تتابع معظم الدول العربية خطواتها التطبيعية مع سلطة اﻷسد، بالرغم من اعتراض الغرب وقطاع واسع من المجتمع الدولي، فيما لا يبدو المشروع الذي تتزعمه السعودية واﻹمارات مجدياً حتى اليوم في إحداث أي تغيير جوهري بالملف السوري، مع استمرار الوضع الراهن.
وكان فيصل المقداد وزير خارجية اﻷسد ادعى أن العائق الوحيد أمام عودة اللاجئين وتحقيق الاستقرار في البلاد، هو نقص التمويل والدمار الحاصل في البنية التحتية، مشترطاً على دول الخليج العربي تمويل خزينة اﻷسد من أجل حل أبرز الملفات العالقة.
من جانبها أكدت الولايات المتحدة والاتحاد اﻷوروبي أن الحل في سوريا مرتبط بالانتقال السياسي حصراً، فيما تعمل واشنطن مؤخراً على إقرار بنود جديدة ستُلحق بقانون قيصر، من شأنها تعريض أي دولة تمول اﻷسد للعقوبات.
وقال الخبير الاقتصادي يونس الكريم لـ”حلب اليوم” إنه يستبعد أن تنجح سلطة اﻷسد في إقناع دول الخليج العربي بتمويل إعادة اﻹعمار، ﻷن المشكلة تكمن في جدوى تمويل الاستثمارات مع كون روسيا وايران استولتا على قطاعات إستراتيجية، حيث إن ما بقي لم يعد مجدياً اقتصادياً للدول الراغبة في التمويل.
كما لفت إلى أن دول الخليج العربي لا تريد التدخل بالشأن السوري لعدم إغضاب الغرب والتعرض للعقوبات، وبالتالي وقوع الضرر عليها، فضلاً عن غياب الحل السياسي وعدم موافقة الغرب على إعادة تعويم اﻷسد ورفض الرؤية الروسية، مؤكداً أن “الخليج لن يدخل بمغامرة في تمويل إعادة اﻹعمار إلا إذا قدّم أحد الطرفين؛ الغرب أو روسيا، مكافأة أو تحفيزاً”.
من جانبه نقل التلفزيون اﻷلماني DW، عن الخبير الاقتصادي والباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، زكي محشي، أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء عدم احتمالية أن تنظر دول مثل السعودية والإمارات الأردن والعراق إلى ضخ استثمارات في سوريا كأمر إيجابي، مشيراً إلى العقوبات الدولية واسعة النطاق حيث “يتوقع أن يصبح الأمر أكثر إشكالية في حالة إقرار الكونغرس الأمريكي مشروع قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023”.
كما لفت إلى بيئة الأعمال والاستثمار في مناطق سيطرة اﻷسد، فهي “ليست جذابة في ظل حالة عدم الاستقرار والفساد”، فضلاً عن أن “كافة أشكال الاستثمارات السريعة المربحة خاصة في قطاعي النفط أو الغاز باتت في أيدي الروس والإيرانيين”.
أما روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن فقد أكد أنه “لا يوجد الكثير من أشكال الاستثمار في سوريا، والأمر ينطوي على بعد سياسي”، فالدوافع السياسية ترمي إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وتقليص النشاط الضخم غير المشروع في عمليات تهريب مخدر الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون الذي بات مصدر قلق لدول الخليج ودول المنطقة.
وأشار إلى أن دول الجوار السوري التي تستضيف ملايين اللاجئين ترغب في عودة الاستقرار إلى البلاد بهدف تمهيد الطريق أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فحتى في وجود احتمال ضئيل لضخ استثمار مباشر في سوريا في الوقت الراهن، فإنه من المحتمل أن تتمكن دول الخليج من إرسال المزيد من الأموال إلى سوريا، ولكن شريطة تخفيف العقوبات الغربية تدريجياً وهو الأمر غير المرحج.
وقال كرم شعار، وهو خبير اقتصادي سياسي وزميل بارز في معهد “نيو لاينز”، إن هناك نوعاً من الاستجابة الإنسانية داخل منظومة الأمم المتحدة تُسمى “التعافي المبكر”، وهو غير محدد بشكل جيد”، أي أن هذا الأمر ينطوي على “ثغرة” يمكن أن تستغلها دول الخليج التي تريد إرسال أموال إلى اﻷسد دون الخضوع للعقوبات.
هل ستدخل الصين على خط إعادة اﻹعمار؟
يرى خبراء أن هناك أطرفاً دولية أخرى مثل الهند أو البرازيل قد تقدم على الاستثمار في سوريا، لكن جاي بيرتون، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بروكسل للحوكمة، قال لـDW إنه من المرجح “أن تكون الشركات الخاصة من هذه الدول حذرة بشأن الاستثمار في سوريا بالنظر إلى مخاطر ذلك”.
ويقول خبراء إن الصين قد تكون المستثمر المحتمل الرئيسي لدى سلطة اﻷسد، خاصة بعد أن وافقت الأخيرة على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في أوائل عام 2022 فيما ناقش ممثلو الحكومة الصينية في وقت سابق بدمشق تنفيذ مشاريع في مجالات النقل والصناعة والاتصالات.
وبالرغم مما سبق، يرى الخبراء أن الأمر يتعلق بالكثير من التصريحات دون انخراط عملي على أرض الواقع، ويقول بيرتون إن مسؤولي سلطة اﻷسد أعربوا عن اهتمامهم القوي بالاستثمارات الصينية، فيما كان الصينيون منفتحين على هذه المناقشات.
لكن وبالنظر إلى المقاربة الإيرانية، فإن “إيران الخاضعة لعقوبات دولية تجري محادثات لتعزيز علاقتها مع الصين، ورغم ذلك، فإن مستوى الاستثمار الصيني الفعلي في إيران مازال ضئيلاً للغاية رغم توقيع اتفاقية مدتها 25 عاما قبل سنتين”.
ويؤيد موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن هذا الطرح، قائلاً إن “الانخراط الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط يتركز بشكل كبير في الاقتصادات الكبيرة”، و”يُقال إن الصينيين يرغبون في استغلال هذا الفراغ في السلطة، لكن أعتقد أن هناك تردداً أكبر بكثير مما يعتقده الكثيرون”.
وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد أكد في مؤتمر “بروكسل 7” أن التكتل لم يغير نهجه السياسي تجاه سوريا وسيُبقي العقوبات على سلطة الأسد، رافضاً نهج جامعة الدول العربية والخليج العربي.