وصلت معدلات الفقر والجوع إلى مستويات غير مسبوقة على مدى سنوات من النزوح إلى شمال غربي البلاد، بالتوازي مع تراجع اﻷوضاع العامة وغلاء اﻷسعار وقلة فرص العمل، فيما زاد قطع المساعدات اﻹنسانية وتراجع التمويل من حجم الكارثة.
ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة ووصولها إلى أرقام غير مسبوقة تعاني عائلة “اﻷستاذ وليد” في خيمتهم الصغيرة، التي لا تطاق بينما لا يوجد مفرّ من اللهيب حيث يتحول “قماش الخيمة” إلى “فرن” كما يقول.
يشعر مدرس الفيزياء السابق بالخوف على صحته جراء استمرار الضغوط النفسية عليه، ويؤكد لـ”حلب اليوم” أن ما يؤرقه هو وجود أولاد “في رقبته” إلى جانب الزوجة، بينما تضيق اﻷمور من كافة النواحي بشكل مستمر.
لم تظهر حتى اﻵن تغيرات ملموسة على أرض الواقع لناحية اﻹغاثة، بعد مضي أكثر من شهر على إغلاق معبر باب الهوى اﻹنساني شمال إدلب، وأوضح مراسلنا أن المنظمات العاملة بالمنطقة تحاول تسيير الأمور ريثما يتم التوصل إلى صيغة ما للحل.
وبعد 33 يوماً من توقف دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، فقد انقطع الدعم عن أكثر من 11 نقطة طبية ومشفى ومركز رعاية، وفقاً لبيان نشره “منسقو استجابة سوريا” اليوم الاثنين.
تثير تلك المخاوف لدى شريحة واسعة من السكان، حيث يشعر “أحمد” بالقلق تجاه قدرته على الاستمرار في علاج أخته المريضة ومتابعة برنامجها لغسيل الكلى في مدينة إدلب.
يؤكد النازح من الريف الشرقي للمحافظة أنه بالكاد يستطيع تدبير أمور معيشته اليومية مع 4 أولاد في ظل ارتفاع اﻷسعار وإيجار المنزل والدكان الذي يعتاش منه، موضحاً أن توقف غسيل الكلى المجاني قد يعني الموت لعدم القدرة على تحمل أعباءه، إلا أنه لا بوادر لذلك حتى اﻵن ويأمل في استمرار الوضع الحالي.
يأتي ذلك وسط ارتفاع مستمر في أسعار المواد والسلع الغذائية الأساسية في الأسواق المحلية، مع اتهامات للجهات المسؤولة بإهمال واجباتها في ضبط الأسعار.
يؤكد “أبو محمد” وهو تاجر مواد غذائية لـ”حلب اليوم” أن هذا الارتفاع مصدره خارجي، وإن كان هناك جشع ومسؤولية تقع على عاتق حكومتي “اﻹتقاذ” و”المؤقتة” بسبب سياسات معينة يصفها بالسلبية.
لكنه أوضح أن هناك عوامل خارجية لا دخل لها بالمنطقة، فقد وصل سعر “تنكة” الزيت على سبيل المثال في الشمال الغربي لسوريا إلى نحو 85 دولاراً خلال اﻵونة اﻷخيرة بعد أن كانت بـ45 $ فقط منذ نحو شهرين وذلك بسبب ارتفاعها عالمياً.
وأضاف أن أزمة الطقس السيئ التي ضربت إسبانيا ، وفترة الجفاف الطويلة، واﻷمراض التي لحقت بأشجار الزيتون هناك كانت السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الزيت عالمياً منوهاً بأن الشمال السوري ليس بمعزل عن السوق الدولية، وكذلك اﻷرز الذي وصل سعر الكيلو الواحد منه إلى أكثر من دولار حاله حال البنزين، بسبب الحرب اﻷوكرانية وأزمات سلاسل التوريد وغيرها.
ويشير فريق “منسقو الاستجابة” إلى أن هذا الواقع يهوي بمزيد من العائلات في شمال سوريا – وخاصة قاطني المخيمات – إلى قاع الفقر، حيث تزداد نسبة الفقراء شهراً بعد شهر.
ولا تتوقف اﻷزمات عند مستوى المعيشة، بل تتعداها لانتشار الأمراض الجلدية وزيادة في أعداد المصابين بالكوليرا في المنطقة، جراء عوامل منها انتشار الصرف الصحي المكشوف في عشرات المخيمات، مع نقص كبير في إمدادات المياه وعدم قدرة النازحين على تأمين الحد الأدنى من احتياج المياه اليومي.
أمام هذا الواقع تتحدث تركيا عن سعيها لتشكيل بيئة مناسبة لجذب اللاجئين في شمال غربي سوريا، عبر تحسين الواقع المعيشي وتشجيع فرص الاستثمار، وكشفت صحيفة “ديلي صباح” في تقرير نشرته أمس أن أردوغان أوعز للحكومة بالتخطيط لترتيبات جديدة بريف حلب (ربما تشمل المدينة) ريثما تخوض أنقرة مفاوضات مع روسيا وسلطة اﻷسد.
ومن غير الواضح بعد – وفقاً لمتابعين – ما إذا كان هذا الخيار سيرى النور، مع العلم أن الرئيس التركي يطالب المجتمع الدولي منذ سنوات بدعم خياره في إقامة “منطقة آمنة” مناسبة لاستقرار اللاجئين شمال سوريا، وتحقيق الشروط اﻹنسانية المناسبة للعيش فيها، وما إذا كان ذلك سيؤدي لنتائج حقيقية ملموسة بمعزل عن حل سياسي شامل.