نضال العبدو – حلب اليوم
لا تخفى على المتابعين فصول المنافسة المستمرة بين الروس واﻹيرانيين على جني المكاسب الاقتصادية للحرب السورية، والاستحواذ على أكبر حصة ممكنة كثمن ﻹنقاذ اﻷسد الذي كان على وشك السقوط في وقتٍ ما.
وفيما وقّع اﻷسد على تنازلات كبرى مؤخراً كانت بمثابة صك ملكية لطهران استحوذت من خلاله على أصول سورية، تبدو روسيا حاضرة وبقوة في ريادة المشهد، ويؤكد مراقبون أنها استولت على “حصة اﻷسد”، والنصيب اﻷكبر من الكعكة السورية، كما تطمح للاستحواذ على أهم الملفات فيما لو تم التوصل للحل السياسي، ألا وهو “إعادة اﻹعمار”.
يقول الخبير الاقتصادي يونس الكريم لـ”حلب اليوم” في إجابته على سؤال حول ما إذا كانت موسكو قد ربحت اقتصادياً بالفعل، بعد سنوات من الحرب؟ إن “اﻷمر معقد جداً ويحتاج لشرح مطول”، ولكن “بشكل موجز فإن روسيا حصلت على جزء كبير من أهدافها”.
وأوضح أنها كسبت “التواجد الشرعي في سوريا وإن لم تعترف به اﻷمم المتحدة علانية، ولكن الدول باتت تعتبر روسيا أحد محركات السلام في سوريا حيث بإمكانها الضغط على اﻷسد خلال التفاوض حول الحل السلمي”.
أما اقتصادياً فقد “حققت حلمها التاريخي بأن يكون لها قواعد ذات سيطرة كاملة تجارياً وعسكرياً بمياه المتوسط وهذا ما حصلت عليه من خلال ميناء طرطوس بل مكنها من فرض السيطرة والتحكم بالواجهة البحرية السورية ونوعا ما اللبنانية”، فضلاً عن أنها حصلت على الفوسفات وبدأت تستخرجه وتبيعه بحرية دون أية تدخلات من سلطة الأسد أو حتى استخدامه داخل سوريا.
ويؤكد “الكريم” أن موسكو حولت سوريا لمنصة تجارية، حيث باتت تجمع منتجات بسوريا ثم ترسلها نحو وجهتها الرئيسية دون تدخل من سلطة الأسد، أو حتى المجتمع الدولي لدرجة أنها استطاعت نقل القمح المسروق من أوكرانيا وبيعه بالسوق عبر سوريا لدول الجوار، و نقل الذهب السوداني إلى دمشق ومن ثم إلى روسيا ووجهات دولية أخرى، كما أنها استطاعت استخدام سوريا كخزان بشري لجيش الظل الذي بنته عبر ميليشيات (فاغنر) وجنّدت عناصر من ميليشيات اﻷسد دون أية مسائلة وزجتهم فيه في ساحات التواجد الروسي من ليبيا إلى السودان مروراً بأوكرانيا، و”هذا اعتراف ضمني بالشرعية وبأن سوريا باتت منطقة نفوذ روسية”.
وكانت صحيفة “الشرق اﻷوسط” السعودية قد كشفت في تقرير منذ أيام، عن فصول من التنافس بين الروس واﻹيرانيين على النفوذ والمكاسب بسوريا، ومن أبرز معالمه “إعادة إعمار” مناطق ملاصقة لدمشق، حيث نقلت عن مصادر مطلعة أن روسيا تحاول إحباط مشروع “ضاحية جنوبية” جديد خلف السفارة اﻹيرانية في دمشق.
ويقول “متعاملون وتجار عقارات أبرموا عقوداً مع شركة ‘دمشق الشام القابضة’ ومطلعون على حيثيات مشروع إعادة إعمار اﻷحياء المدمرة”، إن الجانبين يتنافسان في الاستحواذ على عقود الاستثمار، وتحاول روسيا إقصاء إيران عن الملف بعدما أقصتها عن مشاريع استخراج مصادر الطاقة، خصوصاً منها الفوسفات، على أطراف البادية.
وبالرغم من وجودها العميق في سوريا، يرى “الكريم” أن إيران “ما تزال أهدافها الاقتصادية غير واضحة، فهي حتى اليوم تنادي باستعادة اﻷموال التي صرفتها بسوريا ما يدل على وجود فجوة كبيرة بين طموحها وبين ما حققته على اﻷرض”، لافتاً إلى أنها لا تزال تتعرض لضربات سواء من القوات اﻷمريكية أو إسرائيل أو حتى من من خلال صراع مع الميليشيات بحرب السيطرة على تجارة النفط والسلاح والمخدرات.
ويضغط الغرب على إيران بشكل مستمر عبر سلاح العقوبات، فيما لا تبدو روسيا قادرة على مساعداتها إلى الحدّ الكافي في مواجهة ذلك، وخصوصاً بسوريا، بل إنها تنسق مع إسرائيل غاراتها التي تستهدف ميليشيات طهران بسوريا.
