تستمر الضربات اﻹسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية، ومواقع النظام المرتبطة بها في سوريا، منذ عام 2011، فيما يتوسّع المشروع اﻹيراني على اﻷرض، وسط حالة من الجدل بين السوريين حول الهدف الحقيقي من هذه الغارات.
وبحسب إحصائية قامت بها “الجزيرة” عام 2018، فإن عدد الغارات موضعَ البحث بلغ منذ 2013 وحتى ذلك الحين 26 غارةً فقط، لكنّها تزايدت بوتيرة متسارعة إلى يومنا هذا.
يشير الباحث في مركز “الحوار” للدراسات “محمد سالم” في إفادته لـ”حلب اليوم” إلى أن إسرائيل أثرت بشكلٍ قوي على مشروع إيران بسوريا، “لكن تلك الضربات لم تمنعها من تكثيف نشر مليشياتها”.
وفي وضعٍ استثنائي يزيد من تعقيد المشهد وتداخل القوى؛ تجري الضربات بتنسيق حثيث من قبل الجيش اﻹسرائيلي مع القوات الروسية حليفة إيران اﻷبرز في سوريا، دون أن تُبدي طهران تحفظاً أو اعتراضاً على اتفاق القناة المشتركة الذي مضى عليه سنوات منذ بداية التدخل الروسي بسوريا عام 2015.
وتتجنّب إيران التعليق على غارات إسرائيل فيما تتقدّم مشاريعها على اﻷرض السورية، وسط غياب أية إحصائية حول حجم اﻷضرار التي لحقت بميليشياتها البالغ تعدادها نحو 20 ألفاً، بحسب تقديرات “معهد واشنطن للدراسات”.
يقول التحليل الموجز الذي نشره المعهد منذ أيام إن الجهود المبذولة لمواجهة إيران في سوريا “تركّز فقط على الوجود العسكري الإيراني في البلاد، فيما تتجاهل أدوات القوة الناعمة، ومجالات النفوذ الثقافية التي تطورها إيران كاستراتيجية طويلة المدى”.
من جانبه؛ يرى “سالم” أن “إسرائيل” استطاعت من خلال تلك الضربات التحكم بنفوذ وقدرات تلك الميليشيات ومنعها من التحرك بحرية تامة، ومنعها من تطوير أو نقل أسلحة نوعية يمكن أن تؤثر على الأمن الإسرائيلي، لكنها لم تقطع الطريق على “التغلغل الديني والثقافي، وهو الأخطر على المجتمع السوري”.
ماهي النتائج العسكرية للغارات؟
تؤكد معطيات التحليل أن الأسابيع القليلة الماضية، شهدت ارتفاعاً في عدد الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية بسوريا، مما يشير إلى “اهتمام الطرفين بتقليص العمليات الإيرانية في جميع أنحاء سوريا”.
وكانت الغارات الجوية اﻹسرائيلية خلال الفترة اﻷخيرة “أكثر اتساعاً” وتضمنت استهداف مطار حلب في 31 آب وهجومها السابق على مطارات دمشق، حيث ضربت عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وتخزينها في هذه المطارات.
ولكن في المقابل؛ “تعكس الهجمات أيضاً تضاعف الأعمال الإيرانية في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية”.
تركز “إسرائيل” على عدم امتلاك ميليشيات طهران لأسلحة نوعية، وتحدث معظم الضربات في هذا اﻹطار، وفقاً لما يراه “سالم” مما يؤكّد أن الغارات لها إطار معين.
وكانت الغارات في آب قد ركّزت على نقل الأسلحة إلى “حزب الله”، ومحاولات منعه من الحصول على الصواريخ الدقيقة، و”لكن هذا التركيز الحصري على الغارات الجوية في سوريا لم يفعل شيئًا يُذكر لردع المشروع الإيراني الأكبر المستمر منذ سنوات والهادف إلى رسم معالم المنطقة على هوى إيران”، وفقاً لـ”معهد واشنطن”.
يوضّح الباحث السوري من جانبه، في إفادته لـ”حلب اليوم” أن استهداف مناطق معينة مثل محيط العاصمة والمنطقة الشرقية، مرتبط بحسابات تتعلق باﻷمن “اﻹسرائيلي” وهو يرجع إلى “أهمية العاصمة وقربها من الجنوب”.
أما بالنسبة للمنطقة الشرقية فهي “تقع في المسار الحيوي الذي حاولت ايران تدشينه عبر العراق، إلى شرق سوريا، فجنوبها”.
