أعلن القيادي في هيئة تحرير الشام “جهاد عيسى الشيخ” الملقب “أبو أحمد زكور”، انشقاقه عنها عبر بيان رسمي مساء أمس الخميس 14 كانون الأول.
وتضمن البيان الذي جاء كإعلان انتصار على الجولاني وفق رأي سوريين، أن سبب خروجه من تحرير الشام يعود لتغيير سياسة قيادة التنظيم تجاه ملف العلاقات مع الجيش الوطني السوري.
وأضاف زكور أنه استلم ملف العلاقات بين الهيئة والجيش الوطني وكان من المقرر والمتفق عليه أن يتم العمل على مساعدة الفصائل في رفع السوية العسكرية ونقل الخبرة إليها، وبناء مشروع تشاركي يشمل الجميع دون إقصاء أحد.
ولفت زكور إلى أن قيادة الهيئة بدأت تدريجيّاً بتغيير سياستها خلافاً للاتفاق عن طريق السيطرة والهيمنة وقضم الفصائل وتفكيكها، والسعي إلى السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق الجيش الوطني.
والعمل الأمني من خطف وغيره دون التنسيق مع أي جهة ودون علمه الشخصي، بالإضافة لتوجيه التهم المعلّبة والجاهزة لكل مخالف لنهج قيادة الهيئة وتشويه صورته سواء كان من داخل الهيئة أو خارجها.
ويأتي إعلان زكور عن انشقاقه من هيئة تحرير الشام، بعد تصدّر أخباره الواجهات اﻹعلامية والمواقع اﻹخبارية، نظراً لمكانته الرفيعة في صفوف الهيئة.
ويجمع عدد من سكان الشمال السوري مِمّن استطلعت رأيهم قناة “حلب اليوم” حوّل موضوع انشقاق “زكور” على أن هذا الإعلان يأتي كمثابة “إعلان انتصار” على زعيم تحرير الشام “أبو محمد الجولاني”، بعد عجز الأخير عن اعتقاله وتكرار سيناريو “أبو ماريا القحطاني” الذي اتهمته الهيئة بقضايا عدّة على رأسها تعامله مع التحالف الدولي.
وتتضارب الأنباء عن مكان تواجد “زكور” بعد إعلان انشقاقه، إذ تُشير بعضها إلى أنه متواجد في القسم الخاضع لسيطرة الجيش الوطني السوري المُمتد من جرابلس إلى عفرين، فيما تتحدث أنباء أخرى أنه لا يزال في منطقة إدلب وأنه يخضع لحماية عشيرة البكارة والتي تنتشر على الحدود السورية – التركية.
ومنذ مطلع شهر كانون الأول الجاري، تُكثف هيئة تحرير الشام من حملة اعتقالاتها في أرياف إدلب، إذ داهمت منازلاً عدّة اعتقلت من خلالها عناصر يعملون في صفوفها، بينهم قادة عسكريين بتهمة التخابر مع التحالف الدولي وروسيا وسلطة الأسد، بيّد أن تحرير الشام تحفظت على نشر أسمائهم أو التحدث عنهم.
وترافقت حملة المداهمات التي تحدثنا عنها، بانتشار أنباء تُفيد بأن المدعو “أبو أحمد ذكور” فرّ هارباً من منطقة إدلب إلى منطقة إعزاز ملتجأً صوب أبناء عشيرته، هرباً من قبضة جهاز الأمن التابع لتحرير الشام، خوفاً من مصير مشابه لرفيق دربه “أبو ماريا القحطاني” .
وعزّزت هذه الأنباء شهادات محلية من أهالي بلدة “رأس الحصن” شمالي إدلب، الذين أكّدوا أن مسلحين ملثمين يتبعون لهيئة تحرير الشام داهموا مساء الثلاثاء المصادف 12 كانون الأول الحالي، مزرعة “أبو أحمد زكور”، بالإضافة إلى مقرات مجموعات تتبع له في عدة مناطق أبرزها باتبو بريف حلب الغربي، وعقربات بريف إدلب الشمالي، بهدف اعتقاله.
وكان اعتبر حساب “أبو يحيى الشامي” على منصة “تلغرام” والذي يشتهر بمتابعة أخبار تحرير الشام وكشف القضايا الخفية عن قيادات الجماعات الإسلامية، أن مجموعات من تحرير الشام اقتحمت منزل “أبو أحمد زكور” بقيادة الأمني “وسام الشامي” المقرب من الجولاني، والذي يعمل عليه الأخير ليكون بديل عن “زكور”.
وأوضح الشامي أن قضية مداهمة منزل زكور ليست بهدف اعتقاله، بل قتله مباشرةً، مؤكداً صدور قرار في أروقة تحرير الشام بقتل “زكور” منذ أيام عدّة، بهدف طي جميع التكتلات التي تعارضه.
