تشهد سوريا اليوم حالة من الرضا والتفاؤل في عموم الشارع السوري مع الإعلان عن استثمارات ضخمة وغير مسبوقة، ووعود تطلقها الحكومة بإصلاحات وإعادة إعمار شاملة، عبر الاعتماد على جلب الاستثمار بدلا من انتظار التمويل الخارجي من المانحين، فيما تؤكد دمشق على عامل الوقت المطلوب لترجمة الخطط على أرض الواقع حتى يشعر المواطن بفارق في معيشته اليومية.
وقد بلغت قيمة تلك الاستثمارات 14 مليار دولار خلال ستة أشهر فقط، وهذا الرقم يعادل سبعة أضعاف ميزانية الدولة في السنوات الأخيرة من حكم النظام البائد، ما يؤكد عودة سوريا إلى مسار التعافي، ويعكس نجاحها في توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة رغم التحديات المستمرة.
لكن في المقابل يتململ البعض من كثرة الاتفاقات فيما لا تزال الفجوة كبيرة بين الواقع على الأرض وبين المأمول، بعد نحو ثمانية أشهر من سقوط النظام البائد.
وحول ذلك يقول المستشار المالي والمحلل الاقتصادي، سعود الرحبي، لحلب اليوم، إن “الحالة الراهنة تعد موضوعًا معقدًا، وتتعدد التساؤلات حولها وتختلف وجهات النظر بشأنها، فهناك من يرى في الإعلانات عن المشاريع الضخمة بصيص أمل، وآخرون يرون فيها وعودًا لم تتحقق بعد، لكن ليس غريبًا أن يواجه السوريون اليوم شعورًا مختلطًا تجاه الإعلانات عن الاستثمارات الضخمة. فمن ناحية، هناك أمل بأن هذه المشاريع ستُسهم في إعادة إعمار البلاد وتحسين الوضع الاقتصادي المتردي. لكن من ناحية أخرى، وبعد سنوات من الأزمات، أصبح الكثيرون أكثر حذرًا وتشكيكًا، خاصة مع عدم رؤية تأثيرات ملموسة لهذه الاتفاقات على حياتهم اليومية”.
وأضاف أن “هذا التناقض طبيعي، ففي حين أن المشاريع الكبرى تحتاج وقتًا طويلًا للتنفيذ، فإن المواطن العادي ينتظر حلولًا سريعة لمشاكل المعيشة اليومية مثل توفر الكهرباء والوقود والغذاء بأسعار معقولة. لذا، فإن تحقيق التوازن بين التخطيط للمستقبل البعيد وتلبية احتياجات الحاضر يعد تحديًا كبيرًا أمام الحكومة”.
من جانبه قال أدهم قضيماتي، الخبير الاقتصادي السوري، لحلب اليوم، إنه “من الطبيعي أن تكون هناك أسئلة حول التطبيق على أرض الواقع.. والجواب أن هكذا اتفاقيات بهكذا حجم تحتاج إلى وقت للبداية ووقت للتنفيذ أيضًا بسبب حجم هذه الاتفاقيات وما تحتاجه من تراخيص ومرونة للبدء في العمل، وأيضًا هناك حاجة لتجهيز البنية التحتية التي تحتاجها هذه المشاريع. وعليه، إذا تم البدء بالتنفيذ، فأعتقد أن المشاريع سيستغرق تنفيذها أكثر من سنتين إلى 3 سنوات، وهناك مشاريع يمكن أن تستغرق سنة من تاريخ البدء، فيما البنية التحتية مدمرة”.
ويقول مراقبون إن الاستثمارات المعلنة، لا سيما في مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل مطار دمشق الدولي، ومترو العاصمة، وبوليفارد حمص..إلى آخره، تمثل نقلة نوعية في تحقيق أحلام السوريين التي لطالما كانت بعيدة المنال، حيث لم تعد سوريا خارج منظومة التطور والتنمية، بل تأمل أن تكون في صلب النهضة الإقليمية.
ويرى الرحبي أن “صعود أي دولة إلى صدارة الاقتصاد الإقليمي يتطلب أكثر من مجرد مشاريع بنية تحتية.. يتطلب بيئة استثمارية مستقرة، وقوانين شفافة، ومؤسسات قوية، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي والأمني. ورغم أن هذه المشاريع قد تكون حجر الزاوية في عملية إعادة الإعمار، فإن تحقيق نهضة شاملة يتوقف على عوامل أوسع وأكثر عمقًا من مجرد الإنفاق على البنية التحتية”.
بدوره لفت قضيماتي إلى أن “هناك شقين للعمل.. شق يتعلق بالمشاريع والمستثمرين وما يحتاجونه، والشق الآخر هو ما يتعلق بالدولة، وخاصة البنية التحتية. أما أهمية الاتفاقيات فتنبع من تجسيد البدء بدخول المستثمرين، وخاصة فيما يتعلق بالعقار والمشاريع العقارية، وذلك يزيد تشجيع المستثمرين للدخول إلى سوريا. وكلما زاد تطوير البنية التحتية وبناؤها، كلما زادت المشاريع، ولكن يجب ألا ننسى أن حجم الدمار كبير.. ويحتاج إلى مشاريع وأموال كبيرة”.
وتشمل مشاريع البنية التحتية مختلف القطاعات الحيوية بما في ذلك التعليم والصحة، حيث يسشهد القطاعات تغيرات تدريجية نحو الأفضل.
