تواصل الدبلوماسية السورية تحرّكها النشط على أكثر من محور سياسي واقتصادي، في إطار استراتيجية تسعى لإعادة تثبيت الحضور السوري على الساحة الدولية بعد سنوات من الانكفاء والعزلة.
ويقود الرئيس أحمد الشرع هذا المسار بخطوات متسارعة، من خلال سلسلة زيارات خارجية شملت عواصم عربية وعالمية، فيما يستعد حالياً لزيارة البرازيل للمشاركة في قمة المناخ العالمية “COP30″، في السادس والسابع من تشرين الثاني الجاري، وفق ما نقلته وسائل إعلام سعودية عن مصدر في الخارجية البرازيلية.
البرازيل.. بوابة الجنوب العالمي
تُعد هذه الزيارة الأولى لرئيس سوري إلى القمة منذ تأسيسها، ما يمنحها رمزية سياسية كبيرة، ليس فقط من حيث المشاركة البيئية، بل لكونها تعبيراً عن عودة الحضور السوري إلى المحافل الدولية الكبرى.
والبرازيل، هي الدولة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي في أميركا اللاتينية وعضو مؤسس في مجموعة “البريكس”، تمثل محوراً مهماً في تحركات دمشق الجديدة باتجاه دول الجنوب العالمي.
الكاتب والمحلل السياسي السوري حسام نجار يرى أن هذه الزيارة تأتي ضمن “أكثر مرحلة دبلوماسية نشاطاً منذ التحرير”، معتبراً أن تحرك الرئيس الشرع يعيد بناء الجسور مع شركاء قدامى ويؤسس لتحالفات استراتيجية جديدة.
ويضيف نجار أن “البرازيل ليست مجرد دولة صديقة، بل مركز نفوذ مؤثر في أميركا الجنوبية والعالم الجنوبي، وبوابة نحو تعاون اقتصادي وسياسي واسع، خاصة مع وجود جالية سورية كبيرة فيها يمكن أن تسهم في دعم العلاقات الثنائية”.
أبعاد اقتصادية وسياسية متعددة
بحسب المحلل، فإن زيارة الشرع تمثل تحولاً نوعياً في السياسة الخارجية السورية، إذ تتجاوز البعد البروتوكولي إلى مرحلة إعادة التموضع الدولي.
ويرى أن الانفتاح على البرازيل والبريكس يتيح لدمشق فرصة تخفيف العزلة الغربية وبناء شبكة توازنات جديدة مع دول تمتلك ثقلاً اقتصادياً متنامياً مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا.
ويشير نجار إلى أن هذا التوجه يأتي متزامناً مع زيارات مرتقبة للرئيس السوري إلى الولايات المتحدة والصين، ما يؤكد أن دمشق تحاول إدارة توازن دقيق بين الشرق والغرب، من خلال خطاب سياسي “براغماتي” يركّز على التنمية والانفتاح الاقتصادي.
دعوات أوروبية وانفتاح غربي
في تطور موازٍ، كشفت وكالة “رويترز” أن المستشار الألماني فريدرش ميرتس وجّه دعوة رسمية للرئيس الشرع لزيارة ألمانيا، لبحث ملف ترحيل السوريين من أصحاب السجلات الجنائية، ما يعبّر عن مستوى جديد من التواصل المباشر بين دمشق وبرلين.
وفي السياق ذاته، يستعد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للقيام بزيارة رسمية إلى بريطانيا، هي الأولى منذ تحرير البلاد، في مؤشر إضافي على كسر الجمود الدبلوماسي مع العواصم الأوروبية.
كما ذكرت تقارير أن الرئيس السوري قد يتوجه لزيارة واشنطن ولقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وسط تعزيز الجهود لإلغاء قانون قيصر.
البرازيل ودول الجنوب.. شراكة محتملة لإعادة الإعمار
يؤكد المحللون أن التوجه السوري نحو البرازيل ودول الجنوب العالمي يحمل أهدافاً اقتصادية موازية للأهداف السياسية.
فالبرازيل تُعد من الدول النامية ذات الاقتصاد المتنوع، وتملك خبرات كبيرة في مجالات الزراعة والطاقة والمواد الخام والبنية التحتية، وهي قطاعات تمثل أولويات ملحّة في خطة إعادة الإعمار السورية، وفق نجار.
كما أن الانفتاح على الجنوب العالمي يمنح دمشق فرصة لتوسيع خياراتها بعيداً عن الضغوط الغربية، ويعزز موقعها ضمن محور البريكس الذي بات يُنظر إليه كقوة اقتصادية بديلة للنظام المالي الغربي التقليدي.
الإعلام السوري… حاجة لمزيد من الحضور
يسجل الإعلام السوري نشاطا موازيا للجهود الدبلوماسية من ناحية المتابعة والنشر، ورغم الزخم السياسي، يرى نجار أن الإعلام السوري لم يواكب هذا التحرك الدبلوماسي بما يليق بحجمه وأبعاده.
فبرأيه، “ما يزال الإعلام يركّز على متابعة تحركات الرئيس أكثر من تحليل أهمية الدول المزارة وموقعها الاستراتيجي”، داعياً إلى تحول في الخطاب الإعلامي نحو معالجة أعمق لملفات العلاقات الدولية، والهجرات السورية وتأثيرها في بلدان الجنوب.
كما يجب التركيز على “الأهمية الاقتصادية وقوة التأثير والعلاقات التي بنتها سوريا على مدى سنوات وتقلب تلك العلاقات ، وفتح ملف الهجرات السورية ومدى تأثيرها في بناء البرازيل، وكذلك مدى فاعلية هؤلاء في السياسة البرازيلية والقرار البرازيلي”.
وفي الخلاصة يبدو أن دمشق تسعى عبر حراكها الدبلوماسي المكثف إلى إعادة بناء حضورها الدولي على قاعدة المصالح لا الاصطفافات، مستفيدة من تغير موازين القوى العالمية، وزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البرازيل، وما يواكبها من نشاطات نحو واشنطن وبكين وبرلين، تمثل مرحلة جديدة من “العودة الهادئة” لسوريا إلى المشهد الدولي، قائمة على البراغماتية السياسية والانفتاح الاقتصادي.
								
				
								
															





