تتفاقم مشكلة القطاع الصحي في مناطق سيطرة اﻷسد، جراء الفشل اﻹداري والمالي، وصعوبات مالية تواجه اﻷطباء والكوادر في المشافي، وفقاً لما تؤكده مصادر متقاطعة.
وقالت الصحيفة إن قطاع الصحة العام، يعاني من نزيف مُتواصل في كادر اﻷطباء “وسط إغراءاتٍ مادية وعلمية تُواجه جيل الشباب، الذي انخرط بقوة ضمن موجة الهجرة المتزايدة نحو دول عربية وأوروبية عدة”، هرباً من “كابوس الروتين والضغط المعيشي الذي حد من قدرتهم على المواجهة”.
وأكد الطبيب الشاب محمود أنه لم يتصور ورفاقه أن يأخذهم الحال للتفكير بالسفر خارجاً، كما أن الأكثر غرابةَ أن تكون وجهتهم الصومال، “البلد الأكثر فقراً في نظر السوريين”، ليغدو طبيباً مشهوراً هناك، حيث بلغ عدد الأطباء السوريين في عموم الصومال قُرابة الـ 500، معظمهم مُختصون في طبّ الأسنان والأطفال والجراحة العامة.
لكن الصومال ليست الوجهة الأكثر رغبة، حيث تنتعش معاهد تدريس اللغة اﻷلمانية في دمشق، ويقضي الطلبة هناك نحو ثلاث ساعات يومياً، استعداداً للسفر المُنتظر.
ويقول طبيب أسنان للصحيفة (لم تذكر اسمه) إنه حسم خيار الهجرة بعد إنهاء تخصصه، في محاولة منه لاكتساب مهارات وخبرات تساعده في مجال عمله لاحقاً في المهجر، حيث يسعى لإتقان اللغة الألمانية، وهو ما تطلبه السفارة الألمانية حتى يُتاح للمتقدمين فرصة تعديل الشهادة والحصول على وظيفة.
وقد احتل السوريون المرتبة الأولى في قائمة عدد الأطباء الأجانب في ألمانيا لعام 2022، وذلك حسب تقرير لمجلة طبية ألمانية، تضمن إحصائية تُظهر وجود خمسة آلاف و339 طبيباً سورياً في البلاد، والأمر ينسحب على طلاب الطب.
من جانبه قال عضو الهيئة التدريسية في كلية الطب بجامعة دمشق ومدير عام مشفى الأسد الجامعي الدكتور نزار عباس إن 25 ألف طبيب غادروا البلاد منذ عام 2011، وهي “حصيلةٌ ليست بالقليلة”، معتبراً أن “بعض القرارات والأنظمة الداخلية الخاصة بكل مؤسسة، لعبت دوراً في موضوع الهجرة”.
ولفت بشكل خاص إلى نظام الدراسات العُليا الموجود في التعليم العالي، والذي “ليس له شبيه في الدنيا، من حيث المدة الزمنية التي من الواجب قضاؤها في الماجستير والتي تصل لسبع سنوات في بعض الاختصاصات وست سنوات في البعض الآخر وخمس سنوات للبقية، وهي فترة طويلة، بينما وعلى المقلب الآخر، نُلاحظ وجود نظام عالمي يسمى “البيزك” تكون فيه مدة الدراسة سنتان في العلوم الأساسية وثلاث سنوات في العلوم الفرعية فقط”.
وأشار إلى “ظروف غير صحية تُواجه الطالب المُتفوق والطموح لدراسة الطب بمعدل شبه تام”، حيث توجد “عقبة السنة التحضيرية، التي سببت خللاً جعل من الجامعات الخاصة وُجهة المُقتدرين، تفادياً لهذه المطبات، ليصطدم مُجدداً بنفقات عالية للدراسة، وبالتالي النُفور.. وبمجرد تفكير الطالب بإتمام دراسته العليا سيُعاني من طول فترة الماجستير البالغة سبع سنوات، يُضاف إليها سنة تسمى (الامتياز) بعد التخرج وغير مأجورة”.
وأضاف أن التعليم العالي أصدر أيضاً قراراً “لا شبيه له”، “يفرض على الطالب دراسة وتقديم امتحان، وهو أمر غير مقبول لطالب دكتوراه من المُفترض أن يقدم بحثه للمناقشة فوراً، ما أنتج ردة فعل تمثلت بالهجرة”.
وكان رئيس نقابة الأطباء في دمشق عماد سعاده قد أكد اﻷسبوع الماضي أن المئات من اﻷطباء العاملين بالقطاع العام يتقدمون شهرياً للحصول على طلبات بالمغادرة لخارج البلاد.
وقال سعاده في حديث لصحيفة الوطن الموالية: “تردنا يوميًا نحو 10 طلبات للحصول على وثيقة سفر إلى خارج البلاد من قبل أطباء سوريين”، مؤكداً أن معظمهم من الأطباء الجدد وليسوا من القدامى.
ومن الأسباب التي تدفعهم للسفر هي “عدم وجود أفق واضح لهم” في المستقبل، حيث أن مناطق سلطة الأسد تشهد تراجعًا واضحًا على الصعيد الطبي ولا سيما مع انخفاض رواتب العاملين في القطاع الطبي وهجرة الأطباء وعزوف بعضهم عن العمل في المستشفيات العامة.
ويعتمد 97 بالمئة من الأطباء على مدخول عيادتهم الخاصة وليس على رواتبهم، حتى إن الكثير من الأطباء يدفعون فوق رواتبهم أجرة مواصلات مثلاً للوصول إلى المشفى الذي يعملون به، وفقاً لرئيس النقابة.
وتواجه المشافي العامة معضلات حقيقية تتمثل في عزوف اﻷطباء عن العمل وسعي الممرضين والفنيين للسفر فضلاً عن قلة المخصصات المالية.
وكان مسؤولون في سلطة اﻷسد قد أطلقوا مناشدات مطلع الشهر الحالي لتدارك اﻷوضاع في المشفى الحكومي الوحيد بمحافظة القنيطرة جنوبي سوريا، والذي يعاني حالة من الشلل، جراء عزوف اﻷطباء عن العمل.
ولا تقتصر هذه الحالة على القنيطرة، حيث أكدت صحيفة تشرين الموالية، في تقرير الشهر الماضي، أن “مشفى الشهيد مؤمن طلايع” المعروف باسم ‘سالة’ لا يزال منذ مدة طويلة غير قادر على تقديم الخدمات الطبية والعلاجية بالشكل المطلوب لأهالي قرى و بلدات المنطقة الشرقية من السُّويداء.
ويعاني المشفى من نقصٍ شديد بالكوادر الطبية أدى إلى تعذر استقبال مرضى القلب والداخلية، والأطفال، وممن هم أيضاً بحاجة للعناية المشددة، لخلو هذه الأقسام من كوادرها الطبية والتمريضية، ما “أرغم المرضى على أن تكون وجهتهم الاستشفائية مشفى السُّويداء الوطني، وهذا أدى إلى إرهاقهم مادياً وجسدياً للوصول إلى مدينة السُّويداء”.
وتشهد مناطق سلطة الأسد تراجعًا واضحًا في القطاع الطبي مع انخفاض رواتب العاملين وهجرة الأطباء وعزوف بعضهم عن العمل في المستشفيات العامة وانتقالهم إلى المستشفيات الخاصة بسبب فرق الأجور، وهجرة الكثير من الفنيين والممرضين.