يوافق اليوم الاثنين الذكرى الـ88 لاستشهاد الشيخ السوري عز الدين القسام، الذي ارتقى في العشرين من تشرين الثاني عام 1935 في أحراش يعبد قرب جنين أثناء قتاله ضد الإنجليز في فلسطين.
وكان عز الدين القسام قد غادر مسقط رأسه مدينة جبلة على الساحل السوري عام 1921 فاراً من ملاحقة الاحتلال الفرنسي، فسكن حيفا ودُفن فيها، تاركاً إرثاً هاماً وراءه، كما كان القسام عالماً وداعية، ومجاهداً تربى في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، قبل أن يرتحل إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896م عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وتخرّج منه سنة 1906م، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرساً وخطيباً في جامع إبراهيم بن أدهم.
مقاومة الغزو اﻹيطالي لليبيا
عقب غزو إيطاليا لليبيا عام 19111 تمكن عز الدين القسام من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه، وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام أيضاً بحملة لجمع الأموال والمؤن الكافية للنفقة على المتطوعين وأسرهم ولمساعدة المجاهدين في ليبيا.
كما اتصل بالحكومة التركية العثمانية، وحصل على موافقة الباب العالي في إسطنبول بنقل المتطوعين إلى الإسكندرونة، ونقلهم بعد ذلك بالباخرة إلى ليبيا، فودّع المجاهدون أهليهم، واتجهوا إلى شاطئ الإسكندرونة، ثم انتظروا قدوم الباخرة التي تقلهم إلى ليبيا، ولكن انتظارهم قد طال، ومضى على وجودهم في الإسكندرونة مدة أربعين يوماً أو يزيد دون أن يأتيهم خبر، فرجع المجاهدون إلى مدنهم وقراهم، وبنوا مدرسة بمال التبرعات لتعليم الأميين.
وهناك رواية أخرى تقول: إن عز الدين القسام صمم على لقاء المجاهدين في ليبيا، وأن ينقل إليهم ما استطاع جمعه من معونات مادية، وأنه انتقل سراً إلى الأرض الليبية، وأنه التقى المجاهد الكبير عمر المختار.
مقاومة الفرنسيين
شارك القسام في مقاومة الفرنسيين مع مجموعة من تلاميذه ومريديه، وبعد سيطرتهم على أجزاء من البلاد طاردوه ففرّ إلى دمشق إبان الحكم الفيصلي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها سنة 1920م.
أقام بعد ذلك في حيفا بفلسطين، وتولى فيها إمامة جامع الاستقلال وخطابته، ورياسة جمعية الشبان المسلمين، واستطاع هناك تكوين جماعة سرية عُرفت باسم العُصبة القسّامية، وفي عام 1935م شددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركاته في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث حرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في قضاء جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك.
لاحقته القوات البريطانية هناك فتحصن هو وبعض أتباعه بقرية نزلة الشيخ زيد، فطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وقتل منها خمسة عشر جندياً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، وانتهت المعركة بإستشهاده وثلاثة من رفاقه، وجُرح وأُسر آخرون.
كان لإستشهاد القسَّام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، والتي كانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك،
حماية جامع الاستقلال
تحضّر اليهود في سنة 1929م للهجوم على جامع الاستقلال في حيفت، فطلب وجوهُ المسلمين هناك من السلطات البريطانية أن ترسل قوة لحراسة المسجد من الهجوم المدبَّر، فثار القسام على هذا الاقتراح، وقال في خطاب ألقاه بهذه المناسبة: «إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين»، ووصف الطلب بالجُبن، وعدّه دليلاً على الخضوع والذل.
ورفض أي حوار أو معاهدة مع الإنجليز قائلاً: «من جرّب المجرَّب فهو خائن»، ولما دعته السلطات للتحقيق في كلامه لم ينكره، وعندما أُوقف أعلنت المدينة الإضراب، فاضطرت السلطات البريطانية إلى إخراجه من السجن، وتجنبت حكومة الانتداب اعتقاله فيما بعد.
يُروى أنه في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا»، فأُخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضراباً عاماً.
وهكذا استطاع القسام في العشر سنوات التي أمضاها في جامع الاستقلال أن يجعل الناس مستعدين لتلبية نداء الجهاد، وصارت الكلمات الجهادية من خطبه على لسان الجمهور، ومن ذلك قوله: «المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله»، وقوله: «الجهاد رفيقه الحرمان»، ويقصد بالحرمان: الصبر على المشقة. وكان شعار القسام وتلاميذه: «هذا جهاد، نصر أو استشهاد».
وبقي الشيخ السوري مُلهماً للشباب الفلسطيني في مقاومة المحتل، حيث تأسست بذور “كتائب القسام” في عام 1984م، وذلك قبل الإعلان عن انطلاقة الحركة فعلياً باسم حركة حماس.
واستمر العمل تحت عناوين مختلفة مثل «المجاهدون الفلسطينيون» عام 1987، واستمر التغيير حتى عام 1991م، حيث أعلن عن اسم «كتائب الشهيد عز الدين القسام» في منتصف عام 1991م.
المصدر هنا.