تستمر أزمة المحروقات في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، منذ نهاية الشهر الماضي، في ظلّ صعوبات معيشية يعاني منها أبناء المنطقة.
وﻷسباب مبهمة توقّفت شركة “وتد” التي كانت الجهة الوحيدة المستوردة للمحروقات، عن عملها في إدلب وريف حلب الغربي، منذ يوم السبت 29 أكتوبر/تشرين الأول “حتى إشعار آخر”.
وقالت الشركة إنها علّقت عملها “لعدم رغبتها في تجديد الترخيص في ظل الزيادة المبالغ فيها لعدد الشركات”، وذلك بعد خمس سنوات من العمل، بينما تحدّث بيان لـ”حكومة اﻹنقاذ” عن رغبتها في تعزيز التنافس بين عدّة شركات.
ولم توضّح اﻷخيرة أسباب قرارها المفاجئ، بعد خمس سنوات من تفرّد “وتد” الكامل باستيراد وتجارة المحروقات في المنطقة.
وسبق ذلك بأيام إعلان “حكومة الإنقاذ” عن فتح باب التراخيص أمام شركات المحروقات للعمل في إدلب، حيث كان القرار الصادر في 19 من الشهر الماضي، قد ألغى جميع التراخيص الممنوحة لشركات استيراد وتجارة المشتقات النفطية، معلناً عن استقبال طلبات التراخيص الجديدة.
وفيما يتوفّر الديزل بكميات قليلة، فإن مادة البنزين تشهد نقصاً كبيراً، بينما لا يزال الغاز المنزلي مقطوعاً بشكل تام.
وتعمل “اﻹنقاذ” على إدخال كميات محدودة من البنزين في محاولة للحد من اﻷزمة، بينما تشهد شوارع المنطقة انخفاضاً ملحوظاً في حركة التنقّل، وسط ازدحام كبير في محطات بيع المحروقات.
ما هي أسباب اﻷزمة؟
تزامنت اﻷزمة مع قرار “وتد” التوقّف عن العمل، والذي أتى عقب الاشتباكات في ريف حلب الشمالي، والموقف التركي الحاسم من “هيئة تحرير الشام”، ومواصلته الضغط عليها.
لكن حكومة “الإنقاذ” عَزَت الأزمة القائمة إلى سبب مختلف لا يتعلّق بما سبق، وقالت إنها مرتبطة بـ”عطل بسيط في التحميلات من ميناء “مرسين” نتيجة استبدال باخرة النقل بأخرى”.
وتستقدم الجهات المسؤولة في منطقة شمال غربي سوريا، بريفي حلب وإدلب، المحروقات من الاتحاد اﻷوروبي، عبر اﻷراضي التركية.
وقال المدير العام للمشتقات النفطية “أكرم حمودة” لوكالة “أنباء الشام” التابعة لـ”تحرير الشام”، اليوم السبت، إن “الباخرة المحملة بالبنزين والغاز وصلت إلى ميناء ‘مرسين’ الليلة الماضية، وسيبدأ التوزيع في المناطق المحررة يوم الثلاثاء القادم الموافق لـ 2022/11/8”.
ومن اﻷسباب التي أدت إلى تفاقم اﻷزمة عدم وجود مخزونات احتياطية لدى محطات الوقود في المنطقة، وقال مدير المشتقات النفطية “أكرم حمودة” في تصريح لـ”حلب اليوم” منذ أيام، إن هناك “إجراءاتٍ من الممكن اتباعها حتى يتم تجنّب مثل هذه الأزمة لاحقاً”.
وأضاف أن المديرية العامة “قامت برسم خطة للخروج من أزمات مشابهة لما يحصل الآن، من خلال إلزام المحطات والشركات بمخزون احتياطي تحت تصرف المديرية”.
الطبقة العاملة اﻷكثر تأثراً
يؤكّد المواطن “عبد الحميد . ع” لـ”حلب اليوم” أنه بات في وضعٍ صعب جداً مع حلول اﻷزمة، فهو من عمال “اليومية” وينتظر اﻷجر الذي سيحصل عليه لشراء الخبز والطعام لعائلته، بينما أصبح الذهاب للعمل مهمةً صعبةً ومكلفةً؛ قد تستغرق معظم “اليومية”.
من جانبه أوضح المواطن “محمود . ح” أنه يضطر لترك عمله في بعض اﻷيام، لملاحقة أخبار وصول البنزين إلى المحطات من أجل الذهاب والمزاحمة لساعات، حتى يحصل في النهاية على كمية محدودة لدراجته النارية.
ولا تكفيه الكميات المحدودة التي يحصل عليها للتنقل اليومي بين مدينتي “إدلب” و”سرمين“، مما يعني تعطيل عمله الذي لا يكفيه أصلاً ﻷكثر من ثمن الطعام.
وفي المخيمات البعيدة عن مراكز المدن باتت المشكلة مضاعفة، مع عدم قدرة النازحين على شراء مستلزماتهم لعدم وجود ما يكفي من البنزين لدراجاتهم النارية، كما تعطّلت أعمال البعض منهم لعدم وجود وسائط للنقل.
وأسهم التوفر المحدود لمادة الديزل في تدارك الأزمة والتخفيف من حدّتها، مع اعتماد وسائل النقل العام، ومركبات الشحن، وبعض السيارات الخاصة عليها.
لكنّ أزمة الغاز تبقى اﻷكثر أهمية، مع إغلاق عدد محدود من المطاعم أبوابها، وبدء نفادها من البيوت، بينما لا يتضّح أفق لنهاية تلك اﻷزمة وأسبابها.
وفي النهاية يؤكّد خبراء أن هشاشة المنطقة لا تقتصر على الناحية الاقتصادية والخدمية، وإنما تشمل كافة المناحي، كما أنها مرتبطة بعدم توفّر مقوّمات لوجود حكومات حقيقية، فهي – كما يصفها أحد الخبراء – أشبه ما تكون بمكاتب لتسيير اﻷعمال.