كشف تقرير صحفي عن مسعىً روسي لإبعاد إيران عن مشاريع لـ”إعادة إعمار” مناطق بالعاصمة دمشق، بعد الاستيلاء عليها وتشريد سكانها، وذلك في إطار تنافس محموم بين الجانبين لتقاسم المكاسب في مرحلة ما بعد الحرب بالبلاد.
وذكرت صحيفة “الشرق اﻷوسط” في تقرير أن الجانبين يتنافسان في الاستحواذ على عقود الاستثمار بالبلاد، وذلك بعدما أقصت موسكو طهران عن مشاريع استخراج مصادر الطاقة، خصوصاً منها الفوسفات، على أطراف البادية.
وكان الأسد قد أصدر في عام 2012 مرسوماً بإحداث منطقتين تنظيميتين في دمشق؛ الأولى أطلق عليها المنطقة 101 والثانية المنطقة 102.
وتقع المنطقة 101 جنوب شرقي حي المزة غرب العاصمة، وتتكون من منطقتين عقاريتين هما المزة وكفر سوسة، وتضم ما يطلق عليه منطقة “المزة بساتين” الواقعة خلف السفارة الإيرانية وحي “الإخلاص” شرقها، وتمتد شرقاً إلى الأجزاء الشمالية الشرقية من حي “كفر سوسة”، وقد أصدرت سلطة اﻷسد المخطط التنظيمي لها تحت اسم “ماروتا سيتي”، وتعني بالسريانية، بحسب مجلس محافظة دمشق “الجنة”، وتبلغ مساحتها مليوني متر مربع، وستضم 12 ألف شقة سكنية، موزعة على 168 برجاً، يتراوح كل منها بين 11 و22 طابقاً.
كما ستقام في المنطقة 17 مؤسسة تربوية، و4 محطات وقود، و3 جوامع، وكنيسة، وقد بدأ العمل فيها منذ نحو عامين، وفقاً لمخططات حكومة سلطة اﻷسد.
أما المنطقة 102 المسماة “باسيليا سيتي”، وتعني بالسريانية “الوطن” أو “السيادة”، فهي تتصل مع المنطقة 101 من جهة الجنوب الشرقية، وتمتد من الأجزاء الجنوبية الشرقية لحي كفر سوسة لتصل إلى أحياء في جنوب دمشق وتشمل المناطق الواقعة جنوب الجسر المتحلق الجنوبي، وهي الأجزاء الجنوبية الشرقية من حي “كفر سوسة” وبلدة داريا وأحياء القدم والعسالي ونهر عيشة ومنطقة شارع الثلاثين الفاصلة بين حي القدم ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وتبلغ مساحتها 9 ملايين متر مربع، وعدد عقاراتها 4 آلاف.
وأسست سلطة اﻷسد شركة “دمشق شام القابضة” لإدارة تلك المشاريع، وعلى رأسها أراضي المشروع 66، وذلك من خلال التعاقد مع شركات وتجار عقارات من أجل بناء المنطقتين 101 و102، حيث بدأ العمل في منطقة “المزة بساتين” قبل أكثر من عامين، بعد إخلاء السكان منها وهدم البيوت، إلا أنه لم يظهر من المشروع حتى الآن إلا المجسمات ثلاثية الأبعاد، وما يزال الأهالي مشردين في انتظار الوعود.
ونقلت الصحيفة عن “متعاملين وتجار عقارات أبرموا عقوداً مع شركة ‘دمشق الشام القابضة’ ومطلعين على حيثيات المشروع”، أن “إيران سارعت للدخول بقوة للاستثمار في المنطقة 101” الواقعة خلف سفارتها القديمة والقريبة جداً من سفاراتها الجديدة على أوتوستراد المزة، وأن “إيرانيين ولبنانيين مقربين من إيران كان لهم السبق في مشروع المزة بساتين، حيث عملوا بشكل سريع على تأسيس شركات في سوريا مع شركاء سوريين يتحكمون بها من خلال عضويتهم بمجلس الإدارة وأسهمهم بها، أو من خلال رجال أعمال سوريين معروفين أو شخصيات أخرى لم تكن معروفة أبداً”.
وأشارت المصادر إلى أن من بين مالكي إحدى الشركات العقارية الذين يعملون مع الإيرانيين المدعو “حسام إمام” صاحب شركة “إنيريجي”، وهو من الذين “يتعاونون بشكل مكثف مع الشركات الإيرانية”.
وبعد انفراد إيران بتقرير مصير مدينة داريا أبرم مسؤولون إيرانيون عقداً مع سلطة اﻷسد يقضي بإعمار 30 ألف وحدة سكنية في المدينة الواقعة ضمن المنطقة 102 من المرسوم 66.
