أعلنت مؤسسة “سمير قصير” عن أسماء الفائزين بجوائزها لعام 2020، مساء الخميس الفائت.
وفاز الصحفي السوري “مصطفى أبو شمس” بجائزة “سمير قصير لحرية الصحافة” عن فئة التحقيق الاستقصائي، عن تحقيقه “أبناء المجهول” والذي نشر في موقع “الجمهورية” 16 أيار عام 2019.
ويعرض التحقيق مصير 12 ألف طفل، ولدوا من زيجات جمعت نساء سوريات بمقاتلين أجانب التحقوا بصفوف تنظيم الدولة في سوريا سابقاً، فلا يتمتع هؤلاء الأطفال بأي حقوق ولا يتلقون أي رعاية ملائمة من مختلف الأطراف المسيطرة على الخارطة السورية.
وأوضح “أبو شمس” أن فكرة التحقيق ككل عمل صحفي هو امتداد لجهد صحفيين وجهات إعلامية أو حقوقية أو مدنية، وفكرة التحقيق والتحقيق ذاته انطلق بداية من هذه الحملات والتقارير التي وثقت وقامت بجهد عظيم في التوثيق ونقل الصورة.
وأضاف الصحفي الفائز بجائزة حرية الصحافة لـ “حلب اليوم”، اليوم السبت، أنهم كفريق تحقيق صحفي، حصلوا على قصص من المخيمات والدعاوى المرفوعة في بعض المحاكم وأمانة السجلات المدنية، وشعروا بأهمية الوقوف عندها.
وفيما يتعلق بالصعوبات التي واجهته، قال “أبو شمس”: “أحياناً لم يكن هناك صعوبات، كانت هناك حالات هي من أرادت الحديث عن قصتها، أما في الغالب فقد كنا نعمل بطرق مختلفة كفريق، ونعتمد السرية خوفاً على الحالات وعلى الفريق في آن معاً”.
وتابع الصحفي المقيم حالياً في فرنسا: “الصعوبة الأكبر كانت مع الجهات المسؤولة التي كان بعضها متعاوناً، إلا أن القسم الأكبر كان لا يجيب على تساؤلاتنا ويرفض تزويدنا بالمعلومات التي كنا نحاول الحصول عليها.
وأعتقد أن هذا التحقيق بداية لما سبقه وما سيأتي بعده، صحفيون كثر سيصلون إلى معلومات جديدة وأرقام جديدة، وسيكتبون تحقيقات وتقارير تضيء على هؤلاء الأطفال وتحاول إيجاد حلول لمشكلاتهم”.
مقتطف من التحقيق الصحفي الفائز
“تحت حرارة أربعين درجة مئوية، لم تعثر «هبة الله» على اسم لها أو لوالدتها في قوائم الجمعية. طُلب إليها التنحي عن الدور، فجلست إلى الرصيف وغَرِقت في نوبةِ من البكاء. مشيها وجلوسها أظهرا تكوّر بطنها، وكشفا عن حملها الذي تحاول أن تخفيه عن أعين الناس. أفرجت الطفلة بعدها عن بضع كلمات، روت فيها لكاتب التحقيق الذي جلس إلى جوارها أنّ أخاها الوحيد كان مقاتلاً في صفوف تنظيم الدولة في منبج شمالي سوريا. تابعت وقد تحوّل بكاؤها إلى نحيب، أنّ أخاها كان قد زوّجها من أميره السعودي، وأنّ حملَها جاء ثمرةً لهذا الزواج.
«لا أعرف عن زوجي أي شيء… لا اسمه الحقيقي ولا أسرته ولا أين يتواجد الآن»، قالت «هبة الله» شارحة أن زواجها لم يستمر سوى بضعة أشهر قبل دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى منبج، وهروب المقاتل تاركاً إياها ووالدتها يواجهان مصيرهما. عادت بعدها مع أمّها إلى مدينة حلب، طفلة حاملاً بطفلة”.
12 ألف طفلاً مجهولي النسب ولكن!
