اختلفت آراء الخبراء والمواطنين في لبنان، حول الاستفادة من إنجاز الترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل، مع توقعات حول امتلاك البلاد لمصدر دخل جديد من عائدات الغاز والنفط الخاصة بالبلاد.
وكان الرئيس “ميشال عون” قد أعلن منذ أيام التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من المفاوضات بوساطة أمريكية، مؤكداً أن ذلك سيتيح لبلاه إمكانية استخراج المحروقات.
لكنّ “عون” فاجئ الجميع في الـ30 من الشهر الجاري – يوم مغادرته للسلطة – بإعلانه إقالة رئيس الحكومة، وتأكيده على فساد المجموعة الحاكمة، وأن البلاد لن تخرج من أزمتها إلا بتغيير المسؤولين.
من جانبه؛ استطلع التلفزيون اﻷلماني DW بعض اﻵراء حول الموضوع، حيث قال المغترب اللبناني “رمزي مغبغب” الذي نقل مطعمه من بيروت إلى سلطنة عمان بعد انفجار مرفأ بيروت: إن “الضبابية وعدم المصداقية” صفتان لصيقتان بالطبقة الحاكمة اللبنانية التي ألِفت “سرقة أموال الشعب اللبناني”.
وأضاف أن “المغتربين اللبنانيين ليست لديهم ثقة بالطبقة الحاكمة التي لها تاريخ حافل بالفساد والمحاصصة”، مشيراً إلى “التجارب الفاشلة في إدارة القطاعات الخدماتية للدولة مثل ملف الكهرباء والسدود وملفات أخرى، والتي كانت سمتها الأساسية السمسرة والعمولات التي كان يدفع ثمنها المواطن اللبناني”.
من جانبها؛ تقول المواطنة اللبنانية “كلوديت حويك” إن ما تصفه بالنظرة التشاؤمية للأمور في هذا الملف غير صائبة، لافتة إلى أنها “متفائلة بالنسبة لإنجاز الترسيم” الذي تراه “حلماً لبنانياً سيضع البلاد على طريق التعافي الاقتصادي بمراقبة أممية تتمثل بالأمم المتحدة”، بحسب وصفها.
لكنها استدركت قائلةً: “على الرغم من تفاؤلي إلا أن العبرة النهائية تبقى بإدارة الملف وتنفيذه مستقبلاً”.
وما يزال لبنان في حالة ترقب لمرحلة ما بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، والتي ستطلق مرحلة التنقيب عن النفط والغاز وتطوير الحقول المحتملة.
أما “ديانا القيسي” مستشارة المبادرة اللبنانية للنفط والغاز، فما تزال تترقب مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق لتفعيل عملها الرقابي ضمن المبادرة اللبنانية للنفط والغاز التي تتطوع لمراقبة العقود وعمل شركات التنقيب الأجنبية في البحر والشركات اللبنانية التي ستقدم لها الخدمات في البر.
ويتحدّث خبراء عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز، لكنّ الخبير الاقتصادي “باتريك مارديني”، يرى أنه حتى لو بدأ لبنان بالتنقيب عن الغاز فوراً، وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فهو لن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، “حينها يمكننا على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي”.
ولا يعتبر لبنان حتى اﻵن بلداً منتجاً للنفط أو الغاز لأنه لم يكتشف الغاز بعد بكميات تسمح بالاستخراج وتغطية التكلفة، وفقاً لـ”القيسي”.
كما أعرب “مارديني” عن عدم ثقته بعملية إنشاء صندوق سيادي لإدارة قطاع الغاز، مشيراً إلى الصندوق السيادي الحالي المتمثل باحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.
وأضاف: “في موضوع احتياطي مصرف لبنان ظن الشعب اللبناني أن إدارته رشيدة وأن حاكمه مستقل عن السلطات السياسية وأن أمواله يتم توظيفها على شكل أوراق مالية آمنة خارج لبنان؛ فإذا به يكتشف خلال الأزمة التي بدأت أواخر عام 2019 أن المصرف المركزي أعطى دولارات الاحتياطي للحكومة بطريقة ملتوية”.
ولفت إلى أن البنك “أقرض الحكومة بالليرة عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019؛ ثم عاد وحوّل لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة إلى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ حوالي 1500 ليرة لكل دولار”.
وبهذه الطريقة – يضيف مارديني – “استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليار دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف”.
وأوضح أنه في ظل الصندوق السيادي، يمكن للحكومة الاستحواذ على الدولارات بشكل مباشر دون اللجوء إلى الطرق الملتوية، فإدارة الصندوق ستعينها الحكومة وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام.
وحذّر الخبير من أن “أموال النفط والغاز ستتبخّر (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة”.
وأوضح “مارديني” أن “إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، تفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية وتزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال”.
وفي حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلاً، فالأمر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم (منح الدولة عروضاً لشركة وتكليفها بإنجازها) عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج، وفقاً للخبير.
من جانبه اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال “هيكتور حجار” أن دخول لبنان في مصاف “الدول النفطية” هو “في إطار المقدمة الحتمية لحل الأزمة الاقتصادية والمحفزات القادمة لمساعدة المواطنين اللبنانيين”.
وأضاف: “يوجد فرق بين بلد نفطي وغير نفطي”، معتبراً أنه بعد أن أصبح لبنان على خارطة الدول النفطية تقع مسؤولية الاستثمار الصحيح لهذا القطاع على عاتق الحكومات المقبلة التي ستوكل إليها مهمات التنفيذ.
الجدير بالذكر أن إسرائيل أعلنت عن شراكتها بنسبة 17% مع لبنان في حقل “قانا” بموجب اتفاق الترسيم.