كشفت وكالة رويترز في تحقيق موسّع عن عملية سرّية نفذها النظام السوري السابق بين عامي 2019 و2021، تضمنت نقل آلاف الجثث من المستشفيات العسكرية إلى مقابر جماعية جديدة في ضواحي دمشق ومناطق أخرى، في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى إخفاء أدلة على انتهاكات ارتكبت خلال سنوات الحرب.
وبحسب التحقيق، جرت العملية بسرية تامة وتحت إشراف مباشر من أجهزة الأمن، إذ نُقلت جثث معتقلين وضحايا التعذيب من المستشفيات والسجون، أبرزها مستشفى تشرين العسكري وسجن صيدنايا، إلى مواقع دفن جماعية منظمة بعيدًا عن أعين المنظمات الدولية وأهالي الضحايا.
أشارت رويترز إلى أن فكرة نقل الجثث بدأت في أواخر عام 2018، حين تقرر تفريغ مقبرة جماعية في منطقة القطيفة بريف دمشق، ونقل الجثث إلى موقع أكثر عزلة قرب مدينة الضمير في البادية السورية.
ومن شباط 2019 حتى نيسان 2021، كانت من 6 إلى 8 شاحنات تعمل أربع ليالٍ أسبوعيًا لنقل الجثث والأنقاض من القطيفة إلى الضمير، وسط إجراءات أمنية مشددة.
السائقون مُنعوا من النزول من الشاحنات أو استخدام الهواتف، وتلقّوا أوامرهم شفهياً فقط لتجنّب أي توثيق.
التحقيق أكد أن العملية جرت بإشراف مباشر من العقيد مازن إسمندر، وبمعرفة قائد الخدمات الطبية العسكرية اللواء عمّار سليمان، بينما كان القرار النهائي صادرًا عن بشار الأسد نفسه، بحسب ما نقلته رويترز عن مسؤولين سابقين ووثائق مسرّبة.
تُظهر صور الأقمار الصناعية أن المقبرة الأصلية في القطيفة تضم 16 خندقًا على امتداد 1.2 كيلومتر، وتحتوي على ما بين 60 و80 ألف جثة، بينما تضم المقبرة الجديدة قرب الضمير 34 خندقًا بطول إجمالي يصل إلى كيلومترين، ما يجعلها واحدة من أضخم المقابر الجماعية في سوريا.
كما أُحيط الموقع في الضمير بجدار إسمنتي بارتفاع 3 أمتار في تشرين الأول 2018 لإخفائه عن الأنظار، وبدأ امتلاء الخنادق تدريجيًا حتى نيسان 2021، وهو ما وثقته صور الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة.
أجرت رويترز تحقيقها على مدى عامين، مستندةً إلى شهادات 13 شخصًا من العاملين السابقين في الأجهزة الأمنية والبلديات، إضافة إلى أكثر من 500 صورة أقمار صناعية تغطي فترة تزيد عن 10 سنوات. كما استعانت الوكالة بخبراء في الجيولوجيا وتقنيات التصوير الجوي لتأكيد تغيّر لون التربة في الضمير، ما يشير إلى نقل التراب من مقبرة القطيفة الأصلية.
المتورطون الرئيسيون إلى جانب الأسد، وردت أسماء ضباط ومسؤولين بارزين في التحقيق، من بينهم:
العقيد مازن إسمندر – رئيس قسم الميزانية في إدارة الخدمات الطبية العسكرية، وورد اسمه في 73 وثيقة رسمية بين عامي 2018 و2019.
اللواء عمّار سليمان – قائد الخدمات الطبية العسكرية.
العميد كمال حسن – رئيس الاستخبارات العسكرية وصاحب فكرة نقل الجثث.
أنور حاج خليل – رئيس مجلس القطيفة البلدي السابق الذي أشرف على تنسيق أعمال الحفر والنقل.
تؤكد هذه المعلومات، وفق رويترز، وجود نمطٍ منهجي لإخفاء الأدلة على الانتهاكات، ما يعكس حجم الجهود التي بذلتها السلطات السورية لإزالة آثار الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الحرب.