يزجّ نظام الأسد بالتعاون مع روسيا، عشرات الآلاف من مهجري الغوطة الشرقية لدمشق، في أمكنة تسميها دعايته “مراكز إيواء”، بينما هي ليست سوى معسكرات اعتقال جماعية فيها كل أشكال المعاملة غير الآدمية.
وقد تم نقل معظم المهجرين قسراً من الغوطة إلى مركز الدوير قرب عدرا، بينما نقلت أعداد أقل إلى مركز حرجلة قرب الكسوة جنوب دمشق، وعدد آخر إلى مراكز أخرى في ريف دمشق.
وفي مركز الدوير الذي أقيم عام 2013، وكان قبل ذلك عبارة عن معسكر لـ”طلائع البعث”، يضم صالات رياضية، تقول وسائل بروباغاندا النظام إنه تم تخصيص غرفة لكل عائلة في ملعب رياضي مغلق، وتفصل بين الغرف ألواح خشبية.
وتم تزويد كل عائلة بلوازم النوم والطبخ ومساعدات غذائية ومواد تنظيف تحمل شعار الهلال الأحمر السوري. كما تم تجهيز المركز بمرافق صحية مشتركة.
واستقبل مركز الدوير بدايةً مهجري بلدة مسرابا في الغوطة الشرقية، حيث وصلت إليه 17 عائلة مؤلفة من 76 شخصاً، بعد سيطرة قوات النظام على البلدة قبل أكثر عشرة أيام، ثم نقل إليه النازحون من حمورية وبقية المناطق التي اجتاحها النظام بعد تدميرها بالكامل، إذ تقول مصادر النظام إن أكثر من 40 ألف شخص نزحوا من الغوطة حتى الآن منذ بدء حملة الإبادة في 18 فبراير/شباط الماضي.
ورغم الدعاية التي يحيط بها النظام تلك المراكز بأنها “الحضن الدافئ” للهاربين من “الإرهابيين”، وأن “الدولة هي لجميع أبنائها”، إلا أن مراكز الإيواء تلك، فضلاً عن الاكتظاظ الكبير فيها، وتدني مستوى الخدمات، تبدو أشبه بمراكز للاعتقال الجماعي، خاصة مركزي الدوير والحرجلة، وهما الأكبر والأكثر استيعاباً للمهجرين، حيث تفرض الكثير من القيود على تحركات المقيمين فيها، ولا يسمح لهم بمغادرة تلك المراكز الا بموافقات أمنية، في حين يعاني الشبان بينهم من تدقيق إضافي لتعقب “المطلوبين” أو سحبهم إلى الخدمة العسكرية.
ويتم التعاطي مع المهجرين في هذه المراكز على قاعدة أنهم “البيئة الحاضنة للإرهابيين”، وأن قلوبهم لا تزال مع المسلحين في الغوطة، وقد يكون بينهم متعاملون معهم، وبالتالي فهم دائماً تحت الرقابة والتدقيق، ويتعرضون للاستجواب والتفتيش، وأحيانا الملاحقة والاعتقال والتعذيب.
نظرياً، تتشارك جهات عدة في الإشراف على مراكز الإيواء التابعة للنظام في دمشق ومحيطها، والتي تقلص عددها إلى نحو عشرة مراكز فقط.
أولى هذه الجهات محافظتا دمشق وريف دمشق، إضافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والهلال الأحمر السوري.
غير أن أجهزة أمن النظام، وبالرغم من سطوتها على مجمل الجهات السابقة، لكنها كثيراً ما تفضل الاعتماد على جهات تتبع لها بشكل مباشر، حتى في ما يتصل بالأمور الخدمية واللوجستية والتي هي ليست في صلب عملها، مثل إيصال المساعدات وتوزيعها والتعامل اليومي مع المهجرين، لذلك انتدبت بعض الجهات لتمثيلها مثل “فريق دمشق التطوعي” والذي تديره شخصيات مرتبطة بالأمن بشكل مباشر، مثل ميرزت عبود، زوجة محمد الخولي، رئيس أحد فروع المخابرات سابقاً.
والمعروف أن الشبان والفتيات الذين ينشطون في فريق دمشق التطوعي يعملون أيضاً مع قوات النظام في الجبهات من خلال إيصال الطعام واللباس لهم، ومساعدة الجنود أحياناً في حفر الأنفاق وإقامة المتاريس، وتوزيع السلل الإغاثية على عائلاتهم، بينما لا تصل تلك السلل إلى عائلات المهجرين إلا بشكل متقطع جداً. كما عمد النظام في الوقت نفسه، إلى منع المنظمات الدولية من دخول هذه المراكز، ليبقيها بعيداً عن أعين أية جهات رقابية دولية.
المصدر: العربي الجديد – عدنان علي