع ابنها الرضيع وابنها اﻵخر البالغ من العمر 10 سنوات لتتمكن من توفير جزء بسيط من احتياجات أسرتها.
وفي هذا السياق، يستذكر عمر العمر، الساعات الأولى بعد الزلزال، ويقول، “عند بزوغ الفجر، توجهت إلى سلقين، وهي بلدة في محافظة إدلب. رأيت مبان وقد انهارت بأكملها وتحولت إلى ركام. أكثر ما آلمني كان أصوات العالقين تحت الأنقاض وهم يطلبون النجدة فيما كنت غير قادر على مساعدتهم. بعد ذلك، توجهت إلى مستشفى سلقين الذي تشارك أطباء بلا حدود في إدارته. وعندما دخلت، صدمت بعدد الجرحى والجثث الذين رأيتهم في الغرف والممرات. كنا نشعر بالهزات الارتدادية في المستشفى، وكنا نشهد في كل لحظة دخول أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين. كانت هذه الليلة عصيبة وستبقى محفورة في ذاكرتي حتى أفارق الحياة”.
ويؤكد العمر أن الزلزال زاد من حالات اضطراب ما بعد الصدمة والمشاكل السلوكية، خصوصًا بين صفوف الأطفال.
قبل وقوع الزلزال في فبراير/شباط، كانت منطقة شمال غرب سوريا تعاني من ضعف نظام الرعاية الصحية الناجم عن نقص تمويل المرافق الطبية ومحدودية الخدمات. وقد جاء الزلزال ليدمّر 55 مرفقًا للرعاية الصحية ما تسبب بتعطل عملها بنسب كبيرة. وبالإضافة إلى الرعاية الطبية، احتاج السكان آنذاك إلى مراحيض ومرافق للاستحمام وأنظمة تدفئة وملابس شتوية، ومولدات، بطانيات، ومستلزمات نظافة، ومنتجات تنظيف.
وفي الساعات التي تلت وقوع الزلزال الأول، و”فرت أطباء بلا حدود الرعاية الطبية الطارئة وباشرت على الفور بتوزيع مخزونها من المستلزمات الإغاثية الأساسية”.
ويعلق توماس باليفيه رئيس بعثة المنظمة قائلاً: “بعد اجتياز المرحلة الأكثر حرجًا من الاستجابة الطارئة، تحول تركيزنا نحو توفير المأوى والغذاء والمواد الإغاثية، وضمان وصول السكان إلى الرعاية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي. لقد كان لنقص هذه المواد الأساسية تأثير عميق على الصحة النفسية للسكان”.
ويشير تقرير المنظمة إلى أن العواقب المادية للزلزال بعد عام من وقوعه لم تعد جلية كالسابق، لكن “آثاره النفسية الصارخة لا تخفى على أحد”، حيث “زادت نوبات الهلع وبعض أنواع الرهاب والأعراض النفسية الجسدية” وفقاً للعمر.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أطلقت بعد الزلزال، “مبادرة شاملة تُعنى بالصحة النفسية كجزء من استجابتها الطارئة، ونشرت فرقًا متنقلة من مستشارين نفسيين لتقديم الإسعافات النفسية الأولية والمشورة المتخصصة لمن يعاني من حالات متوسطة وعالية الخطورة في 80 موقعًا”، بحسب التقرير.
كما “نظمت جلسات توعية لتدريب السكان على التعامل مع ردود الفعل المباشرة للزلزال والمشاعر التي تظهر في مرحلة لاحقة، وأجرت في المجموع، 8,026 استشارة نفسية فردية بعد الزلزال”.
يُذكر أن تقديرات فريق منسقو استجابة سوريا والدفاع المدني السوري، ومنظمة الطفولة اﻷممية اليونيسيف تشير إلى احتياجات مادية وفجوة كبيرة لا تزال موجودة بالمنطقة، بعد مضي عام على الكارثة.