خاص | حلب اليوم
تتزايد معاناة السكان في شمال غربي سوريا، نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، ووصوله إلى أرقامٍ تفوق قدرة السكان، والتي أثرت بشكل كبير على مختلف شرائح المجتمع من “حرفيين وأرباب عمل”، وأدّت إلى ارتفاع أسعار مواد عدّة أبرزها “الغذائية والاستهلاكية”، باعتبار أن المحروقات هي عصب الحياة لتشغيل محركات الديزل وتأمين وسائل التدفئة والطبخ.
ومع الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات، كانت أسطوانة الغاز هي الأكثر تأثيراً على كثير من الشرائح والتي بلغ سعرها 13 دولار أمريكي (ما يعادل 485 ليرة تركي)، وهو أعلى سعر تسجله الأسطوانة منذ بدء التداول بالليرة التركية، تلاها سعر المازوت المحسن ووصوله إلى 20 ليرة تركية والذي يستخدم للتدفئة وللسيارات.
يؤكد الشاب “محمد الفيصل” لـ”حلب اليوم” أن هذا الغلاء جعله يقف عاجزاً عن تأمين المازوت لفصل الشتاء هذا العام، بسبب ارتفاع سعره مقارنةً مع دخله الأسبوعي.
يعمل “الفيصل” عامل في معمل لإنتاج البطاريات في مدينة الأتارب غربي حلب، ويؤكد أن أجرته اليومية التي يتقاضها بعد عمل لأكثر من 8 ساعات، لا تتجاوز الـ75 ليرة تركية، وهو مبلغ زهيد لا يكفي لتأمين احتياجات عائلة صغيرة من مادة الخبز وبضعة كيلو غرامات من بعض الخضار.
ووصف الشاب هذا الأجر بـ”القليل”، وأنه لا يكفي لتأمين احتياجات منزله من الغاز والمازوت، لافتاً إلى أنه اضطر هذا العام لاستخدام النفايات البلاستيكية، والألبسة القديمة، وروث الحيوانات كبدائل لمواد التدفئة.
وتعتبر هذه المواد التي ذكرها الشاب غير صالحة للاستخدام، كما أنها تتسبب بمشاكل صحية خاصة للأطفال، وفقاً للطبيب “محمد عبيد” العامل في مشفى الشفاء بمدينة عفرين بريف حلب.
بدوره، يرى الاقتصادي “أيهم بكرو” أن ارتفاع أسعار المحروقات شمال سوريا، له انعكاسات على مفاصل الحياة، أبرزها هو أن هذا الارتفاع يُجبر أصحاب المصالح إلى رفع أسعار بضائعهم، كما أنه يجبر سائقي وسائل النقل الخاصة إلى رفع أجرة الركاب، وأصحاب المطاعم إلى رفع أسعار وجباتهم، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخضار والفواكه واللحوم وغيرها.
وأوضح أن هذا الارتفاع فعلياً لا يقابله زيادة في أجور العمال شمال سوريا، في وقتٍ تعصف الظروف الاقتصادية بالسكان في المنطقة، وخاصّة مع شحّ المساعدات الداخلة إلى المنطقة.
ماذا عن شركة الأنوار؟
وعلى إثر ما سبق، تواصلت قناة حلب اليوم مع شركة “الأنوار” التي تعتبر الشركة الوحيدة التي تستورد مادة “الفيول” من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى المناطق المحررة، بهدف معرفة الأسباب التي أسفرت عن ارتفاع أسعار المحروقات شمال سوريا.
تقول الشركة، إنها عندما بدأت باستيراد الفيول، كان سعر برميل المازوت 118 دولاراً أمريكياً، وأنه بعد عمليات التنظيم والإدارة التي قامت بها الشركة انخفض السعر إلى 109 دولارات، لكن وبسبب قلة مادة الفيول في الأسواق أصبح هناك تجار أزمات ومستغلين للوضع الحالي وأصبح برميل المازوت يُباع في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 130 إلى 135 دولاراً أمريكياً، وهنا أصبح الحديث أن شركة الأنوار هي من رفعت الأسعار، وفعلياً هو خبر عاري عن الصحة تماماً.
وبخصوص غياب الشركات المنافسة لإدخال مادة الفيول إلى المناطق المحررة، ردّت الشركة في حديثها لـ”حلب اليوم” أن مادة الفيول هي عبارة عن مناقصات تقوم بها “قسد” على تجار شمال غربي سوريا، منوهةً إلى أن من ترسي عليه المناقصة يقوم بإدخال المادة للمنطقة، وتكون حصرية عند التاجر الذي رست عليه المناقصة، واليوم هناك تاجر وحيد يقوم باستيراد الفيول للمنطقة، والذي يقوم بالتوزيع على الحراقات لتعمل على استخراج المواد، رافضةً ذكر اسمه.
