كانت ساعة لم ولن ينساها أهالي الجنوب التركي والشمال السوري، ففي تمام الساعة الرابعة والسبعة عشرة دقيقة.. هدرت الأرض واهتزت كما لم يسبق لها، على الأقل خلال السنوات المئة السابقة.
هزة أيقظت النائم وأجفلته وأفزعت من كان مستيقظا في السادس من شباط 2023.. وكان الزلزال الموصوف بكارثة القرن الحالي أو الزلزال العظيم!
بحسب إدارة الكوارث والطوارئ التركية بلغت شدة الزلزال 7.7 على مقياس ريختر ومركزه ولاية كهرمان مرعش، أدى الزلزال إلى أضرار في ولايات كهرمان مرعش وغازي عنتاب وشانلي أورفة وديار بكر وأضنة وأدي يامان وعثمانية وهطاي وكيليس وملاطية وألازيغ.
ساعات قليلة فصلت بين الزلزال الأول والزلزال الثاني، ففي الساعة الواحدة والنصف تقريبا من اليوم نفسه وقع زلزالا آخر بشدة 7.6 على مقياس ريختر، ليفاقم الأضرار التي خلفها الأول.
أضرار الزلزالين امتدت إلى سوريا في الشمال والساحل، وأديا إلى انهيار العديد من الأبنية ومقتل المئات وإصابة الآلاف.
ففي تركيا وحدها سجلت آفاد مقتل أكثر من 44 ألف شخصا فيما قتل أكثر من 5 آلاف شخص في سوريا، حتى تاريخ كتابة هذه المادة.
فريق قناة حلب اليوم الفضائية في مكتبيها في ولاية غازي عنتاب وفي مدينة اعزاز بالشمال السوري، إضافة لأغلب فريق المراسلين، لم يكونوا بمعزل عن الكارثة.
خسرت حلب اليوم في كارثة الزلزال واحد من أقدم كوادرها وهو “أحمد أبو موسى” وقضى في كهرمان مرعش شهيدا تحت ركام أحد الأبنية المتضررة عندما كان في زيارة أقاربه.
ووقعت أضرار في المكتبين وفي منازل عدد من الصحفيين والعاملين في القناة، فيما أجبر الزلزالان وما تبعهما من هزات ارتدادية، بعضهم على مغادرة غازي عنتاب إلى ولايات أخرى، وانتقل الفريق بمجمله إلى العمل عن بعد.






الكارثة أدت إلى توقف البث الاعتيادي لبرامج قناة حلب اليوم على الشاشة، حيث كان يتم نشر ما ينتج من مواد فور استلامها على الشاشة دون التقيد بالجدول الأسبوعي، فيما استمر النشر على المنصات الإلكترونية لمواكبة الحدث والاستجابة لكارثة الزلزال رغم الضغوط النفسية والمعيشية التي يعاني منها الموظفون، خاصة وأن معظم الفريق كان ما زال يمضي تلك الأيام في الشارع أو في مراكز الإيواء.
عن تلك الفترة يستذكر الزميل الصحفي في قناة حلب اليوم “أحمد سرحيل” قائلا: “كنت نائما عندما حصل الزلزال واستيقظت على أصوات التكبير، لبست طرفي الصناعي وخرجت مع زوجتي و أولادي من المبنى، ثم اتصلت للاطمئنان على والدي وأخوتي، ثم توجهت إلى الحديقة، مع بقية الناس، وبينما بقيت زوجتي وأولادي في سيارة جاري، بدأت بالتصوير لمشاركة الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الإنترنت في ذلك الوقت لم يساعدني، واستطعت بعد أربعين دقيقة من الزلزال من رفع بعض الصور فقط دون الفيديوهات.
