تُوفّيَ المؤرّخ التُّركي – من أصل كردي – الشهير البروفيسور فؤاد سيزغين السبت الماضي عن عمر ناهز الـ94 عاما.
وشُيّع جثمان المؤرخ التركي في جامع الفاتح بمدينة إسطنبول بحضور الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ورئيس الحكومة بن علي يلدرم ورئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو، الذين شاركوا بحمل نعشه، بالإضافة إلى جانب قيادات حكومية وسياسية بارزة.
ووُري سيزغين في متحف تاريخ العلوم والتكنولوجيا الإسلامي الذي أنشئ بإشرافه، ويضم مؤلفات بالغة الأهمية.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنهم يعتزمون إعلان 2019 عام “البروفيسور فؤاد سيزغين لتاريخ العلوم الإسلامية” في البلاد.
وجاء ذلك في كلمة ألقاها خلال تشييع جثمان المؤرخ في جامع الفاتح بمدينة إسطنبول.
وأضاف أردوغان: “منذ أن تعرفت على أستاذنا فؤاد سيزغين، رأيت مدى إصراره الكبير على العلم”.
وأوضح الرئيس التركي أن سيزكين ألف كتباً عديدة طيلة حياته عن الإسلام والعلوم والفيزياء والفكر والطب والفلك وغيرها، مؤكداً أن الجهود مستمرة من أجل جلب مؤلفات المؤرخ من الدول الأخرى، والتي ستضفي قوة على متحفه ومكتبته بإسطنبول.
من جانبه أشاد رئيس مجلس الإدارة ومجلس الأمناء بوقف أبحاث تاريخ العلوم الإسلامية مجد جتين قايا بمكانة سيزغين، مؤكداً أنه أحد أبرز المؤرخين والعلماء على مستوى تركيا والعالم، حيث ترك لتركيا مكتبة ومتحفا لا يقدران بثمن.
حياته
ولد فؤاد سيزغين بولاية “بتليس” جنوب شرقي تركيا، – والتي يشكل الأكراد غالبية سكانها – في 24 تشرين الأول 1924، وهو أحد أبرز الضالعين في التراث العربي والإسلامي على مستوى العالم.
ويعد سيزغين أحد طلاب المستشرق الألماني هلموت ريتر، الذي أقنعه بدراسة التاريخ الإسلامي، حيث بدأ بتعلم اللغة العربية، وحصل على الدكتوراه في 1954 بأطروحة “مصادر البخاري”.
وأصبح سيزغين أستاذا في جامعة إسطنبول في 1954، ونُشرت له رسالة الدكتوراه تحت عنوان “دراسات حول مصادر البخاري” في 1956.
غادر سيزغين تركيا إلى ألمانيا، بعد أن منعته حكومة الانقلاب العسكري في تركيا في 1960 مع 146 أكاديمي تركي من الاستمرار في جامعات البلاد، ليواصل دراساته في جامعة فرانكفورت.
وفي 1965، قدّم سيزغين أطروحة دكتوراه ثانية عن عالم الكيمياء العربي جابر بن حيان، وحصل على لقب البروفيسور بعد عام، وتزوج بعد فترة وجيزة المستشرقة أورسولا سيزغين.
وكرّس المؤرخ التركي جزءا كبيرا من وقته لدراسة وتصنيف الإسهامات العلمية للعلماء المسلمين والعرب على مرّ تاريخ، وكتب في ذلك كتبا ومقالات، ومن أهم آثاره تاريخ التراث العربي الإسلامي، الذي بدأ بجمع مواده سنة سنة 1947م، وصدرت أولى مجلدات هذا المُؤلَّف سنة 1967م، وهو يُعد أوسع مُؤلَّف يتناول تاريخ البشر، وقبل وفاته كان مُنكبا على كتابة المُجلَّد الثامن عشر من مُؤلَّفه سالف الذِكر.
غطَّى سزكين مختلف الآداب والعلوم التي ابتكرها وطورها المُسلمون، فكتب عن جميع فروع المعرفة التي اشتغلوا بها، واعتبر أن التطور العلمي عند المسلمين «لا يتوقف عند بعض فُرُوع العلم، بل إنَّ هذا التطوُّر شمل جميع نواحي العُلُوم تبعا لِقانون تطوُّر العُلُوم، أي أنَّهُ لا يُمكن أن يتطوَّر العلم في ناحيةٍ مُعيَّنةٍ دون أن يواكبه تطوُّر في النواحي الأُخرى من العُلُوم».
وهكذا نشر سزكين موسوعته تاريخ التراث العربي في 12 مجلدا شملت كثيرا من الاختراعات والاكتشافات والإبداعات التي أنتجها العُلماء المُسلمون، وقد قسم موسوعته حسب التخصصات العلميَّة، منها:
العُلُوم القُرآنيَّة، علم الحديث، التاريخ، الفقه، علم الكلام.
الشعر العربي من الجاهليَّة إلى سنة 430 هـ.
الطب، الصيدلة، البيطرة، علم الحيوان.
الكيمياء، الزراعة، علم النبات.
علم الرياضيات.
علم الفلك.
وأتقن المؤرخ التركي 27 لغة، من بينها السريانية والعبرية واللاتينية والعربية والألمانية، بشكل جيد جدا.
وأنشأ عام 2010 وقف أبحاث تاريخ العلوم الإسلامية، بهدف دعم أنشطة متحف العلوم والتكنولوجيا الإسلامية في إسطنبول.
وفي عام 2013، أسس سيزغين معهد تاريخ العلم في الإسلام في جامعة السلطان محمد الفاتح بإسطنبول.
وحصل على جوائز وأوسمة دولية عديدة طيلة حياته، من مؤسسات مختلفة، مثل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية في بغداد، وأكاديمية العلوم في تركيا.
وتوّج بالدكتوراه الفخرية من قبل جامعات عديدة، مثل “أتاتورك” في ولاية أرضروم التركية، و”سليمان ديميرال” في ولاية إسبارطة، وجامعة إسطنبول، فضلا عن درع تكريم “Frankfurt am Main Goethe”، وميدالية الخدمة الاتحادية للدرجة الأولى بألمانيا، والجائزة الرئاسية الكبرى للثقافة والفنون بتركيا.
المصدر: وكالات