أعادت حادثة غرق سفينة تقل حوالي 750 مهاجراً قبالة الساحل اليوناني الأسبوع الماضي تسليط الضوء على ملف الجنوب السوري، حيث كان على متنها ما يصل إلى 112 شخصاً من محافظة درعا، التي سيطرت عليها سلطة اﻷسد منذ عام 2018.
وفي تقرير لموقع “المونيتور” اﻷمريكي، أكد أن “العودة الإسمية للدولة لم تجلب الاستقرار ولا الأمن”، فاليوم ، بعد أكثر من خمس سنوات، أصبحت واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في البلاد، و”الحياة هناك يائسة لدرجة أن الكثيرين يخاطرون برحلة خطيرة عبر البحر بحثاً عن مستقبل أفضل”.
وتسعى سلطة الأسد لتعزيز ملف التسويات في جنوب سوريا، حيث كانت عملية “المصالحة” التي بدأت في 2018، تهدف إلى السماح لمقاتلي المعارضة السابقين بـ “حل” وضعهم مع سلطة اﻷسد، وتبرئة أسمائهم من أجهزتها الأمنية، وبمجرد عدم اعتبارهم مطلوبين بسبب الفرار من الخدمة العسكرية أو الانضمام إلى المعارضة، يُسمح للرجال بعد ذلك الانضمام إلى القوات العسكرية؛ وتشمل هذه التسويات أيضاً فترة ستة أشهر بين المصالحة وإعادة التجنيد.
يؤكد التقرير أن درعا التي تعتبر مهد الانتفاضة السورية في عام 2011، لا تثق بشروط تسوية الأسد، لكن منذ 3 يونيو / حزيران الماضي، اصطف الآلاف خارج مركز مصالحة مؤقت هناك، حيث “فعلوا ذلك وهم يعلمون أن اﻷسد أكثر اهتماماً بالانتقام من المعارضين السابقين بدلاً من تحقيق الاستقرار”، وقد فشل في الالتزام بشروط اتفاقيات 2018.
وسجل مكتب توثيق شهداء درعا اعتقال ما يقارب 2000 شخص ممن أنهوا عملية المصالحة فيما بعد؛ 92 منهم ماتوا في السجون، حيث أن “المصالحة لا تقدم عفواً أو فرصة كبيرة للحياة في سوريا، لكنها تقدم شيئًا ثميناً: جواز سفر”.
يمكن للموقعين على المصالحة الاستفادة من مهلة الستة أشهر للفرار من البلاد، حيث لم تتحسن الأوضاع في درعا منذ عام 2018، وعادت التوترات بعد فترة وجيزة من تنفيذ صفقات المصالحة الأولية، وأدى الاستياء من اﻷسد إلى زيادة الهجمات المتكررة على قواته وميليشياته.
قال محمد عساكرة، مسؤول المصادر الإعلامية في المكتب الإعلامي لرابطة حوران الحرة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لـ “المونيتور”: “لا يمكن لأحد أن يثق بأي جهة في درعا”، أما عمر الحريري، الناشط الذي ساعد في تأسيس مكتب توثيق شهداء درعا عام 2011، فقد قال إن فريقه يقدر أن هناك أكثر من 2000 محاولة اغتيال في درعا منذ 2018، مضيفاً: إذا غادرت منزلك “هناك احتمال ألا تعود”.
ووسط القليل من فرص العمل مع استمرار تدهور الاقتصاد؛هبطت الليرة السورية إلى أدنى مستوى تاريخي لها مقابل الدولار الأمريكي، بينما يحصل السوريون في مدينة درعا على الكهرباء من أربع إلى خمس ساعات فقط يومياً، مع شحّ في المياه.
حقيقة المصالحة
يرى التقرير أن التوجه نحو “المصالحة” التي تحدث اليوم في درعا هو جزء من جهد أوسع من سلطة اﻷسد لتظهر للدول التي أعادت قبولها مؤخراً في جامعة الدول العربية أنها تعمل بشكل بناء لتحقيق الاستقرار في البلاد.
و”يحتاج الأسد إلى إثبات أنه شريك موثوق به لتحقيق الاستقرار، لكنه ينخرط فقط في أنشطة توضيحية لا تسفر عن نتائج ملموسة تذكر إن وجدت”، حيث يؤكد عساكرة أن ” عملية [المصالحة] هي فقط على الورق”.
ويجد الكثيرون أنفسهم عرضة للمضايقات وحتى الاعتقال بعد التسويات، و”ليس من المستغرب إذن أن الكثير منهم على استعداد للمخاطرة برحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا”.
ويلجأ هؤلاء السوريون الحاصلون على جوازات السفر للخروج برحلة مباشرة من سوريا إلى ليبيا، وهي نقطة الانطلاق للعديد من قوارب المهاجرين، لعلهم يعثرون على عمل يرسلون منه الأموال إلى ذويهم، وهو ما ترغب به سلطة اﻷسد، من أجل ضخ السيولة.
وخلص التقرير إلى أن الأسد غير مستعد حقاً للمتابعة الحقيقية للالتزامات التي قطعها على نفسه للدول العربية بشأن استقرار البلاد، حيث تهدف التسويات إلى إظهار سلطته وقدرته على الحكم، وتؤدي إلى زيادة هروب الشباب من سوريا فقط.