توافقت مكوّنات الجيش الوطني السوري على المبادرة المطروحة لتشكيل “مجلس موحد لقيادة الثورة”، يضم ممثلين عن الفصائل العسكرية إضافة إلى “مستقلين”، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة.
وتقول مصادر الجيش الوطني إنه يسعى ﻹعادة ترتيب اﻷوراق بعد حالة الشقاق التي وصلت إليها هيكلة الجيش وما تبعها من نتائج سلبية، فيما رآى آخرون في المبادرة مجرد إعادة اتفاق على توزيع العائدات المالية.
ويضم المجلس سبعة ممثلين من كل فيلق من فيالق الجيش الوطني الثلاثة، إضافة لـ 7 شخصيات مستقلة، هم: الدكتور جواد أبو حطب، والدكتور أحمد طعان، والمحامي محمد سلامة، والشيخ حسن الدغيم، والشيخ عمر حذيفة، والشيخ عبد الله الشيباني (المتحدث الرسمي باسم المجلس).
في إفادته لـ”حلب اليوم” أكّد الباحث السوري في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، وهو مطّلع على تفاصيل الملف، أن الخلافات المالية على نسب توزيع عائدات المعابر؛ هي ما أخّر المبادرة ﻷشهر، حيث تمّ أخيراً الاتفاق بين الفيالق الثلاثة على النسب: 30% و34% و36% من عائدات الصندوق الرئيسي.
ونوّه “علوان” بأن ذلك لا يعيب المبادرة ولا يعني أنها سلبية، بل على العكس، قد يؤدّي إلى تغيرات جذرية فيما لو تم الالتزام بها.
وحول موقفه من المبادرة قال الباحث السوري إنه غير متفائل بشأنها، كما أنه غير متشائم أيضاً، فقد “أُعلن عن مجلس قيادة وإدارة أمنية وقوة مركزية وعلاقات ونتمنى أن يحصل ذلك، لكن باعتقادي الدافع الرئيسي لها هو إدارة واردات المعابر، الذي كان ومازال هو سبب نزاعات وخلافات الفصائل”.
ولفت إلى أن سبب الشقاق الذي حصل مؤخراً بين “الفرع 32” والجبهة الشامية هو الخلاف على معبر، “فمن يريد التحري والتدقيق ليتابع سبب حصول النزاع المسلّح الذي على إثره دخل الجولاني للمنطقة؛ السبب والمِفْصَل في الحوارات هو واردات المعابر والتحكم بها، وهو السبب الرئيسي في كل المشهد المؤسف الذي يعيشه الشمال المحرّر”.
وقال “علوان”: إنه “لا يوجد تفاؤل مُطلق ﻷن المبادرة تقوم على نفس العقلية بنفس اﻷجسام ونفس اﻷشخاص”.
أهداف كبيرة
بحسب ما أعلنته مصادر عسكرية من الجيش الوطني، فإن المجلس سيقوم بتشكيل إدارة اقتصادية وأمنية موحدة، إضافةً لتأسيس قوة مركزية مشتركة من تشكيلاته المختلفة.
كما سيجري تشكيل مكتب قانوني، ومكتب للعلاقات العامة وهيئة عامة للشهداء، وهيئة رقابة ومتابعة، وهو ما سيتمّ اﻹعلان عنه بشكل مفصّل قريباً.
ويتمّ الحديث أيضاً عن تشكيل مجلس قيادة عسكري موحد، وإدارات موحّدة للحواجز، وقوة مركزية موحدة، ومكتب للعلاقات، وهيئة رقابة.
وبحسب ما نشره “علوان” فإن المبادرة التي تم التوافق عليها بين الفيالق الثلاثة هي توفيق بين عدة مبادرات أهمها مبادرة قدّمتها مجموعة على رأسهم “حسن الدغيم” ومبادرة “الشيخ عمر حذيفة” ومن معه، وقد “تم اختيار الشخصين ضمن المستقلين السبعة في مجلس القيادة المؤلّف من 28 شخصاً”.
