ثارت العديد من اﻷقاويل على مدى السنوات الماضية حول رغبة تركيا في السيطرة العسكرية على مدينة حلب تارة، وإعادة إعمارها باتفاق أممي دولي تارةً أخرى، إلا أن تلك المعلومات لم تخرج عن نطاق التكهنات واﻹشاعات، دون وجود أية مؤشرات تدعمها على اﻷرض.
أثار حديث زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، نهاية شهر أيار/ مايو الفائت جدلاً واسعاً عندما تكلم عن إمكانية انطلاق معركة قريبة باتجاه حلب، حيث بدا واثقاً أثناء حديثه من حدوث تغيرات جديدة تكسر جمود الخارطة العسكرية المستمر منذ سنوات، لكن تصريحاته لم تخرج حتى اﻵن عن نطاق الكلام اﻹعلامي، وسط تقارير من هنا وهناك تتحدث عن تفاهمات جديدة وإعادة ترتيب أوراق وما إلى هنالك دون أية دلائل تستند عليها.
لكن تقريراً نشرته صحيفة “ديلي صباح” المقربة من الحزب الحاكم في تركيا، أعاد الملف إلى اﻷضواء مجدداً مع طرح فكرة تحويل حلب المدينة مع ريفها إلى “نموذج” لجذب اللاجئين من شأنه أن يحل مشكلتهم بشكل جذري.
ويبدو أن هذا المشروع سيكون – حال نجاحه – حلاً مريحاً لدول أوروبية وغربية وعربية خصوصاً بالنسبة للمحيطين بسوريا بسبب تبعات أزمة اللجوء، إلا أن تركيا سعت ﻹقناع اﻷمم المتحدة والمجتمع الدولي سابقاً بتحويل منطقة “نبع السلام” شمال شرقي سوريا إلى “آمنة” و”جاذبة للاجئين” ولم تفض تلك الجهود إلى نتيجة.
في إفادته لـ”حلب اليوم” يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو أن المطلب التركي بالمنطقة اﻵمنة هذه المرة مختلف عن السابق، وذلك في إطار التفاهمات الحالية مع الروس والايرانيين، مرجحاً أن “يكون هناك توافق ما لا نعلم كيفيته”.
وتساءل الكاتب: “هل ستكون المنطقة تحت إدارة مدنية شبه مستقلة تابعة لدمشق؟” مستدركاً بأن “هذا اﻷمر غير ممكن لوجود عدد كبير من المعارضين واستحالة عودتهم للمنطقة تحت سلطة اﻷسد”.
ولفت إلى ذلك المستشار والخبير الاقتصادي أسامة القاضي في إفادته لـ”حلب اليوم” حيث قال إن ما تم تسريبه يعني جعل كل حلب منطقة آمنة وهو “ملفت للنظر لأن المدينة خارج النفوذ التركي، والسؤال هل وقعت صفقة روسية تركية أمريكية تضمن وجود تركيا في كل حلب أم لا”؟.
ونوّه بأن ما يكفل إنعاش المحافظة اقتصاديا هو وجود اتفاق بحيث تكون المنطقة آمنة ومعترفاً بها مع شرعنة وجود تركيا فيها، و”ربما ذلك بموافقة روسية بالرغم عن إيران وعن اﻷسد الذي يرفض لقاء أردوغان لتجنب منح الشرعية للوجود التركي في سوريا”.
وتمثل حلب أهميةً خاصة ﻷنقرة، نظراً لمكانها الجغرافي وقربها من الحدود وقيمتها الاقتصادية وتركيبتها السكانية واﻷيديولوجية، وهو ما دفع القوات التركية – إضافة لاعتبارات المواجهة مع قسد – إلى إطلاق عملية واسعة في 2016 لوضع ريفها الشمالي والشرقي تحت السيطرة.
ويلفت “رضوان أوغلو” إلى قرب حلب من تركيا وكبر مساحتها ووجود عدد كبير من المعارضين فيها، ما يجعلها مرتبطة بأمن الحدود، ويجعل تأمين تلك المنطقة مطلباً وشرطاً تركياً قبل أي انسحاب من سوريا، لكن “يبقى السؤال؛ كيف يمكن إقناع روسيا بعدم استهداف المنطقة في هذا السياق؟”.
ويتقاطع ذلك مع ما أشار إليه “القاضي” من ضرورة تحقيق “سيادة واعتراف دولي بالمنطقة” حتى تدخل إليها الشركات التركية والعالمية والعربية، ولتهيئة ظروف هذه السيادة، يجب أيضاً “حل حكومة الإنقاذ الموجودة على قوائم العقوبات وتمكين الحكومة المؤقتة في كل المناطق خارج سيطرة اﻷسد أي أن يكون هناك جيش واحد مع إلغاء الفصائلية وإعداد نظام قضائي”.
