عمر حاج حسين
اعتمدت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا (التابعة لقسد)، مطلع شهر كانون الأول الماضي، عقداً اجتماعياً جديداً ينصّ على تغيير اسمها إلى “الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، ما فتح الباب أمام تساؤلات ومخاوف من تحويل سوريا إلى دولة فيدرالية في المستقبل.
ومنح إقرار العقد الاجتماعي الجديد الإدارة الذاتية توحيد إداراتها المدنية السبع، كما منحها هذا العقد دور التحكم في كامل مناطق سيطرتها بمعزل عن المعارضة الكردية وسلطة الأسد التي تشاركها أجزاءاً من مناطقها في السيطرة.
وتضم المعارضة الكردية “المجلس الوطني الكردي” والذي يُعرف بأنه تحالف سياسي عريض يضم أحزاباً كردية منضوية في صفوف الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض العليا للمفاوضات.
وكانت الهيكلة القديمة للإدارة الذاتية تقوم على 7 أقاليم وإدارات حكم مدنية تدير 7 مدن وبلدات رئيسية، تتوزع على 4 محافظات شرق نهر الفرات “حلب – الحسكة – دير الزور – الرقة”، إضافة إلى مدينتي منبج الواقعة بريف حلب الشرقي، والطبقة التي تقع بريف محافظة الرقة الجنوبي.
خطوة نحو الفيدرالية
وحوّل مخاوف هذا العقد، وصف الحقوقي “أحمد بكور” أن هذا العقد لا يمكن وصفه إلا بأنه عملية متقدمة باتجاه الفيدرالية في سوريا، وهو أمر خطير للغاية، فالإدارة الذاتية سنّت خلال هذا العقد عدة قوانين خاصّة بها، من شأنها تحويل الجزء الشمالي الشرقي للبلاد إلى إقليم واحد.
واعتبر بكور أن استمرار هذا العقد المرفوض قطعا من قبل الوطنيين السوريين، مرهون باستمرار مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” الذي يعتبر أساساً حزباً إرهابياً.
وأشار إلى أن ما تقوم به ما تسمى “الإدارة الذاتية” من تحركات وسن القوانين في مناطق سيطرتها، ماهي إلا خطوات منفردة غير متفق عليها مع أي جهات فاعلة في سوريا سواء المعارضة السورية التي تسيطر على أجزاء في شمال سوريا أو سلطة الأسد، ما يعني أنه لا غطاء سياسيا لها حتى من الولايات المتحدة وباقي الضامنين للقضية السورية.
استبعاد المعارضة الكردية!
الناشط السوري والمحلل السياسي “محمود طلحة” أبدى أثناء حديثه مع “حلب اليوم” ملاحظات عدّة بخصوص إقرار العقد الجديد في شمال شرق سوريا، أبرزها هو تعمّد العقد استبعاد المعارضة الكردية لـ”الإدارة الذاتية” المتمثلة بـ”المجلس الوطني الكردي” عن المشاركة في كتابته، مضيفاً: كتابة أي دستور لا تتم من طرف واحد.
وأكّد طلحة على أن تاريخ إقرار العقد الجديد جاء بعد خلافات تطورت إلى اشتباكات بين العشائر العربية والمكونات الكردية، وأسفرت عن مقتل العديد من الطرفين، وهذا ما ينفي بالتأكيد مزاعم الإدارة الذاتية التي ادعت أثناء إقرار العقد بأن أحزاب وجهات عديدة شاركت في كتابته.
مختتماً في مداخلته أن الحقيقة تكمن في أن هذه الأحزاب التي شاركت في إعداد العقد جميعها تدور في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” صاحب السلطة في المنطقة.
استباق للأحداث!
من جهته، رأى الصحفي السوري “صالح العبد الله” أن إقرار الإدارة الذاتية عقدها الجديد ماهو إلا صيغة مشابهة تماماً للصيغة المعتمدة بتوصيف “إقليم كردستان” في العراق، معتبراً أن هذا العقد هو أساساً تسلُّط على إرادة المواطنين.
وأشار إلى أن “الإدارة الذاتية” منذ سنوات فرضت نفسها على الأهالي بقوة السلاح وحرمتهم من حقوقهم وحرياتهم بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحقهم، بمعنى أن هذه الورقة لا تعبر عن رضا المحكومين.
ولفت إلى أنه ومنذ انطلاق ثورة العشائر ضد “قسد” وتسلط كوادرها على المكونات العربية في دير الزور منذ قرابة الأربعة أشهر، نتج عنها اعتقالات بالجملة طالت المدنيين العزل، وتوجيه تهم لهم بأنهم ينتمون لتنظيمات ارهابية، حسب ما يزعمون.
وتابع قائلاً: “منذ فترة قصيرة تم اعتقال ستة أشخاص في منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وتم اقتيادهم إلى ما تسمى ساحة هجين، وهي إحدى معتقلات “قسد” التي يرهبون المدنيين بها، إذ تقع في بلدة البحرة بريف دير الزور الشرقي”.
ولكن إلى اليوم لا تزال رواية “قسد” وأبواقها الإعلامية تعكس هذه الروايات بأنه لا يوجد أي حاجز لقسد في تلك المنطقة، على الرغم من انتشارهم بكثافة في مناطقها وتخوف يومي من أي فتيلة قد تقلب الطاولة عليهم وتنهي مشروعهم المزعوم.
ولعلّ ما يؤكد كلام “العبد الله” ما وثّقه مراسل حلب اليوم في “دير الزور” الذي أكّد أن “قسد” أقدمت خلال الاشهر الأربعة الماضية، على قتل أكثر من 80 شخص مدني في دير الزور، بحجة تعزيز الأمن، بالإضافة لإقدامها على اعتقال ما يزيد عن 250 مدنياً بتهم واهيه لا أساس لها.
هذا وكان المجلس الإسلامي السوري رفض في وقت سابق بيان اﻹدارة الذاتية التابعة لقوات “قسد” حول “عقد اجتماعي جديد” لمنطقة شمال شرقي سوريا، معتبراً أنه محاولة مبطنة للانفصال.
وقال المجلس في بيان نشره على موقعه إنه يرى إعلان قسد “مشروع انفصال مبطّن في خطوات سياسية آثمةٍ تقوم بها ميليشيات انفصاليّة (قسد) تسيطر بدعمٍ أمريكيّ على شمال شرق سوريا”، مؤكداً على ما جاء في وثائقه السابقة المتعلّقة بـ “الهويّة السوريّة” و”مبادئ الثورة السوريّة”.
خلاصة الكلام، فإن جميع من تحدثنا إليهم بخصوص هذا العقد الجديد أكّدوا لـ”حلب اليوم” أن تطبيق هذا العقد سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام “الإدارة الذاتية” بفرض التجنيد الإجباري ومنهاج تعليم خاص بها وعلى مقاسها في كافة مناطق سيطرة “قسد”.