الغارات “لن تمنع انتصار إيران”
يرى “عمر أبو ليلى” المدير التنفيذي لشبكة “دير الزور24” المحلية، وهو معدّ التحليل أن الجهود التي تبذلها إيران “تزداد نجاحاً وستمنح إيران فوزاً عسكرياً وقوةً ناعمةً في السنوات المقبلة إذا لم يوضع لها حد”، فيما “تتكيف” مع المستجدات الدولية.
وتشير عدّة تقارير من مصادر إعلامية محلية كموقع “فرات بوست” و”نهر ميديا” إلى أن ميليشيات إيران تحاول أيضاً التكيّف مع الغارات عبر تمويه تحرّكاتها، وتوسيع شبكاتها وأنفاقها تحت اﻷرض.
وكان رئيس الوزراء اﻹسرائيلي السابق “ينيامين نتانياهو” قد تعهّد، في 2018، بمنع “حزب الله” من الحصول على الصواريخ الدقيقة التي تقوم إيران بتصنيعها في غربي سوريا، قرب “مصياف” في ريف حماة، إلا أنّه لم يُنجز وعده على ما يبدو.
وبالعودة إلى تحليل المعهد اﻷمريكي، فإن “إيران تواصل تغلغلها في غرب سوريا، مستفيدةً على وجه التحديد من الفوضى السورية لتحاول بعزم تطوير الصواريخ التي يملكها “حزب الله” من صواريخ عادية إلى صواريخ دقيقة، وهو هدف جاهر به نصر الله علناً”.
وتجاوزت إيران ذلك مؤخراً حيث رفعت سقف طموحاتها في سوريا، لتحاول “تغيير قواعد اللعبة” من خلال إطلاق نظام دفاع جوي كان سبباً رئيسياً لغارات “إسرائيل” في تموز قرب “طرطوس”.
ماذا عن “الهلال الشيعي”؟
بعد مضي أكثر من 18 عاماً على إطلاق الملك اﻷردني لمصطلح مشروع “الهلال الشيعي” الذي حذّر منه في مقال نشره بجريدة “نيويورك تايمز”، لا يزال التمدّد اﻹيراني في تصاعد مستمر، ولا يبدو أن الطائرات اﻹسرائيلية تستهدفه على اﻹطلاق.
وتشير اﻷوساط اﻹسرائيلية إلى أن اﻷنظار في “تل أبيب” تتجه إلى اﻷسلحة اﻹستراتيجية، ومنع طهران من الحصول على “النووي”، حيث تبرز دعوات إلى سياسة أكثر شدة، وفقاً لما نشرته صحيفة “هآرتس” منذ نحو شهر واحد.
ويقوم الفكر السياسي للنظام الحاكم في إيران على “تصدير الثورة”، وهو الخطر اﻷبرز الذي يشير إليه “أبو ليلى” في كلّ من سواء والعراق واليمن ولبنان، وهو ما يعطيها موطئ قدم “اجتماعي وأيديولوجي” من خلال “تعزيز نفوذها في الأضرحة الموجودة وبناء أضرحة جديدة”.
وتحاول الميليشيات المرتبطة بطهران نشر التشيّع في شرقي سوريا، لمزيد من التغلغل، حيث أن “الكثير من سكان دير الزور يخشون الاستراتيجية البطيئة ولكن ثابتة الفعالية التي انتهجتها إيران على مر السنين”.
يُضيف “عمر”: “في حين يعتقد البعض أن الزيادة الإجمالية في عناصر الميليشيات قد تفوق في نهاية المطاف الحوافز الاقتصادية، تعمل إيران بالفعل على تحصين هذه الإستراتيجية من خلال رفع أجور مقاتليها وزيادة أنشطتها الطائفية التبشيرية.. وبينما تستهدف الضربات الجوية قدرات عسكرية إيرانية محددة داخل سوريا، إلا أن مواجهة وجود إيران الفعلي في سوريا أو الحد من تغلغلها هو مهمة لا يقوم بها أي طرف خارجي”.
وتؤكد وكالة “اﻷناضول” التركية للأنباء في تقرير سابق على توسع لدور إيران، وإنشائها لميليشيات جديدة في المنطقة الشرقية من سوريا، قرب حدود العراق، فيما يؤكد تقرير لـ”فرات بوست” وجود محاولات لاستمالة شبان من أبناء العشائر شرقي حلب لتشييعهم وضمّهم إلى الميليشيات.
وفي النهاية؛ فإن خطر نشر اﻷيديولوجيا الشيعية بين أطفال وشبّان سوريا، لا تمكن مواجهته بالقنابل، لكنّه ليس خطراً بالمنظور اﻹسرائيلي واﻷمريكي على اﻹطلاق.