يشهد العالم ارتفاعاً كبيراً في اﻷسعار بعد تتابع أزمات وباء “كورونا” ومتحولاته والتغيرات المناخية والغزو الروسي على أوكرانيا، فضلاً عن أزمة “تايوان” التي قد تنذر باندلاع حرب بين “العمالقة”، ومشاكل أخرى لا تنتهي عند سلاسل التوريد.
وفي شمال غربي سوريا، يبدو اﻷثر مضاعفاً على ملايين ممن نزحوا عن بيوتهم وتركوا أراضيهم ومصادر كسبهم، وحوصروا في منطقة صغيرة ومكشوفة حيث لا توجد حكومة حقيقية أو موارد طبيعية أو زراعة أو صناعة، فيما تتضائل كمية “المساعدات اﻹنسانية” تمهيداً لتسليم النظام إمكانية التحكم بها.
وقد ارتفعت اﻷسعار بشكل كبير مؤخراً مع عدم وجود تعويض لزيادة التكاليف، حيث يؤكد تقرير أصدره “منسقو استجابة سوريا” أن المواد والسلع الغذائية و الأساسية في مناطق شمال غرب سوريا ارتفعت بنسب عالية خلال الشهر الحالي، وذلك مع انخفاض قيمة صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية.
ويأتي الارتفاع الجديد – وفقاً للتقرير – بعد ارتفاع ملحوظ لأسعار المواد خلال شهر نيسان الماضي، حيث زادت أسعار الغذاء بنسبة 26.3 %، وأسعار الحبوب بنسبة 19.4 %، وأسعار القمح بنسبة 33.8 %، وأسعار الزيوت النباتية بنسبة 26 %، وأسعار الألبان بنسبة 11.3 %، وأسعار السكر بنسبة 15 %، وأسعار اللحوم بأنواعها بنسبة 12.4 %، وأسعار الخضار والفاكهة بنسبة 44 %.
ويتزامن ارتفاع أسعار المواد مع استمرار العجز الواضح في عمليات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المحلية، حيث “انخفضت نسبة الاستجابة الإنسانية في المنطقة بنسبة 41% و بنسبة 32.15% في المخيمات خلال شهر تموز مع استمرار الانخفاض نتيجة تزايد الاحتياجات الإنسانية في المنطقة وضعف عمليات التمويل”.
يؤكّد “ج . م” وهو عامل في فرن ببلدة شمال إدلب أن اﻷجر اليومي الذي يحصل عليه وهو (50 ليرة تركية) لا يكفيه لتغطية مصاريف عائلته المكونة من 4 أشخاص، حيث يحتاج ما لا يقل عن 80 – 90 ليرة يومياً لتغطية الأساسيات اليومية فقط.
وفي إفادته لـ”حلب اليوم” عبّر الشاب عن عدم شعوره باﻷمان المالي مطلقاً، لكونه لا يستطيع أن يوفّر أي مبلغ ولو بسيط تحسباً ﻷي طارئ، فضلاً عن عدم وجود أي ضامن لحقوقه كعامل؛ من التأمين الصحي أو الاجتماعي أو غير ذلك، بينما ترتفع اﻷسعار بشكل مستمر ويرفض صاحب الفرن رفع اﻷجرة في المقابل.
وقد سببت زيادة التضخم ارتفاعاً في الاسعار بنسبة 62.4% مقارنة بالعام الماضي كنسبة وسطية، وفقاً لتقرير “منسقو الاستجابة”، حيث “تتطلب الأوضاع الحالية العمل على ضبط أسعار المواد بشكل عام في المنطقة، إضافةً إلى تحسين الأوضاع الإنسانية للمدنيين”.
وشدّد التقرير على ضرورة زيادة نسبة الاستجابة الإنسانية الفعالة، مشيراً إلى أن الآلاف من العائلات لم تعد قادرة على تأمين الاحتياجات الغذائية، وداعياً المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى العمل على تحقيق استجابة إنسانية أوسع للمدنيين وشمولية كافة المناطق بغية تحقيق استقرار فعلي للمدنيين عموماً والنازحين ضمن المخيمات بشكل خاص.
المزيد ينتقلون إلى المخيمات
يشعر “محمّد . ق” بالمرارة بعد اضطراره لمغادرة المنزل البسيط الذي كان يسكنه مع عائلته في ريف إدلب، نحو إحدى المخيمات القريبة، ﻷنه لم يعد قادراً على دفع اﻹيجار.
ويقول الرجل البالغ من العمر 61 عاماً إنه وعائلته يقتصرون في طعامهم منذ أشهر على الخبز وبعض اﻷشياء البسيطة، حيث أصبح الطبخ أمراً نادر الحدوث.
فمع اﻷجر القليل الذي يحصل عليه والداه العاملان باليومية، والارتفاع المستمر في اﻷسعار، لم يعد في متناول العائلة سوى الخبز ورب البندورة وبعض اﻷشياء البسيطة.
وأشار الرجل المسن إلى أنه لا يمثل حالة خاصة من بين النازحين بالشمال السوري، حيث أن هناك المزيد ممن ينتقلون إلى المخيمات بسبب غلاء أسعار اﻹيجارات وقلة ذات اليد.
وأكد تقرير لمنسقي الاستجابة منذ أيام أن منطقة شمال غرب سوريا شهدت منذ مطلع العام الحالي نزوح أكثر من 14000 مدني نتيجة لعوامل مختلفة أبرزها الوضع الاقتصادي والخروقات المستمرة للمنطقة وخاصة خطوط التماس ،حيث تعيش المنطقة منذ نحو عشرة أيام حركة نزوح صامتة للمدنيين من عدد من القرى والبلدات شرقي إدلب وغربي حلب بأعداد تجاوزت 2500 مدنيّ.
وتضمّن تقرير سابق نُشر بشهر حزيران/ يونيو الماضي أن مئات العائلات انحدرت خلال الفترة الماضية إلى ما دون حد الفقر الأساسي، مع ارتفاع حد الفقر إلى مستويات جديدة بنسبة 2.4% مما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 86.4 بالمئة.
وأوضح التقرير أن حد الفقر المعترف به، ارتفع إلى قيمة 3,875 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع، ارتفع إلى قيمة 2580 ليرة تركية، مع زيادة حد الجوع إلى مستوى جديد بنسبة 1.6% مما يرفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 37.6%، كما ازداد العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية للمنظمات بنسبة 9% ليصل إلى نسبة 53.3 % بشكل إجمالي، وذلك حتى تاريخ صدور التقرير.
ومنذ تعرّض الشمال ﻵخر حملة عسكرية روسية – إيرانية في نهاية 2019، تضاعفت اﻷعباء الاقتصادية على السوريين في المنطقة، وخصوصاً المهجّرين، حيث فقدوا مصادر دخلهم واضطروا للجوء إلى منطقة ضيفة وسط ضعف أو شبه انعدام في فرص العمل، وإهمال دولي لملفّهم.