مضى على اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أربعة أعوام، إلا أن الملف لا يزال يحمل في طياته الكثير عن الجدلية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، بين التحالف والعداء، خصوصاً فيما يتعلق بملفات المنطقة وتحديداً سوريا والعراق.
في الثالث من كانون الثاني/ يناير من عام 2020 قُتل سليماني مع أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي قرب مطار بغداد الدولي، بعملية أمريكية أمر بها الرئيس اﻷمريكي السابق دونالد ترامب.
هدّدت طهران كالعادة بردّ مدوٍّ وتوعّدت واشنطن ﻷيام، ثم انتهى اﻷمر بـ18 صاروخاً سقطت في العراء بمحيط قاعدتين للقوات الأميركية غرب العراق وشماله في 8 يناير/كانون الثاني 2020.
وادعت إيران أنها ألحقت خسائر كبيرة بالقوات الأمريكية، لكن الولايات المتحدة أكدت أن أجهزة الرادار نبهتها إلى الهجمات، وأن الصواريخ وقعت في مناطق بعيدة عن مواقع تمركز القوات الأمريكية.
لكن ترامب خرج بعد ذلك بسنوات ليُكذّب الرواية الرسمية للطرفين؛ للإيرانيبن واﻷمريكيين على حدّ سواء، ويعلن أن ما نبه واشنطن للهجمات هو ببساطة طهران نفسها، وليست الرادارات.
قال ترامب في خطاب ألقاه بتشرين الثاني/ نوفمبر الفائت: “أسقطت إيران طائرة بدون طيار، ليست بذات قيمة كبيرة، كانت تحلق بالقرب من إيران وخلفها كانت هناك طائرة على متنها 39 مهندساً والطيارون فيها”.
وأضاف: “قلت هل أسقطوا الطائرة التي خلفها؟ .. قالوا: لا يا سيدي لم يفعلوا .. كان بإمكانهم إسقاط الطائرة التي كانت أكبر بخمس مرات”.
ويمضي ترامب في شرح طبيعة العلاقة بين بلاده وإيران، موضحاً أن واشنطن يجب أن تظهر بعض الحزم، ولكن اﻷمر أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، حيث قال الرئيس السابق في خطاب جماهيري ﻷنصاره: “كان علينا أن نضربهم .. لذلك ضربناهم بقوة” في إشارة منه إلى مقتل سليماني، وتابع: “سمعنا بعض الكلمات منهم مرة أخرى .. لأنني أدليت ببيان قلت فيه إنهم إذا ضربونا مرة أخرى فسنفعل بهم أشياء لم يعتقدوا أنها ممكنة أبداً”.
وأضاف: “اتصلوا بنا وقالوا: ليس لدينا خيار علينا أن نضربكم لحفظ ماء الوجه !! .. وأنا فهمت ذلك، لقد ضربناهم، عليهم أن يفعلوا شيئا، وقالوا: سنقوم بإطلاق 18 صاروخاً على قاعدة عسكرية معينة لديكم، لكن لا تقلقوا، لن تصل الصواريخ إلى القاعدة !!”.
واشنطن وفّرت لعمليات سليماني البرية غطاءً جوياً منطقع النظير
منذ تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة وانطلاق عملياته في سوريا والعراق، اعتمدت واشنطن التي قادت نحو 60 دولة في ذلك التحالف على عملاء في اﻷرض.
وكانت قوات قسد هي اليد الضاربة لواشنطن والتحالف في الشمال الشرقي من سوريا، فيما كانت القوة البرية التي تعمل تحت الغطاء اﻷمريكي هي ميليشيات إيران بقيادة سليماني.
وكانت وكالة فارس اﻹيرانية الرسمية للأنباء هي من أكد تلك الحقيقة، في صيف عام 2014، بعد انطلاق العمليات في سوريا والعراق.
وقالت في تقرير إن سليماني، هو “القائد الفعلي للقوات العراقية التي تقاتل تنظيم الدولة”، مضيفة أن “الشعب العراقي يثق بقواته وليس بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن”، في إقرار بالتعاون الحاصل بين الجهتين.
وادعت الوكالة أن ما أسمتها “بطولات سليماني” في القتال بالعراق طغت على دور الجنرال الذي اختارته أمريكا لإدارة شؤون التحالف، بل أكدت مشاركة طهران بقيادة سليماني بشكل غير مباشر في التحالف تحت القيادة اﻷمريكية، حيث قالت إن “الحديث عن حضور الجمهورية الاسلامية (إيران) في هكذا تحالف يطول شرحه”.
وأضافت أن “وسائل الإعلام الغربية والعربية الموالية للغرب أذعنت بأن قوات سليماني هي التي قدمت يد العون لتحرير المناطق العراقية”.
لكن مقتل سليماني المفاجئ بعد انتهاء دوره أكد مجدداً أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بخيوط اللعبة، وأن العلاقة مع طهران قائمة على الخدمات والدور الوظيفي.
أدوار سليماني
وُلد في 11 مارس 1957، ونشأ في قرية روميان في إيران، بدأ سليماني حياته المهنية في الحرس الثوري الإيراني، وسرعان ما برز بفعالياته العسكرية الميدانية، وكان سليماني معروفًا كقائد لفيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، حيث كان يتخذ منه محوراً للنفوذ الإيراني في المنطقة.
شغل مناصب عليا في الجهاز العسكري والأمني الإيراني، وكان يُعتبر مستشارًا رئيسيًا للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي.
وكان لسليماني دور بارز في تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، كما كان له دور كبير في دعم سلطة اﻷسد في سوريا، وكذلك في دعم الميليشيات في العراق ولبنان.
وكان له تأثير كبير في العراق، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز التواجد والنفوذ الإيراني في هذا البلد، وبجانب النشاط العسكري، كان لسليماني تأثير كبير في الساحة السياسية العراقية، عبر دعمه للشخصيات السياسية الشيعية والتأثير في تشكيل الحكومة، وسعى إلى تحقيق مصالح إيران في المنطقة.
وفي الملف السوري، شكلت جهوده وتوجيهاته جزءًا أساسيًا من الدعم الإيراني، كما حرص على الحضور شخصياً في عملية “دبيب النمل” التي جرت بريف حلب الجنوبي وانتهت بحصار أحياء حلب الشرقية، باﻹضافة لمنطقة تدمر، ودير الزور.
وكانت إيران قد ادعت مؤخراً أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت رداً على مقتل سليمان، في تصريح من المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف، منذ نحو أسبوع، لكن “حماس” نفت ذلك وقالت في بيان: “تنفي حماس صحة ما ورد على لسان المتحدث فيما يخص عملية طوفان الأقصى ودوافعها.. أكدنا مرارا دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى، وكل أعمال المقاومة الفلسطينية تأتي ردا على وجود الاحتلال وعدوانه المتواصل على شعبنا ومقدساتنا”.