وأشار الخبير السوري في إفادته لـ”حلب اليوم” إلى أن العقوبات ازدات نتيجة التواجد اﻹيراني بسوريا لدرجة أن هذا التواجد بات جزءاً من أي تفاوض إيراني دولي، كما فشلت طهران في الحصول على خط أنابيب الصداقة النفطي/الغازي، وفشلت في الحصول على نفوذ إلى الواجهة البحرية بسوريا، كما أن سعيها منذ ٢٠١٥ في الحصول على شركة اتصالات تحت سيطرتها أو بنك تجاري وبناء طرق أو شبكات البنى التحتية من كهرباء وماء، فشل هو الآخر واقتصر على إعطاء ترخيص بناء وحدات سكنية اجتماعية خارج المدن الكبرى بضواحي مهملة وبعيدة عن مركز السلطة بهذه المدن.
ولكن رغم ذلك “فما يزال لدى إيران تواجد قرب المدن الكبيرة وتعتمد على المشاريع التي تشغل الفقراء لكسب ولائهم بحيث تصبح قوة مخربة ومعسكرة في حال أي استبعاد لها كما حدث بلبنان والعراق، وهذا النفوذ له اعتباره بالحياة السياسية، وشأنها شأن تركيا إلى حد ما، وهذا التواجد لرعاية مصالح غير مباشرة لها وليس منطقة تحكم ونفوذ، كما أنه غير أساسي بحيث لا تكون موجودة بالتفاهمات الدولية بشكل مستقل عن التواجد الروسي بل ملحقةً به”.
أين يكمن التنافس الاقتصادي بين روسيا وإيران؟ وهل يمكن وصفه بالصراع؟
يرى “الكريم” أن هناك تنافساً حقيقياً على أكثر من صعيد بين الجانبين، من الفوسفات إلى السيطرة على بادية تدمر كمشروع أو منطقة لمرور طرق التجارة واﻷنابيب النفطية نحو الواجهة البحرية، إلى الصراع حول اللاذقية كواجهة بحرية بديلة عن طرطوس وعلى الحقول النفطية بالمنطقة الشرقية.
كما أن “هناك صراعاً حول العاصمة دمشق وحلب وكثير من المناطق، حتى إن روسيا تسمح لإسرائيل بقصف مواقع إيران في سوريا على الرغم من التحالف بينهما ما يدل على صراع بين الجانبين مع حرصهما على أن يبقى ضمن الحدود الجغرافية السورية”.
وكانت روسيا قد استحوذت على قاعدة طرطوس البحرية وهي اﻷهم على الساحل السوري، فضلاً عن قاعدة “حميميم” الجوية القريبة منها، وأنشأت مؤخراً مطاراً للحوامات بالقامشلي، فيما تسيطر إيران بشكل مباشر على معبر “البوكمال” شرقي البلاد، ولها نفوذ على مرفأ اللاذقية.
لماذا تبدو روسيا حريصة على إعادة اﻹعمار؟ وهل ستنجح في إقناع دول الخليج بتمويله بعيداً عن الغرب؟
تقود روسيا منذ سنوات جهوداً دبلوماسيةً نشطة ﻹقناع المجتمع الدولي عموماً ودول الخليج العربي خصوصاً برؤيتها للحل و”إعادة اللاجئين” السوريين، لكنها ما تزال تصطدم بموقف غربي لم يتغير حتى اﻵن، ويقوم على رفض التطبيع بشكل دائم.
وحول أسباب حرص روسيا على إعادة الإعمار تحت نفوذها؛ يرى “الكريم” أن ذلك يدعم الاعتراف بشرعية سيطرة موسكو واستثماراتها بسوريا، كما أنها “تريد الحفاظ على نفوذ طويل اﻷجل لرسم الحل السياسي من البوابة الاقتصادية فهي مهتمة بإعادة اﻹعمار من أجل تثبيت هذه الانتصارات والنفوذ”.
ولكن المشكلة في إقناع دول الخليج “تكمن في عدة نقاط وهي كيفية إقناع تلك الدول بجدوى تمويل الاستثمارات مع كون روسيا وإيران استولتا على قطاعات استراتيجية وما بقي لم يعد مجدياً كما أن سلطة اﻷسد متمسكة بقوة بما بقي من استثمارات للحفاظ على كينونتها”.
ولفت إلى أن دول الخليج لا تريد التدخل بالشأن السوري لتجنّب إغضاب الغرب والتعرض للعقوبات وبالتالي وقوع الضرر عليها.
يضاف إلى ماسبق “غياب الحل السياسي وعدم موافقة الغرب على إعادة تعويم اﻷسد ورفض الرؤية الروسية، لذا فإن الخليج لن يدخل بمغامرة في تمويل إعادة اﻹعمار إلا إذا قدّم أحد الطرفين؛ الغرب أو روسيا، مكافأة أو تحفيزاً ﻹقناع الخليج بملفات دولية، ودون ذلك فلن يشارك في إعادة اﻹعمار”.
وفي الختام فإن المجتمع الدولي لا يزال مجمعاً على أن أي حل في سوريا، يأتي من بوابة الانتقال السياسي الحقيقي الذي يكفل انتهاء الحرب، ويضمن للممولين عملية إعادة إعمار حقيقية.