تتفاقم الأزمات الاقتصادية المتوالية، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث وصلت خلال الأشهر الماضية إلى مستويات قياسية، وشملت كافة المجالات من نقص الوقود الذي عطل الحياة إلى انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكي وغلاء اﻷسعار، مروراً بالانقطاع المستمر للكهرباء وتصاعد الفقر وغير ذلك.
وسلّط تقرير لوكالة “اﻷناضول” التركية للأنباء الضوء على زيادة أسعار الوقود أكثر من مرة، خلال العام الماضي، وهو ما وصل بشريحة من الأسر إلى عجزهم عن تأمين الوقود لسياراتهم وللتدفئة، بينما انخفض سعر صرف الليرة إلى مستوى قياسي غير مسبوق وتجاوز 6 آلاف لكل دولار.
وادعى البنك المركزي الأسبوع الفائت أنه خفض سعر الصرف الرسمي لليرة إلى 4522 ليرة لكل دولار، نزولاً من السعر الرسمي السابق البالغ 3015، وذلك لسد الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وبين السوق السوداء.
وأكد خبراء أن توقيع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في ديسمبر الماضي على ميزانية الدفاع لعام 2023، والتي تتضمن “قانون مكافحة المخدرات” سيضيق الخناق أكثر على النظام، وذلك مع فشل روسيا في تحسين صورته دولياً خلال السنوات الماضية، وإحباط مشروع “التعافي المبكر” الذي حاول النظام تسويقه في المجتمع الدولي العام الماضي.
ويتوقع مراقبون أن تتوالى الأزمات الاقتصادية خلال الفترات القادمة، في ظل غياب أفق الحل السياسي في البلاد، وضحيتها الأكبر هم المواطنون الذين انخفضت قوتهم الشرائية بشكل غير مسبوق، حيث بلغ متوسط الرواتب والأجور أقل من 20 دولار شهرياً.
وقال “يحيى السيد عمر”، رئيس مركز “ترندز” للدراسات الاقتصادية، إن حكومة النظام تعاني منذ سنوات من أزمة متصاعدة، ولا يبدو أن لهذه الأزمة حلولاً مرتقبة، “لذلك ومنذ عدة سنوات تسعى حكومة النظام لكسب الوقت، من خلال محاولة التعايش معها ونقلها للسوريين، وذلك في انتظار حدوث تغيرات إقليمية أو دولية في صالحها”.
وأضاف “السيد عمر” أنه “من حيث قدرة حكومة النظام على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، فإنه ووفقاً للمنطق الاقتصادي يفترض أن يسقط النظام من عدة سنوات، لكنه يقوم وبشكل مستمر وبنجاح بنقل تأثيرات الأزمة إلى السوريين”، مؤكداً أن “غالبية الأزمات لم تؤثر على حكومة النظام، ففي أزمة المحروقات على سبيل المثال، شلت حركة السوريين وتوقفت الحياة الاقتصادية، دون أن تتأثر الحكومة بشكل مباشر، وهذا ينسحب على مختلف الأزمات”.
وحول رفع سعر الصرف الرسمي إلى 4000 ليرة للدولار الواحد و4500 ليرة للدولار فيما يتعلق بالحوالات الخارجية، أوضح “السيد عمر” أن “تأثير هذا التعديل موجود، لكنه محدود، فهو يقلل من العبء المالي على حكومة النظام من حيث تكلفة تمويل المستوردات”.
كما اعتبر أنه “لا يمكن توقع انتعاش اقتصاد النظام دون تقديم دعم خارجي سخي، أو في حال عودة حقول النفط شرق البلاد إليه، وهذا الأمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن، وحتى في حال حدوث انفراجات سياسية، فانعكاس هذه الانفراجات على اقتصاد النظام ليس بالضرورة أن تظهر مباشرة، فهي تحتاج لوقت طويل نسبياً، لذلك من المتوقع استمرار النمط الحالي القائم على التعايش مع الواقع”.
من جانبه قال المستشار الاقتصادي “أسامة القاضي”، إنه لم يطرأ أي جديد على الاقتصاد السوري كتركيبة من حيث السلع والخدمات، فالنشاط الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام لا يتجاوز 10 بالمئة من الطاقة الاقتصادية للبلاد، فيما تتجاوز نسبة البطالة 70 بالمئة والفقر 90 بالمئة.
وأضاف أن “هناك طبقتين فقط في سوريا، الثرية والفقيرة ولم يعد هناك طبقة وسطى أو التي تحتها”، لافتاً إلى أن الراتب الشهري لأكبر موظف في النظام لا يتجاوز 250 ألف ليرة (أقل من 40 دولاراً)”، وهذا يعني أنه “لم يعد هناك معنى للبطالة بمفهوم البطالة في سوريا، فحتى من يعمل لا يستطيع سد رمقه سوى 4 إلى 5 أيام في الشهر لأنه يحتاج إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سوري شهرياً، بينما تتراوح الرواتب الشهرية بين 100 و 200 ألف ليرة”.
وأكد “القاضي” أنه “حتى سعر العملة في سوريا غير حقيقي ولا يعكس واقع الاقتصاد السوري المنهار، ونسبة مساهمة التجارة والصناعة في الاقتصاد بسيط جداً، والدخل الأكبر يأتي من تجارة الكبتاغون والمخدرات حيث يقدر القيمة السوقية لها من 3 إلى 5 مليارات دولار”.
ورجّح أن التضييق على تجارة “الكبتاغون” للنظام بدعم مالي أمريكي وفقاً للقانون الجديد، سيزيد الضغط على اقتصاد النظام، حبث أن الأردن “سيستفيد من الجزء الأكبر من المساعدات الأمريكية لمكافحة تهريب المخدرات من سوريا والبالغ قيمتها 400 مليون دولار”.
وحتى الدول التي تحاول مساعدة النظام وتعويمه – يضيف القاضي – تصطدم بقانون قيصر وتعرض نفسها للعقوبات في حال قامت بذلك، مشيراً إلى أن الواقع الدولي لحلفاء النظام يؤشر على أن عام 2023 سيكون “أسوأ” من العام السابق.
يُشار إلى دراسة نشرها مركز “حرمون” أمس، تُبيّن وجود تغيرات سلبية في أنماط حياة السوريين وارتفاعاً في معدلات الجريمة والاستعداد للانحراف جراء العوامل الضاغطة على المجتمع.