وأضاف المستشار بالقول: “طالما أن تركيا تريد إنجاح إدارة المنطقة فيجب أن تدار كما منطقة هاتاي مثلا.. لا ميليشيات لا فصائل.. هناك جيش واحد في الثكنات وعلى الحدود، فشرط الحكم الرشيد أساسي ﻹنجاح أي عملية إعمار، بمعنى وجود اﻷمان والشفافية والفصل بين السلطات وحكم القانون والمشاركة الشعبية ومحاربة الفساد”.
ويستطرد “القاضي” بالقول: إنه “يجب ضمان ذلك قبل دخول أي مستثمر فدخول المستثمرين ليس رغبة رومانسية إنما يحتاج جهداً حقيقياً قد تعجز عنه حكومات ودول بسبب غياب الشفافية، والحكومة المؤقتة حالياً ليست لديها موازات ولا تستطيع القيام بأي شيء.. أي خارطة طريق ﻹعمار المنطقة يجب أن تكون في إطار تفاهم دولي لتجنب قصفها وأيضاً أن يتم سحب الأسلحة منها وحصرها بيد الجيش مع تحقيق حكومة موحدة محترمة تقدم الخدمات”.
سيطرة أممية
ربما من أجل اﻷسباب آنفة الذكر رفع مستشار الرئيس التركي “فؤاد أقطاي” سقف الموضوع بمطالبته بإخضاع حلب إلى جانب حمص وحماة لسيطرة أممية حتى تتمكن تركيا من إدارتها، وذلك في تصريح أثار تفاعلاً منذ أيام.
لكن “فراس أوغلو” يرى أن ذلك “أمر مستحيل” مرجحاً أن هذا رأيه الشخصي وليس رأي الدولة التركية، “فمن المؤكد أن روسيا والصين سترفضان ذلك واﻷمر بعيد عن الواقع”.
وكان أقطاي قد طالب في كانون الثاني مطلع العام الحالي بإخضاع حلب ﻹدارة تركية تحت إشراف اﻷمم المتحدة، لكنه عاد ليوضح أنه رأيه الشخصي وأنه لا يمثل الحكومة إلا أنه عاد لتكرار طرحه عقب تقرير “ديلي صباح”.
هل يتعلق المشروع باتفاقية لوزان؟
يربط بعض المتابعين بين رغبة تركيا في تحقيق “نموذج حلب” وبين بنود اتفاقية لوزان التي مضى عليها 100 عام، ويتم الربط أيضاً بين التوقيت وبين التطورات اﻷخيرة على اﻷرض، واعتبار أن الاتفاقية تتيح لتركيا السيطرة على حلب وأجزاء من شمال سوريا بحلول عام 2023.
وأكد “رضوان أوغلو” أنه لا علاقة بالملف باتفاقية لوزان، وأن تحركات أنقرة اليوم تأتي في إطار وضع جيو إستراتيجي مختلف، حيث “لا بد من إبقاء هذا الوضع ضمن المطلوب عبر المنطقة اﻵمنة التي تخدم مصالحها”.
لكن “عندما تتأكد تركيا أنها ستبقى في المنطقة ضمن تفاهمات ما يمكن أن تعمل على إحياءها”، وفقاً لـ”القاضي” الذي عاد وشدّد على أن تعرضها “للقصف والاستهداف كما قُصفت النقاط التركية سيجعلها بيئة طاردة للبشر”، مؤكداً أنه “يجب إبراك صفقة حقيقية دولية تكبح جماح أي شخص يريد الاعتداء على المنطقة، ومن أجل تأمين ذلك في زمن تدويل الشأن السوري يجب إبرامها مع اﻷطراف اﻷساسية روسيا وأمريكا”.
سيناريو ألمانيا الغربية
يقدم المستشار الاقتصادي هنا مقترحاً للعمل بشكل حقيقي على دمج منطقتي النفوذ اﻷمريكي والتركي بإشراف مشترك مع ضم حلب، معتبراً أن ذلك سيمكن من تنمية المنطقة “لتحقق ناتج دخل قومي جيد خلال 5 سنوات يعادل ما كانت تنتجه سوريا حتى عام 2011”.
ويوضح أن هذا سيناريو ألمانيا الغربية أي توحيد سوريا على مرحلتين اﻷولى يتم فيها ضم جزء من الأراضي وفي مرحلة ما يمكن ضم جزء ثانٍ مع رغبة مختلف اﻷطراف في إبقاء سوريا موحدة.
في حال ذهبنا في طريق أستانا – يضيف القاضي – فإننا “سنُلزم بالديون اﻹيرانية والروسية والاتفاقات والعقود الموقعة معهما وهو ما سيكبل عشرة أجيال قادمة بالديون والعقود وستكون سوريا منزوعة السيادة على اﻹطلاق فيما يمكن أن يحقق مشروع توحيد منطقتي النفوذ اﻷمريكي والتركي حلاً مرحلياً”.
ويشير في الختام إلى “مشروع بلينكن” للإعمار الذي تدخله الشركات التركية والعربية والغربية، و”في حال ضمت إليه حلب فيمكن أن تستوعب المنطقة ما يصل 15 مليون نسمة وهو ما يمثل “سوريا المفيدة” التي فيها معظم الثروات النفطية والزراعية إلى جانب منابع المياه”.