وأكدت “مصادر واسعة الاطلاع” أن “اتفاق تطوير التعاون الدفاعي والتقني” الذي أبرمه وزير الدفاع الإيراني العميد “أمير حاتمي” مع سلطة اﻷسد خلال زيارته إليها أواخر الشهر الماضي، ينص على “إسكان الضباط الإيرانيين في مربع أمني بمدينة داريا نظراً لقربها من مفاصل مواقع النفوذ الإيراني”.
ووافقت مؤسسة القضاء التابعة لسلطة اﻷسد على دعوى لـ”المؤسسة العامة للإسكان العسكري” لإيقاف العمل في منطقة “ماروتا سيتي” بسبب تخلف “محافظة دمشق” عن دفع مبلغ 11 مليار ليرة سورية هي كلفة تأسيس بنية تحتية في المنطقة.
وتسعى روسيا، في مقابل الاندفاع الإيراني، الحد من مشاريعها، “لا بل تقويضها”، حيث “عطل الروس أكثر من مرة مساعي إيران لإنهاء وجود فصائل مسلحة في أحياء القدم والعسالي وشارع الثلاثين الواقعة ضمن المنطقة 102 من المرسوم 66، إلى أن حسمته موسكو مع ملفات مدينة الحجر الأسود ومخيم اليرموك وحي التضامن جنوب العاصمة وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم:.
ووفق المصادر، فإن “أنباء تسربت وبقوة عن أن الروس ستكون لهم ولشركاتهم والشخصيات ورجال الأعمال المتعاونين معهم الأولوية في أخذ عقود إعمار المحاضر والمقاسم في المنطقة 102، إضافة إلى الحجر الأسود ومخيم اليرموك”، وذلك بعد أن أدخلت بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم في إطار نفوذها، عقب إنهاء ملفاتها في إطار اتفاقات “المصالحة”.
ولفتت المصادر إلى أن استبعاد الروس للإيرانيين من مناطق جنوب العاصمة أثار انزعاج الإيرانيين، لأنهم بذلك “أحبطوا حلمهم الذي طالما سعوا إلى تنفيذه وهو مد نفوذهم إلى تلك المناطق وتشكيل ضاحية جنوبية مع منطقة السيدة زينب القريبة منها من الناحية الجنوبية شبيهة بـ”ضاحية بيروت” الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله”.
ووأدى التنافس الروسي – الإيراني حول إعادة الإعمار – وفق المصادر ذاتها – إلى مناورات غاية في التعقيد حول مصير غوطة دمشق الشرقية ما تسبب في “تجميد إعادة الأهالي لفترة طويلة إلى بعض مدنها وبلداتها وقراها، خصوصاً تلك الواقعة على طريق مطار دمشق الدولي”.
وقالت المصادر إن “الخلاف الإيراني – الروسي هو ما أخر إعادة الأهالي إلى بلدة المليحة وقرية مرج السلطان وهي مناطق تعتبر إيران أنها حيوية من أجل مشروعها بالنسبة لمطار دمشق الدولي ومحيطه والرامي إلى تحويله لما يشبه مطار رفيق الحريري الدولي في لبنان الذي يقع تحت السيطرة الأمنية والعسكرية والسياسية لحزب الله وحركة أمل والأمن العام اللبناني”.
وكان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني، سارع إلى زيارة مدينة دوما في الغوطة الشرقية، بعد أن سيطرت عليها سلطة اﻷسد، في رسالة إلى الروس بأن الإيرانيين سيسهمون في إعادة الإعمار في تلك المنطقة، وتحدثت المصادر عن أن شائعات ترددت بأن الروس “ضمنوا إعادة إعمار حيي القابون، وتشرين (الدمشقيين والملاصقين للغوطة من الجهة الغربية)، حرستا، وأن سلطة اﻷسد بصدد إصدار مراسيم إحداث مناطق تنظيمية جديدة في تلك المناطق بناء على القانون رقم 10”.
وكانت صحيفة “قانون” المقربة من الحكومة في إيران قد كشفت في تقرير نشرته بداية العام الحالي بعد سحب موقع “تابناك” المقرب من “الحرس الثوري” لصالح موسكو، عن خلافات واسعة بين الجانبين حول تقاسم حصص ما بعد الحرب، وقالت الصحيفة تحت عنوان “لا شيء… حصة إيران من سوق الشام”، إن “الأسد أبعد اليد الإيرانية”، وإن “عقود إعادة الإعمار تسجل لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم تكاليف باهظة الثمن دفعتها إيران”.