بدت التصريحات الأمريكية التي صدرت خلال الساعة الأربع والعشرين الماضية، حول ملف السويداء، مغايرة لما تحدثت عنه واشنطن في الأيام الماضية، مما أثار تساؤلات المراقبين حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد غيرت موقفها من دمشق، أم أنها مجرد مناورة سياسية.
وقد طالب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في تدوينة نشرها عبر حسابه على موقع “إكس”، فجر اليوم الأحد، السلطات السورية بمنع من أسماهم المتطرفين وعناصر تنظيم الدولة من دخول محافظة السويداء، في جنوب البلاد، فيما أثار السفير الأمريكي لدى تركيا ومبعوث الإدارة الأمريكية لسوريا، توماس باراك، جدلا، بسبب تصريحاته التي سبقت تلك التغريدة بساعات.
وساوى باراك بين “كل الأطراف المتحاربة”، ملمحا إلى دور سلبي للحكومة التي تريد السيطرة على كافة الأراضي السورية وإنهاء المجموعات الخارجة عن القانون، وتحدث عن رفع العقوبات الأمريكية فيما بدا – بالنسبة لبعض المراقبين – تلويحا بإمكانية عودتها أو عرقلة مسار رفع ما تبقى منها.
يأتي ذلك بعد تأكيد باراك على أهمية المحافظة على “سوريا موحدة وقوية” وبسط سيطرتها على كافة المناطق، باعتبارها مصلحة للجميع، ورفض محاولات تقسيم البلاد في أي جزء منها.
وحول حقيقة الموقف الأمريكي في سوريا؛ يقول حسام النجار، المحلل السياسي السوري، لحلب اليوم، إن “المتابع للسياسة الأمريكية وعلاقاتها وخطوط الربط و التعامل مع الدول والمجموعات يدرك أن ما تقوم به اليوم مألوف فهو نتيجة لتضارب المواقف والرؤى داخل قيادتها والمصالح التي تعمل من خلال كونها قوة وحيدة لا يستطيع أحد إيقافها.. بطبيعة الحال نجد الرئيس يصرح بشيء و ينفذ شيئا آخر، والخلاف بين ترمب وأيلون ماسك يعبر بشكل واضح عن حديثنا”.
وقال روبيو، إن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت منخرطة بشكل مكثف خلال الأيام الثلاثة الماضية مع إسرائيل والأردن والسلطات في دمشق بشأن التطورات المروعة والخطيرة في جنوب سوريا، مطالبا بوقف “الانتهاكات التي حدثت وما زالت تحدث” على حدّ تعبيره.
وأضاف “إذا أرادت السلطات في دمشق الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وشاملة وسلمية، خالية من تنظيم الدولة والسيطرة الإيرانية، فعليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة”، داعيا الحكومة السورية لاستخدام قواتها الأمنية “لمنع التنظيم وأي متطرفين آخرين من دخول المنطقة وارتكاب المجازر”، كمت دعاها إلى “محاسبة وتقديم أي شخص مذنب بارتكاب فظائع إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها”، حسب قوله.
وفيما أعلن مجلس القبائل والعشائر السورية إخراج كافة مقاتليه خارج مدينة السويداء تنفيذا لتوجيهات الرئاسة السورية المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار، فما تزال الجماعات الخارجة عن القانون ترفض الامتثال التام لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة من عدة دول.
وقالت وزارة الداخلية السورية، اليوم، إن القتال في محافظة السويداء توقف، بعد أن أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت سابق أمس وقفا فوريا لإطلاق النار وذلك عقب سبعة أيام من الاشتباكات.
وقال المبعوث الأمريكي باراك إن “قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات كان خطوةً مبدئيةً، إذ أتاح للشعب السوري فرصةً لتجاوز سنواتٍ من المعاناة والفظائع التي لا تُصدق.. وقد ساند المجتمع الدولي الحكومة السورية الناشئة إلى حدٍ كبير، مُراقبًا بتفاؤلٍ حذرٍ سعيها للانتقال من إرثٍ من الألم إلى مستقبلٍ مُشرق”.
وأضاف: “إلا أن هذا الطموح الهشّ تطغى عليه الآن صدمةٌ عميقة، إذ تُقوّض الأعمال الوحشية التي ترتكبها الفصائل المتحاربة على الأرض سلطة الحكومة وتُزعزع أي مظهرٍ من مظاهر النظام. يجب على جميع الفصائل إلقاء أسلحتها فورًا، ووقف الأعمال العدائية، والتخلي عن دوامة الانتقام القبلي. تقف سوريا عند منعطفٍ حاسم – يجب أن يسود السلام والحوار – وأن يسودا الآن”.
ويبدو الموقف الأمريكي اليوم أقرب للكيان الإسرائيلي الذي يطالب ببقاء السويداء منطقة منزوعة السلاح، كما يلوح بدخول جنود “دروز” بحجة حماية أبناء طائفتهم في سوريا، وهو ما يثير المخاوف بشأن وجود مخططات انفصالية لا يخفيها حكمت الهجري والمجموعات الخارجة عن القانون.
ويرى نجار أن “مخطط التقسيم قديم بدأه أرثر لويس بمقالاته وأفكاره التي طرحها بالرغبة بتقسيم المنطقة العربية ودولها لكانتونات صغيرة ضعيفة عرقية لتبرير يهودية إسرائيل أولاً وجعلها كقوة مهيمنة بكل الاتجاهات ثانيًا، وهذا ما أكد عليه شمعون بيريز عام 1998 و حدد خطوات الوصول لهذه الكانتونات ثم جاءت كوندليزا رايس من خلال ‘الفوضى الخلاقة’ التي نرى بعض نتائجها الآن”.
ومضى بالقول إن “السويداء طالما كانت حجر الزاوية في هذا المخطط لأن حلم إسرائيل لا يمكنه تخطي دمشق لذا كان العمل من السويداء باتجاه البادية للوصل مع مناطق الجزيرة السورية، و ما يتم طرحه ولو على سبيل الإشاعة ‘السويداء مقابل الجولان’ جزء من المخطط”، على حدّ تعبيره.
وعندما تحركت الدولة بأجهزتها – يضيف نجار – “قامت إسرائيل بالقصف، وتفسير ذلك يرجع لرغبة إسرائيلية أولاً و طلب من الهجري ثانياً، ودفع الدولة السورية للخضوع لأوامر وطلبات إسرائيل و هذا ما صرحت به علانية، لذلك فإن تحرك العشائر كان غير متوقع من إسرائيل وهو خطوة ديناميكية والتفاف هام استطاعت الدولة السورية توظيفه بشكل ممتاز، و هو مرحب به عربيا ولا يمكن لأحد لوم الدولة السورية عليه”.
ويتوقع الكاتب والمحلل السياسي السوري خرق اتفاق وقف إطلاق النيران ووقوع اشتباكات، مضيفا أن “ما يتحكم بالأمر هو كمية الإمدادات الموجودة، وطول المدة ليس في مصلحة السويداء”.
وكانت واشنطن قد قالت إنها قادت جهودا دبلوماسية في الأردن للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بالتنسيق مع أنقرة وعمّان ودمشق والكيان الإسرائيلي.
يشار إلى أن وزير الصحة “مصعب العلي”، أعلن أن الهجري عارض دخول وفد حكومي مع قوافل المساعدات التي وصلت إلى داخل السويداء، مما اضطر الحكومة للتنسيق مع الهلال الأحمر.