من جانبه لفت “وسيم الحاج” وهو ”أمين عام الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب سابقاً لدى الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب”، إلى مادار خلال جلسة لمناقشة فكرة تأسيس المجلس في مدينة “أعزاز” شمال حلب، والتي حضرها عدد من الناشطين الثوريين والسياسيين.
وقال في حسابه في فيس بوك إن الجلسة وصّفت الواقع وسردت المشكلات بحثاً عن جذورها، حيث “تم تحديد جذر فرعي، وجذر رئيسي إستراتيجي للمشاكل في الشمال السوري، ضمن محددات إمكانية الحل”.
وخلُص إلى أن “الجذر الفرعي يكمن في عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات في إدارة الشمال بين المؤسسات الرسمية المحلية والحليف التركي، وتعدد المرجعيات الإدارية والتنظيمية، وهذا الأمر يفتح للفساد باباً على مصرعيه لدى بعض الموظفين السوريين والأتراك”.
وفي إفادته لـ”حلب اليوم” رآى وائل علوان أنه من الجميل طرح المبادرة التي تتحدّث عن عدد من اﻷهداف، ولكنّ “هناك عوامل لابد لها لنجاح هذه المبادرة” التي وصفها بأنها “ردة فعل على دخول الجولاني للمنطقة، وقبل ذلك على مشكلة “أبو عمشة””.
وأضاف: “عندما نقول أن الهدف الرئيسي هو توحيد الموارد المالية فهو ليس أمراً سلبياً بل على العكس ولو تطوّر وكُتب له النجاح فإنه سيؤدي لسحب فتيل المشاكل كلها وقد يتطوّر إلى ضبط أمني للمعابر”، لكنّ المطلب هو “مؤسساتية الجيش الوطني والوصول إلى الانتقال من الحالة الفصائلية وأن تكون وزارة الدفاع وهيئة اﻷركان مؤسسات فاعلة وليست ضيف شرف في الاجتماعات”.
ومضى بالقول إنه “لابد من أن يكون هناك دور فاعل لوزارة الدفاع ونتائج ملموسة على اﻷرض بما يغيّر الواقع.. لست متشائماً ولكن نحتاج إلى اختبار جدية ما تمّ اﻹعلان عنه، وأن تلتزم الفصائل بالمبادرة ولا أن تبحث عن موارد غير معلنة”.
ماذا عن الجذور؟
وفقاً لما نقله “الحاج” عما دار في اجتماع “أعزاز” فقد تمّ الاتفاق على أن “جذر المشكلة الرئيسي والأساسي والاستراتيجي: هو عدم وجود اعتبار للسلطة السياسية (الائتلاف) تتيح له هامش من القدرة على التفاوض مع الحلفاء الأتراك لضبط الحالة الأمنية والعسكرية وتنظيم حوكمة المؤسسات وعمل المجالس والمؤسسات وبسط سيادة القانون”.
من جانبه رآى علوان أنه “لابد أن يؤمن الجانب التركي بهذه المبادرة لدعمها وإنجاحها وبالتالي إتاحة المجال للفصائل لتقوم بالمراقية والضبط بشفافية ومحاسبة أي مجموعة أو فصيل تشذّ عن الاتفاق”، داعياً لعدم محاولة الحصول على نتائج مختلفة بتكرار تجارب سابقة، ومجدّداً التأكيد على أن “هدف المبادرة اليوم ومحورها هو الاتفاق على إدارة وتوزيع واردات المعابر، بعيداً عن الشعارات الكبيرة البراقة المكتوبة”، وهو “قيمة كبيرة للمبادرة في طريق تنظيم ملف كان سبباً في النزاعات الفصائلية وعدم الاستقرار”.
وكان الجيش الوطني قد شهد عدّة محاولات لتوحيد صفوفه وإنهاء الحالة الفصائلية على مدى السنوات الماضية، وذلك منذ تشكيله في نهاية عام 2017، إلا أن حالة الانقسام لا تزال سيّدة الموقف، فيما يغيب دور وزارة الدفاع ورئاسة اﻷركان، وسط انتقادات شعبية واسعة.