وثق التحقيق 12 ألف طفل مجهولي النسب، نحو 4 آلاف منهم في شمال البلاد و8 آلاف طفل متواجدون في ثلاثة مخيمات شمال شرقي البلاد في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
واعتبر “أبو شمس” أن العدد كبير ولكنه يعتقد أن الأرقام تزيد عن ذلك، لأن التحقيق لا يقتصر على الأطفال مجهولي النسب من زيجات أجنبية، إذ هناك حالات كثيرة مثل الأطفال الذين ولدوا لآباء سوريين غير معروفين سوى باللقب أو من حالات الاغتصاب في المعتقلات على سبيل المثال.
القوانين الناظمة
وتعتمد المحاكم في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة على ثلاثة مصادر للتشريع بحسب الجهة المسيطرة، إذ تستند محاكم منطقة “درع الفرات” على القانون السوري مع بعض التعديلات، ويعتمد ريف حلب الغربي (وقت إجراء التحقيق) وبعض مناطق إدلب غير الخاضعة لهيئة تحرير الشام على القانون العربي الموحد، فيما تلجأ الهيئة وفصائل إسلامية أخرى في مناطق نفوذها في إدلب إلى التحكيم بالشريعة الإسلامية، بحسب التحقيق.
ويسعى الصحفي السوري من خلال إثارة قضية هؤلاء الأطفال إلى إيجاد قانون يمكنهم من الحياة السوية، بحيث يتمكنوا من الحصول على الجنسية السورية والأوراق الثبوتية لتنظيم حياتهم.
أما بخصوص الدول الأوروبية فيرى “أبو شمس” أنها مسؤولة عن العمل لحل مشكلة عدد كبير من مجهولي النسب في سوريا، خاصة وأن قسماً كبيراً من آباء هؤلاء الأطفال تعود جنسيتهم لجنسيات عربية ودولية.
حرية الصحافة
يمتلك الصحفيون والمؤسسات الإعلامية في مختلف المناطق خارج سيطرة النظام، حرية أكبر في التعاطي مع مختلف القضايا، الثورة ولدت هذه المساحة من الحرية التي لم تكن موجودة سابقاً، وفق “أبو شمس” الذي أشار إلى الصعوبات وحالات التضييق التي يتعرض لها الصحفيون أحياناً.
وقال “أننا ومنذ اليوم الأول في الثورة كسرنا حاجزاً من الخوف والصنمية، ونتجه بخطوات صحيحة نحو دور أهم للصحافة في التغيير والمحاسبة وكشف الفساد وغيرها من القضايا الشائكة”.
وتابع: “أرى أن الصحافة السورية تمتاز بنسبة جيدة من المهنية، وإلا لم تكن لتصل إلى العالم، لدينا صحفيون يكتبون في مختلف الصحف العالمية، ونالوا جوائز عالمية وعربية، وتعتمد عليهم كبرى الصحف في منتجها الصحفي بما يخص الشأن السوري”.
ونوّه “أبو شمس” إلى نيل صحفيون سوريون جائزة سمير قصير في كل عام، معربا عن سعادته بهذا الأمر الذي يفتح الطريق أمام جميع الصحفيين للاستمرار.
وأضاف: “هي جائزة اعتبرها شخصياً جائزة مهمة لما تحتويه من مساحة من الحرية وللمواضيع التي تناقشها من خلال الصحفيين المتقدمين من كل الدول العربية، وللمنافسة الكبيرة التي تخلقها”.
جائزة “سمير قصير” لعام 2020
وتقدم للجائزة في نسختها الخامسة عشر، 212 صحافياً من سوريا، والجزائر، والبحرين، ومصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وفلسطين، وتونس واليمن.
وتنافس 84 مرشّحاً عن فئة التحقيق الاستقصائي.
وتولى اختيار الفائزين، لجنة تحكيم مستقلة مؤلّفة من سبعة متخصصين في شؤون الإعلام وباحثين ومدافعين عن حقوق الإنسان، من عرب وأوروبيين.
وتحظى جائزة “سمير قصير” التي يمنحها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2006، بتقدير واسع النطاق عالمياً كونها جائزة أساسية من جوائز حرية الصحافة، وتخلد ذكرى الصحافي والكاتب اللبناني “سمير قصير” الذي اغتيل في عام 2005.