أعلن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، تحسن العلاقات مع سوريا، عقب لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، مطلع الشهر الجاري، حيث أبدت دمشق مرونة في التعامل مع الوكالة، فيما وقع الجانبان اتفاقات جديدة.
وحصلت الوكالة على وصول فوري وغير مقيّد إلى المواقع المرتبطة بتوضيح الأنشطة النووية السابقة في سوريا، وقال غروسي إن اللقاء مع الشرع أثمر عن توقيع اتفاقيات جديدة ضمن مبادرتي “الذرة من أجل الغذاء” و”أشعة الأمل”، بما “يسهم في تعزيز التعاون التقني والإنساني بين الطرفين”.
وتشمل الاتفاقيات مجال أمن الغذاء ومكافحة السرطان، وقال مدير الوكالة إن الرئيس السوري “أبدى اهتمامه بالحصول على الطاقة النووية لسوريا في المستقبل”، متسائلاً: “لماذا لا؟”، فقد “أظهر ميلا إيجابيا للغاية للتحدث معنا والسماح لنا بتنفيذ الأنشطة التي نحتاج إليها”.
ولم يتطرق الجانبان إلى ذكر المفاعل النووي الصغير التابع للوكالة السورية للطاقة الذرية قرب دمشق، حيث ما تزال الهيئة تعاني منذ عام 2000 صعوبات تقنية في متابعة تشغيله بسبب استنفاذ اليورانيوم المخصّب الموجود داخله، بسبب القيود الأمريكية التي كانت مفروضة.
وقال فيزيائي سوري لموقع “حلب اليوم” (فضّل عدم الكشف عن اسمه) إن المفاعل بحثي ومخصص لأغراض سلمية بحتة، تشمل التحليل والتدريب، والتجارب الهندسية والفيزيائية، وإنتاج النظائر المشعة المستعملة في مكافحة السرطان.
ويحتوي المفاعل البحثي قرب منطقة “السومرية” غربي دمشق، على كيلو غرام واحد من اليورانيوم المخصّب بنسبة 90%، وشكّل لمدّة سنوات مصدرا للنظائر المشعة المخصصة للاستخدام الطبي في سوريا ولبنان واﻷردن، لكن كميّة الوقود الموجودة في المفاعل دخلت في مرحلة الاستنفاذ منذ عام 2000، أي بعد عشر سنوات من انطلاق عمله، وهي فترة “دورة الوقود” الخاصة به.
ومنذ ذلك الحين لم يستطع النظام البائد تأمين الكمية المطلوبة لتعويض الفاقد وهي الثلث، أي ما يعادل 333 غ من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%، بسبب ضغوط أمريكية حالت دون ذلك مما اضطر القائمين عليه للجوء إلى تقنيّة “التصفيح”، أي إحاطة قلب المفاعل بطبقة سميكة من مواد معدنية معينة تقوم بعكس “النيوترونات” واﻷشعة النووية لحفظ أكبر قدر ممكن منها ضمنه، وبالتالي إطالة أمد الوقود.
وأوضح المصدر لـ”حلب اليوم” أن تلك الطريقة نجحت بجهود محلية من قبل فيزيائيين ومهندسين سوريين، ولجأ القائمون على “منسر” إلى تكرارها ﻷكثر من مرّة، فيما كان مستوى التخصيب ينخفض مع الوقت رغم أن المفاعل مصمم للعمل على نسبة 90%.
وفي عام 2015 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “يوكيا أمانو”، أنهم يدرسون طلبا من النظام للمساعدة في تحويل المفاعل لاستخدام وقود بدرجة تخصيب أقل، بحجة منع “استغلاله في تصنيع القنابل”.
وقال النظام في طلبه الذي قدّمه للوكالة حينها إنه يريد المساعدة لاستخدام وقود منخفض التخصيب وإعادة ماتبقّى لديه من الوقود عالي التخصيب “إلى بلد المنشأ”.
ومنذ ذلك الحين لم تتوفر أي معلومات عن مصير عمل المفاعل، لكن الفيزيائي السوري يرجح أنه يعمل بالحدود الدنيا، مستبعدا أن يستطيع إنتاج النظائر المشعة بالمستوى السابق.
وكانت إدارة المعابر البرية المشتركة مع لبنان والأردن تنسق آليات خاصة مع سوريا لضمان نقل النظائر المشعة مباشرة من مراكز التشعيع السورية (هناك مركز آخر يختلف عن المفاعل) إلى المشافي في كلي البلدين، بسبب قصر عمر النصف لتلك النظائر.
وأكد المصدر أن كافة مرافق هيئة الطاقة الذرية السورية، كانت مراقبةً ومتابعةً بدقة من قبل هيئة الطاقة الذرية الدولية، والتي تحتفظ بكاميرات مراقبة في مرافق مختلفة من الهيئة السورية، وذكر – على سبيل المثال – أن القسم المخصص لتشعيع المواد الغذائية بغرض حفظها من البكتيريا، يُضطر لاستخدام “الكوبالت 60” كبديل عن “السيزيوم 137” الممنوع فقط ﻷنه من الممكن استخدامه استخداما عسكريا.
وكانت روسيا قد وقّعت على اتفاقية “تعاون نووي” للأغراض السلمية مع النظام البائد في خريف عام 2020، وقالت إنها ستشمل مجالات “استخدام التقنيات الإشعاعية في الطب والزراعة والصناعة وحفظ الأمن النووي والإشعاعي”.
يشار إلى وجود مفاعل مشابه في إيران، لكنه أكبر حجما حيث تبلغ قدرته 5 ميجاواط، في مقابل 30 كيلوواط فقط لنظيره السوري.