تستمر أزمة المحروقات في مناطق سيطرة نظام اﻷسد بالتفاقم، في أطول أزمة شهدتها منذ 2011 حتى اﻵن، فيما لا يبدو – وفقاً لمسؤولي النظام – أن هناك حلاً قريباً في اﻷفق، بعد مضي نحو شهرين على الإعلان عن إطلاق “سلسلة توريد” للنفط من إيران إلى الساحل السوري.
وأدت مفاعيل اﻷزمة إلى حالة من الاستياء الكبيرة في أوساط الموالين، مع طول أمدها وتوافر المحروقات خارج “الكازيات” وبأسعار مضاعفة في “السوق السوداء” التي يشرف عليها ضباط من قوات النظام وقياديون من ميليشياته، وفقاً لمصادر محلية.
وكشف موقعٌ موالٍ للنظام تفاصيل عن سياسته التي تسببت بديون ثقيلة على الخزينة العامة لصالح إيران، قد تُبقي الدولة السورية مكبلة بها لسنوات أو عقود، إلى جانب الديون لصالح روسيا، أيا كان النظام الذي سيحكم البلاد في المستقبل.
مصادر المحروقات
يعتمد نظام اﻷسد على مصدرين أساسين هما النفط المستورد من إيران عن طريق البحر، والذي يتم تكريره في مصفاتي بانياس وحمص غربي البلاد، إضافة إلى المشتقات التي يستقدمها من قوات “قسد” شمال شرقي البلاد عن طريق مجموعتي “قاطرجي” و”حمشو”.
وكانت آخر ناقلتي نفط قد وصلتا إلى مرفأ بانياس في مطلع تموز/ يوليو الماضي، ورغم إعلان تفريغ حمولتهما إلا أن شيئاً لم يتغيّر على أرض الواقع، ليبرّر وزير النفط والثروة المعدنية الشحّ المستمر بالحاجة إلى الوقت حتى يُستكمل التكرير والتوزيع.
وانقطعت أخبار النفط القادم من إيران منذ ذلك الحين وسط حديث مستمر من مسؤولي النظام حول “انفراجة قريبة”، فيما يشتد الصراع بين مجموعتي “قاطرجي” و”حمشو” المرتبطتين به تحت مسمى “شركات خاصة” تقوم بـ”تهريبه” من مناطق سيطرة “قسد” ليمرّ عبر حواجز تتبع للفرقة الرابعة، وفقاً لمصادر محلية متقاطعة، وتتحدث تقارير عدّة عن صراعات بين متنفّذين من أعلى المستويات في النظام على عائدات النفط التي يتم سحبها من جيوب السوريين.
من يدفع ثمن النفط ﻹيران؟
أكد موقع “أثر برس” الموالي للنظام في تقرير نشره أمس اﻹثنين، أن اﻷخير يستورد النفط من إيران بالدين، والذي يتراكم على الخزينة العامة للدولة السورية، فيما يرفع أسعاره داخلياً بشكل مستمر على حساب “المواطنين” بدعوى غلاء اﻷسعار العالمي.
وذكر التقرير أن “أسطوانة عجز المشتقات النفطية” لم تعد مقنعة، فكلَّ مرة يرفع فيها النظام أسعار المحروقات “بنسب كارثية” يقول إن السبب هو “الرغبة بتخفيض عجز الموازنة، وضمان استمرار توفر المادة في اﻷسواق المحلية”.
وأكد المصدر نفسه أن لديه “قصة أخرى لا يتطرق إليها أحد” تثبت خلاف ادعاءات “الحكومة”، فهي تستقدم النفط بخطّين ائتمانيّين؛ اﻷول “عام” وهو بمنزلة دين على “الحكومة السورية” والثاني “خاص” تتمّ تسوية أموره المالية بين المستوردين والحكومة اﻹيرانية.