بالمقابل، تُشير مصادر متطابقة، أن القوة التي داهمت منزل “زكور” كان يقودها عناصر يعملون في حركة أحرار الشام وتحديداً أحرار صوفان المتحالفين مع الهيئة والمنضوين تحت عباءتها.
تلك الروايات التي طرحت في ذلك الوقت على مواقع التواصل، دفعت “زكور” للردّ عليها ونفيها بشكل قطعي، ونشر على حسابه في منصة “X” سلسلة منشورات جاء فيها: “منذ خروج سجن صيدنايا واللحاق بركب الثورة السورية أعتبر الفصائل والجماعات وسيلة لنصرة الثورة والدين وليست غاية بذاتها وأنني وإن كنت أنتمي لفصيل تنظيمياً فإنني عملاً وقلبا أنتمي لكل فصيل ثوري مجاهد”.
وأضاف في منشور آخر: “كنت ساعياً طوال مسيرتي لأكون مفتاح للخير مغلاق للشر ما استطعت لذلك سبيلا، ومن فضله أيضا أنني كنت ضد أي قتال داخلي ضمن فصائل الثورة وخروجي في قتال 2017 خير دليل على ذلك”.
وأنهى حديثه في منشور ثالث بقوله: “لهذه اللحظة لم أتخذ أي خطوة بالخروج أو الانضمام لأي فصيل وليس لي أي قناة تلغرام أو منبر إعلامي غير هذا الحساب”.
بداية الحملة
شرعت تحرير الشام حملات الاعتقال من مطلع حزيران الماضي، وبلغت أوجها أوائل شهر آب، ضدّ خلايا بتهمة العمالة لجهات خارجية متعددة، من بينها ميليشيا “حزب الله” اللبناني وروسيا والتحالف الدولي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، من دون أن توضح وقتئذٍ أي تفاصيل عن طبيعة التواصلات وماهية المعلومات التي سربتها هذه الخلايا.
وطالت عمليات الاعتقال قياديين منشقين عن تحرير الشام وجهاديين وعناصر وقياديين في مواقع حساسة من الصفّين الأول والثاني وشرعيين، وعُرف من بين المعتقلين القيادي البارز أبو ماريا القحطاني، وأمير الهيئة في مدينة تفتناز أبو اليمان تفتناز، وأبو صبحي تل حديا، المنضوي إلى لواء علي بن أبي طالب، وأبو خالد مسؤول الكتلة الشرقية، وإعلامي ضمن صفوف الهيئة، ومسؤول كاميرات المراقبة وخطوط الإنترنت على خطوط التماس مع قوات الأسد، المتهم بتقديم معلومات كاملةً لسلطة الأسد وروسيا عن نقاط الحراسة، ومسؤول الموارد البشرية في الجناح العسكري المتهم بتقديم نسخ كاملة من سجلّات العسكريين في الهيئة، مع صور بطاقاتهم العسكرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومسؤول الدراسات الأمنية عن منطقتي سرمدا والوسطى، ومسؤول الموارد البشرية في الجناح العسكري، وشخصيات أخرى ذات وظائف مدنية كمسؤول المعابر، ومدير مكتب حكومة الإنقاذ.
من هو أبو أحمد زكور؟
اسمه الكامل “جهاد عيسى الشيخ” ويُطلق عليه لقب “أبو أحمد زكور”، ويعد من أبرز القياديين في “هيئة تحرير الشام” وسابقتها “جبهة النصرة”، ولعب أدواراً مختلفة منذ تأسيسها عام 2012 على الأقل.
وينحدر “أبو زكور” المولود في 5 كانون الثاني 1979 من حي الشعار في حلب، وينتمي لعشيرة البو عاصي، التابعة لقبيلة البكارة التي تعتبر إحدى أكبر قبائل الشمال السوري.
وتقلّد “زكور” قبيل انشقاقه ملفات ومناصب عدّة في هيئة تحرير الشام، أبرزها قائداً لـ”لواء عبد الرحمن” ومديراً للعلاقات العامة، ومسؤولاً عن الملف الاقتصادي، فضلاً عن عضويته في مجلس شورى هيئة تحرير الشام، وأميراً لقطاع حلب فيها.
والمعروف عن “أبو أحمد زكور” امتلاكه لثروة مالية كبيرة يديرها من خلال مشاريع استثمارية خارج سوريا، وبشكل خاص في تركيا، من خلال شركات بأسماء وهمية.
وكانت صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية في الثاني من أيار الماضي، وفق قرار لها ‘أبو أحمد زكور” وشركة “كوبيلاي ساري” كميسرين ماليين لـ”جماعات إرهابية” متمركزة في سوريا، شملت “كتيبة الجهاد والتوحيد، وهيئة تحرير الشام”.