في الساعة العاشرة صباحا عدت وأسرتي للمنزل وبدأت بالعمل على الكمبيوتر، بينما استغرقت بقية العائلة في النوم والجميع على أهبة الاستعداد في حال حصول أية هزة أرضية جديدة، وبقينا في المنزل حتى حصل الزلزال الثاني، حينها هربنا من المنزل وأمضينا بقية اليوم في مراكز الإيواء ثم عدنا إلى المنزل، لنهرب منه حين حدوث هزات والعودة إليه لاحقا، إلى أن أتى أخي من بورصة وخرجنا جميعا من غازي عنتاب، ومازلت مستمرا في عملي بنشر الفيديوهات المؤثرة والأخبار المهمة، طبعا رغم كل ما مر، كان ما يدفعني للعمل هو واجبي الإنساني والمهني وإحساسي بالمسؤولية تجاه أهلنا في سوريا وتركيا”.
في الأيام اللاحقة…
تحول البث التلفزيوني إلى التجاوب مع الزلزال وبث المواد المنتجة مباشرة على الشاشة بدون التقيد بالجدول المعتاد.
كما تم إعطاء الأولوية في الأسبوع الأول للحاجات الإنسانية والطارئة ضمن الاستجابة للزلزال كالإعلان عن الحاجة للتبرع بالدم، او وجود عالقين تحت الأنقاض أو نقص الآليات والمعدات في موقع ما.
و استطاع فريق المراسلين والبرامج في داخل سوريا من تصوير تغطيات ميدانية من مواقع الحدث داخل سوريا مثل جنديرس واعزاز والمعابر وقرية التلول وغيرها.
وقد كان لحلب اليوم أهمية خاصة في تقديم المعلومات الصحيحة والضرورية لاستمرار حياة الناس، وفي مواجهة الشائعات والخرافات والمعلومات المغلوطة التي تجد في حالة ضعف الناس بيئة خصبة للانتشار.
في الوقت ذاته، عملت إدارة حلب اليوم على تقييم الحالة الفنية للمكتب في اعزاز من قبل نقابة المهندسين والمباشرة فورا بإصلاح المكتب من أجل ضمان استمرار العمل فيه، وقامت بطلب تقييم المكتب من نقابة المهندسين بعد تنفيذ التعديلات والإصلاحات المطلوبة.
وقد أطلقت القناة تغطية يومية خاصة بالزلزال وتبعاته من الاستوديو في مكتب اعزاز.
كما تم متابعة تصوير بعض البرامج من الداخل السوري مثل برنامج “المشهد الأسبوعي” وبرنامج “وآمنهم من خوف” فيما استمر العمل على إنتاج برنامجي قضايا وجولات من الميدان.
في ١٤ شباط ولأول مرة في تاريخ حلب اليوم، استطاع فريق العمل بمكتب اعزاز، تصوير النشرة الإخبارية ومازال مستمرا في ذلك حتى تاريخ كتابة هذه المادة..
في ٢١ شباط ولأول مرة في تاريخ حلب اليوم تم تصوير برنامج التحليل السياسي “العمق السياسي” من استوديو اعزاز داخل سوريا.
في ٢٧ شباط بدأ العمل على إعادة إنتاج وبث برنامج التحليل الإخباري “ثنايا الخبر” من استوديو اعزاز داخل سوريا أيضا.
قيمت الحكومة التركية حالة مبنى القناة في عنتاب “أضرار خفيفة” ويجري العمل الآن على تجهيز المكتب لعودة العمل منه مع بداية الأسبوع القادم بإذن الله.
أكثر من واحد وعشرين يوما وفريق حلب اليوم في تركيا لم يستطع لملمة نفسه والعودة إلى العمل في مقر القناة في غازي عنتاب إلا قلة، ولكن الجميع كل في مكانه يحاول أن يبذل ما يمكنه من جهد لمواكبة الأحداث والحرص على استمرارية العمل، إيمانا منهم أن حلب اليوم جزء من الشعب السوري، وأن شعار القناة “نبض المجتمع السوري” هو البوصلة للجميع في أصعب الظروف حتى وإن كان زلزالا غيّر نبضات الأرض التي يقفون عليها.