ونفت الشركة جميع الأنباء التي تم تداولها مؤخراً عن انقطاع دخول مادة الفيول إلى المناطق المحررة، مؤكدةً شح كميات مادة الفيول التي تدخل المنطقة، بسبب الاستهدافات التي تتعرض لها آبار النفط في مناطق “قسد”، مشيرة إلى أن هناك وعود بدخول كميات كافية للفيول للمنطقة خلال الفترات القادمة.
وينحصر استخراج المواد النفطية في شمال غربي سوريا، على بضع حراقات بدائية الصنع، أبرزها وأكثرها أهمية “حراقات ترحين” بريف مدينة الباب شرقي حلب، إذ توفّر هذه الحراقات جزءاً من احتياجات المنطقة، التي يقطنها نحو أربعة ملايين نسمة، من وقود التدفئة والطهي، وفقاً لمراسل حلب اليوم”، الذي أكّد أيضاً أن الشركة منعت مؤخراً دخول أصحاب الكازيات أو الموزعيين إلى منطقة “ترحين” من أجل شراء المحروقات.
وعن الأسباب، برّرت الشركة منع دخول التجار إلى السوق، بأنها خطة منها بهدف تنظيم عمل صهاريج وآليات نقل المحروقات، لافتةً إلى أنها تعمل على إنشاء مركزاً خاصاً لتحميل المواد النفطية، لعدم بقاء الفوضى والعشوائية وعدم التلاعب بالأسعار واستغلال الأزمات وتخفيف الازدحام والفوضى في العمل، مؤكدةً أن هذا السوق سيدخل في الخدمة بداية العام القادم 2024، لذلك يتم تقنين العمل ريثما يتم التجهيز.
وعن آلية العمل، تروي الشركة في حديثها المطوّل مع “حلب اليوم”، أنها تعمل حالياً على تنظيم عمل المحروقات المستخرجة من الحراقات، إذ تقوم باستلام المواد من أصحاب الحراقات وفحصها وتحسين جودتها لتكون بأعلى معدلات الجودة، كما وتقوم بتقييم سعرها بحسب نوع المادة وتوزيعها على المناطق بالتساوي، وبحضور مندوبين عن منطقة إدلب، ومندوبين عن مناطق ريف حلب الشمالي.
ونفت الشركة جميع الاتهامات الموجهة لها، بخصوص إعطاء الأولوية إلى إدلب بحجة الربح الأكثر، ووصفته بأنه “باطل ولا أصل له”، مؤكدةً أن هنالك مندوبين من كافة المناطق أثناء عملية توزيع المادة، وأن كل مندوب يستلم حصة منطقته بإنصاف، ودون تحيز لمنطقة عن أخرى.
وأمّا بالنسبة للرسوم التي فرضتها شركة “الأنوار” على كل برميل مازوت يخرج من منطقة ترحين للتجار، عزّت الشركة في حديثها معنا، هذه الرسوم على أنها تعتبر هامش ربح وهو 1 دولار أمريكي فقط على البرميل، وهي أجور تكاد تغطي مصاريف النقل والهدر الحاصل من عملية التعبئة والتفريغ وبعض المصاريف الإدارية، وأن الفائض من هذه الرسوم تقوم بصرفه للصالح العام، ومثالاً على ذلك قامت الشركة بفرش أغلب الطرقات في منطقة ترحين وتعبيد بعضها.
في المقابل، اتهم ناشط إعلامي -رفض كشف اسمه- أن شركة الأنوار تعتبراً ذراعاً اقتصادياً لهيئة تحرير الشام، وأن الأخيرة عملت مؤخراً على احتكار استيراد المحروقات في شمال غربي سوريا، وذلك عبر أذرعها المتمثلة بـ”حركة أحرار الشام” وبعض الشخصيات الأمنية والاقتصادية، وذلك بهدف كسب أرباح ضخمة.
وأوضح أن المواجهات العسكرية التي اندلعت مؤخراً عند معبر الحمران شرقي حلب بين الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني وأحرار الشام، استطاعت الأخيرة بالتعاون مع أذرعها في المنطقة، من السيطرة على المعبر، ما خوّلها أن تحتكر المحروقات، لكونه المنفذ الأساسي لدخول النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى شمال سوريا.