عقد وزيرا الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف، مؤتمرا صحفيا في العاصمة الروسية موسكو، عقب مباحثات أجراها الطرفان، بهدف استعادة العلاقات بين الجانبين.
وقد أجرى الشيباني والوفد المرافق له جولة مباحثات مع لافروف في قصر الضيافة بموسكو، فور وصولهم صباح اليوم الخميس، فيما أعرب الأخير عن ترحيبه وتطلع لزيارة من الرئيس السوري أحمد الشرع.
وقال الوزير السوري، إن بلاده تريد علاقات صحيحة وسليمة مع روسيا قائمة على التعاون والاحترام المتبادلين، واصفا الحوار مع روسيا بأنه “خطوة إستراتيجية تدعم مستقبل سوريا”، ومؤكدا بالقول: “اتفقنا على إعادة النظر في كل الاتفاقيات السابقة مع روسيا”.
وحول ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري، الدكتور باسل معراوي، لحلب اليوم، إن “القيادة السورية الجديدة أعربت، منذ الأيام الأولى للتحرير، عن نيتها الجادة بسلوك سياسة متوازنة مع جميع الدول بمعنى تصفير للمشاكل معها (باستثناء إيران التي لازالت تعبث بالاستقرار السوري) وكانت التصاريح العلنية (وحتى الأفعال على الأرض) تدل على ذلك التوجه بالقول إن سوريا لن تكون مصدرا لإثارة القلق لأي دولة في الإقليم، وأنها تتفرغ لمعالجة الآثار الكارثية التي خلّفها نظام الأسد بعد ستة عقود من الحكم الاستبدادي وتخريب البنية الاقتصادية والمجتمعية”.
وأضاف أن “سياسة التعافي هذه تحتاج النأي بالنفس عن سياسة المحاور والتنافس الإقليمي والدولة لن تسمح لأراضيها بأن تكون ملعبا لهذه الصراعات؛ وقد بدأت سياساتها تلك بالمعضلة الأكثر صعوبة وهي إسرائيل حيث أبدت مرونة في التعامل معها بل وصلت الاتصالات لمراحل عالية المستوى بين وزراء من الجانبين”.
ويرى الدكتور معراوي أنه “لا مشكلة في تحسين نسبي للعلاقات بين دمشق وموسكو في ظل الإدارة الروسية التي كانت داعمة للنظام البائد وتؤوي رئيسه الفار وأكثر من ألفي ضابط من الفئة عالية الرتب في جيش النظام البائد. والملاحظ مؤخرا في كلمة متلفزة للرئيس الشرع أنه شكر روسيا على إدانتها للقصف الإسرائيلي على دمشق في مجلس الأمن.. توجد ملفات كبيرة ومتشعبة للبحث بين البلدين؛ ملفات اقتصادية وعسكرية وأمنية وانطلاقا من مقولة أنه لا عدو دائم في عالم السياسة وإنما مصالح دائمة، فأعتقد أن الواقعية السياسية التي تنتهجها القيادة السورية ستؤسس لعلاقات عادية مع الاتحاد الروسي”.
ولفت إلى أن مراجعة الاتفاقيات مع روسيا هي من أهم أسباب الزيارة، “فقد كان التنافس الروسي الإيراني على توقيع اتفاقيات الإذعان مع النظام قائما.. وكل الاتفاقيات الموقعة بين نظام الأسد المخلوع والروس تصب في مصلحة الأخير؛ والنظام الدولي يلزم الحكومة السورية بتنفيذ تلك الاتفاقات طالما تم توقيعها بين دولتين؛ وترى القيادة السورية أن إلغاء بعض الاتفاقيات أو تعديلها إذا تم بالتراضي مع روسيا أفضل بكثير من اللجوء إلى المحاكم الدولية لحل النزاع”.