ويشير الرحبي إلى الموقع الجغرافي لسوريا بين الجزيرة العربية وتركيا الذي يمنحها وزناً استراتيجياً كبيراً، ويضعها في قلب معادلات جديدة تقوم على التعاون الإقليمي، كما أشار إلى ذلك المبعوث الأميركي توم باراك، أمس، حيث يتوقع مراقبون أن تصبح سوريا محوراً لمستقبل المنطقة.
ويضيف أن “سوريا نقطة وصل تاريخية بين الشرق والغرب، وهذا الموقع يمنحها فرصة كبيرة للعب دور محوري في الاقتصاد الإقليمي. لكن استغلال هذا الموقع بشكل كامل يتطلب تجاوز التحديات الحالية، وعودة العلاقات الطبيعية مع الجيران، والاندماج في الاقتصاد العالمي”.
ولا يقتصر أثر مشاريع البنية التحتية والاستثمارات الكبرى على تغيير الأوضاع من ناحية البنية فقط، حيث تقول الحكومة إنها تعد ركيزة أساسية لتأمين عشرات آلاف فرص العمل الجديدة، وهو ما يؤيده الرحبي حيث يقول إن ذلك “منطقي إلى حد كبير. فمشاريع البناء والتشييد تتطلب عددًا كبيرًا من العمال، من مهندسين وعمال وفنيين، وهو ما يمكن أن يساهم في تقليل البطالة، ومع ذلك، فإن التقييم الحقيقي لهذا الموضوع يعتمد على عدة عوامل:
– توفير التدريب اللازم: هل ستكون هناك برامج تدريبية لتأهيل القوى العاملة للوظائف الجديدة؟
– الاستدامة: هل ستكون هذه الوظائف دائمة أم مؤقتة مرتبطة بفترة الإنشاء فقط؟
– الأجور والظروف: هل ستكون الأجور مجزية وظروف العمل مناسبة لجذب العمالة الماهرة؟”.
وختم بالقول إنه “رغم التحديات الكبيرة، تظل المشاريع الكبرى فرصة لفتح آفاق جديدة، لكن الطريق إلى التعافي الحقيقي طويل ويتطلب أكثر من مجرد إعلانات”.
وبحسب وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس محمد عنجراني، فإن الخطة الوطنية تشمل كل القطاعات في مختلف المحافظات السورية، حيث تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم المهمة التي تهدف إلى إقامة مشاريع تنموية واستثمارية متكاملة تشمل قطاعات السكن، السياحة، البيئة، والخدمات.
ومن أبرز المشاريع بحلب، مشروع الحيدرية، وهو مشروع سكني إستراتيجي لإعادة إعمار الأحياء المتضررة في مدينة حلب، بتكلفة تبلغ 40 مليون دولار، ويوفر بيئة عمرانية حديثة تلبي احتياجات المواطنين، ومول المهندسين بتكلفة تبلغ 25 مليون دولار، وهو صرح تجاري في قلب المدينة، يهدف إلى تنشيط الحركة الاقتصادية وتعزيز فرص العمل.
وذكر عنجراني أن من مشاريع حماة، مشروع وادي الجوز، وهو ضاحية سكنية وتجارية حديثة بتكلفة تبلغ 282 مليون دولار لتحسين الواقع السكني في المحافظة.
وفي اللاذقية هناك مشاريع منها مشروع فيو، وهو منتجع سياحي من فئة سبع نجوم بتكلفة تبلغ 3.5 ملايين دولار، ومشروع مرسى شمس، وهو فندق ومنتجع على الواجهة البحرية بتكلفة تبلغ 150 مليون دولار، يعزز مكانة المدينة كمقصد سياحي.
كما تم التوقيع على مذكرات تفاهم تشمل مشاريع حيوية في دمشق، منها إنشاء مترو أنفاق داخل دمشق ولعدد من المحاور وتبلغ تكلفته 2 مليار دولار، ومشروع أبراج البرامكة، وهو مجمع متكامل سكني وتجاري وسياحي في وسط العاصمة، مرفق بمشاريع بنية تحتية داعمة بتكلفة تبلغ 400 مليون دولار، وفقا للوزير.
وذكر من مشاريع دمشق أيضاً؛ مشروع ماروتا السكني في ماروتا سيتي، والمتضمن تنفيذ 25 مقسماً للسكن البديل في باسيليا سيتي بتكلفة تبلغ 160 مليون دولار، ومشروع تنفيذ الأعمال المتبقية من البنى التحتية في مشروع ماروتا سيتي، بالإضافة إلى إدارة وتشغيل وصيانة واستثمار مشروع البنى التحتية ودراسة وتنفيذ خدمات المدينة الذكية بقيمة تبلغ 165 مليون دولار.
وفي محافظة إدلب، تم التوقيع على مشروع بيئي بتكلفة تبلغ 57.5 مليون دولار، وهو منشأة بيئية متقدمة لإنتاج الكهرباء والغاز والأسمدة من النفايات، ضمن رؤية مستدامة، أما في حمص، فقد تم التوقيع على مشروع بوليفارد، وهو مشروع سكني تجاري متكامل لإعادة إعمار مدينة حمص، وإنشاء ضاحية حديثة بمعايير السكن المعاصر بتكلفة تبلغ 900 مليون دولار.