وفيما لا يُعرف بالضبط كيف تجري الترتيبات في ملف خط الائتمان “الخاص” فإن “العام” يشكّل القطاع اﻷكبر في استيراد النفط، لكنّ “النفط الذي يكرّر في مصفاتي بانياس وحمص ويباع للسوريين، لا يدفع النظام ثمنه ﻹيران بشكل آني، ولا تلحق به أية تكاليف سوى ما يترتب على عملية تكريره” وبالتالي فإن “حديث الحكومة عن وجود عجز في موازنة المشتقات النفطية هو حديث افتراضي”.
وأضاف التقرير قائلاً إن “المواطنين” سيدفعون قيمة المشتقات النفطية مرّتين؛ المرة اﻷولى مع تسديد ثمن المخصصات، والمرة الثانية ستكون “غداً” مع “المباشرة بتسديد الدين الخارجي”، و”اﻷنكى من ذلك أن عوائد بيع النفط للسوريين والمستجرّ بالدين تذهب لتغطية النفقات الحكومية بدلاً من دعم العملية اﻹنناجية، وهو ما يتسبب بحدوث موجات جديدة من التضخّم” والتي تنعكس بدورها على ارتفاع أسعار مختلف المواد.
ديون أخرى
يكشف موقع “الميادين” التابع ﻹيران في تقرير نشره في أيار/مايو الماضي عن اتفاق النظام مع طهران في عام 2013، على فتح خطين ائتمانين بقيمة تصل إلى نحو 4 مليارات دولار، بغية تمويل احتياجات بعض السلع الغذائية والمشتقات النفطية وقطع التبديل وغيرها، ثم الاتفاق في العام 2015 على خطٍّ ثالث بقيمة مليار دولار لتمويل توريد الاحتياجات النفطية من إيران.
وأكد المصدر أنه “تم الإبقاء على الخط الائتماني المتعلق بالتوريدات النفطية من دون الإعلان رسمياً عن قيمة ذلك الخط سنوياً وما ينفذ منه”.
وفشلت محاولات فتح خط ائتماني جديد بعد العام 2017، لتبقى قيمة القروض أو التسهيلات الائتمانية المعلنة، والتي منحتها طهران للنظام قريبةً من 5 مليارات دولار، وذلك بموجب المصدر.
النظام يبيع امتيازات البلاد لتسديد الديون المستحقة للروس
لا يُعرف على وجه التحديد حجم الدين العام على “الخزينة السورية” لصالح روسيا، لكنّ النظام يقرّ بوجود دين، مدعياً أن اﻷرقام المتداولة في تقارير متباينة “مبالغ فيها”.
ووفقاً للمُعلن فإن روسيا وافقت في أواخر عام 2020 على منح النظام قرضاً مالياً بقيمة مليار دولار، “خُصِّص منه جزء لتسديد الديون المترتبة عليه لصالح شركات روسية” ما يعني أن السوريين سيدفعون عوائد الحملة العسكرية الروسية عليهم مرتين.
وأتى ذلك اﻹعلان بعد عام واحد فقط من شطب روسيا لكافة ديونها المستحقة على النظام، حيث ذكرت وسائل إعلام روسيا في 2019 أن “سوريا” باتت خارج قائمة الدول المدينة لروسيا، والتي قُدّر حجم دينها العام الخارجي بـ 26 مليار دولار.
وأكّد الخبير الاقتصادي رضوان المبيض أن “الدعم الروسي اللامحدود” و”شطب الديون”، كان مقابل “مقايضات وامتيازات عمل الحليف الروسي على مدى سنوات لكسبها”، فالنظام “في موقع القبول بأية سيناريوات تنتشله اقتصادياً ولو بالمقايضة، لشطب الديون اتجاه روسيا”.
ووفقاً لما أفاد به “المبيض” لصحيفة “إندبندنت” فإن الديون لروسيا وصلت إلى 9.8 مليار دولار، وذلك حتى عام 2019.
ويبقى السؤال المهم هنا؛ حول ما إذا كان النظام سيجد ما يقدّمه لإيران من أجل شطب ديونه؟ وكيف سيُغلق ملف الدّين في المستقبل؟