وقال الشيباني: “نمر بمرحلة مليئة بالتحديات وهناك فرص كبيرة لسوريا ونطمح لأن تكون روسيا بجانبنا.. العلاقات السورية الروسية تمر بمنعطف حاسم وتاريخي، ونتطلع إلى تعاون روسي كامل وصادق لدعم مسار العدالة الانتقالية في سوريا”.
ودعا إلى “الاعتراف بالجراح التي يعاني منها الشعب السوري”، موضحا أن “سوريا فتحت أبوابها للعالم منذ الإطاحة بالنظام البائد، وتتطلع لإقامة علاقات دولية قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة”.
وحول التدخلات الإسرائيلية في سوريا، قال الشيباني إنها “تغذي العنف”، نافيا وجود “أي نية للحكومة السورية لإبادة الدروز في محافظة السويداء”، ومؤكدا أن “حماية الدروز في السويداء مسؤولية الدولة السورية” داعيا إسرائيل إلى “عدم التدخل في شؤوننا الداخلية واستخدام ورقة الأقليات”.
من جانبه قال لافروف إنه “يتمنى أن يتجاوز الشعب السوري التحديات، ويتطلع لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى روسيا”، معربا عن دعمه “لتنمية العلاقات الثنائية بين بلدينا على أساس الاحترام والمصلحة المتبادلة”،
ولفت إلى أن الحكومة السورية “تتخذ خطوات مهمة لتأمين الدبلوماسيين الروس ونحن نثمن ذلك، ونتطلع لتكثيف الحوار مع دمشق واتفقنا على التعاون لتجاوز التحديات كما أكدنا حرصنا على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واحترام سيادتها واستقلالها”.
كما رفض الوزير الروسي ما أسماها “محاولة البعض زعزعة استقرار سوريا واستخدامها ساحة لتصفية الحسابات”، مضيفا أن “الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية تنتهك القانون الدولي ومن الضروري وقفها”.
وأكد ما ذكره الشيباني حول “الاتفاق على إعادة النظر بجميع الاتفاقيات مع دمشق”، كما أكدنا “ضرورة رفع جميع العقوبات المفروضة عليها فوراً”.
وأضاف الدكتور معراوي أن الحكومة السورية “ترغب بموازنة علاقاتها مع الصين وروسيا مقابل العلاقات التي تتطور مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، ومن أهم أوجه التوازن الاعتماد في تسليح الجيش السوري الجديد على بعض من السلاح الروسي، حيث كل الضباط المنشقين عن جيش الأسد والباقين مع الجيش الجديد عقيدتهم العسكرية شرقية وخبرتهم التسليحية والخططية شرقية وليس من السهل الانقلاب إلى عقيدة غربية بل إن ذلك يحتاج لسنوات”.
وأشار إلى أن القيادة السورية “لمست تراخيا غربيا في عدة نواحي؛ أولها: عدم لجم أو منع إسرائيل من اعتداءاتها المتكررة على السيادة السورية والتي بلغت مرحلة خطيرة للغاية مؤخرا بعد قصف وزارة الدفاع السورية. وثانيها: التآمر في عدم الرفع الكامل للعقوبات الغربية والتي كانت مفروضة على نظام الأسد حيث يمكن القول إن السياسة الغربية في هذا الشأن تشبه سياسة العصا والجزرة، وثالثها: التلكؤ في الضغط على قسد لتفكيك نفسها ووضع فيتو على عمل عسكري عليها وأيضا التدخل في ملف السويداء عبر إسرائيل وعدم ثنيها عن ذلك”.
وختم الدكتور معراوي بالقول: “بالطبع تنظر القيادة السورية إلى العضوية الدائمة لروسيا والصين بمجلس الأمن وتطمح في تمرير التصويت على عقوبات أممية مفروضة على سوريا والقيادة السياسة الحالية في التصنيفات السابقة المعروفة.. إن مسك العصا من المنتصف بين الغرب والشرق في سوريا ضروري جدا للحفاظ على سوريا وإتاحة الجو الملائم لتعافيها”.