في مثل هذا اليوم، الثامن عشر من نيسان عام 2011، سجل في مدينة حمص أول اعتصام في الثورة السورية لكن المدينة لم تكن على موعد مع مجرّد احتجاج ليلي سلمي، بل مع واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها النظام البائد والتي ما زال صداها محفورًا في ذاكرة السوريين تحت اسم “مجزرة الساعة”.
بدأت القصة عقب دفن شهداء سقطوا قبل يوم واحد برصاص قوات الأمن خلال مظاهرات مطالبة بالإصلاح والحرية. بعد التشييع، قرر الآلاف من أهالي حمص الاعتصام في ساحة الساعة وهي واحدة من أبرز ساحات المدينة، في مشهد غير مسبوق منذ انطلاق الحراك الشعبي حيث قُدرت أعداد المشاركين بالاعتصام بادئ الأمر بأكثر من 40 ألف معتصم، من مختلف المكونات الاجتماعية والفئات العمرية.
نُصبت الخيام، وردّد المعتصمون شعارات الحرية والوحدة الوطنية، وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين ووقف القمع الأمني. كانت الهتافات سلمية، والمطالب واضحة، لم يُسجّل أي عنف من جهة المحتجين، بل كان مشهدًا حضاريًا أراد الحمصيون أن يُعبّروا من خلاله عن موقفهم الرافض للقتل والاستبداد، وكان من المقرر أن يستمر الاعتصام حتى اليوم التالي.
مع اقتراب منتصف الليل، بدأت قوات النظام البائد ترافقها وحدات من “الشبيحة” باقتحام الساحة، وبشكل مفاجئ انطفأت أضواء الشوارع لتغرق ساحة الساعة في الظلام وبدأ الرصاص الحي يطلق بكثافة مباشرة على المعتصمين الذين لم تكن بحوزتهم أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم.
استمر إطلاق النار لنحو نصف ساعة بحسب شهادة جندي منشق كان قد شارك في فض الاعتصام لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قال فيها: جلس المتظاهرون في الساحة، وكانت تعليمناتنا بتفريقهم بالقوة إذا دعت الحاجة وكنا نعمل جنبًا إلى جنب مع فرع أمن القوات الجوية والجيش إضافة إلى الشبيحة.
حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحًا، تلقينا أمرًا من العقيد عبد الحميد إبراهيم، من فرع أمن القوات الجوية، بفتح النار على المتظاهرين.
ضحايا المجزرة
قدرت أعداد الضحايا بالعشرات لكن حتى اليوم لا تزال الأعداد مجهولة على وجه الدقة، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها أن القوات التي اقتحمت الساحة عمدت إلى سحب جثث القتلى واعتقال عدد كبير من الجرحى، ما حال دون التعرّف إلى مصيرهم، ولم يُتح لأهالي المعتصمين أو للناشطين حينها العودة إلى الموقع لجمع الأسماء أو توثيق الحصيلة، إذ كانت الساحة قد أُغلقت بالكامل تحت قبضة الأجهزة الأمنية.
كما أن المجزرة وقعت في مرحلة مبكرة من الحراك الشعبي، حيث لم تكن آليات التوثيق قد نضجت بعد، ولم تتوفر الموارد أو الأدوات اللازمة لرصد الضحايا كما حدث لاحقًا في مراحل أكثر تنظيمًا في الثورة، وهو ما ساهم في تغييب الحقيقة، وإبقاء كثير من الأسماء مجهولة، بين من استشهدوا تحت الرصاص أو اختفوا في دهاليز المعتقلات.
النظام البائد ينكر المجزرة
كالعادة، أنكر النظام البائد ارتكاب أي مجزرة، وادّعى أن “عناصر مسلحة هاجمت ساحة الساعة”، في رواية أثارت السخرية والغضب بين السوريين.
وقد أظهر توثيق المنظمات الحقوقية حينها أن المجزرة كانت جريمة ممنهجة، إذ جرت بعد حصار محكم، وإطفاء الأضواء، وقطع الاتصالات، وهي تكتيكات تكررت لاحقًا في مناطق سورية أخرى.
وبعد المجزرة، ارتفعت وتيرة الغضب في حمص، وخرجت المدينة في مظاهرات يومية تطالب بإسقاط النظام، وسرعان ما تحوّلت إلى واحدة من أبرز المدن الثائرة، ولقّبت لاحقًا بـ”عاصمة الثورة السورية”.
واليوم في ذكرى مجزرة الساعة، لا ينسى الحمصيون أسماء أبنائهم الذين قضوا وهم يهتفون للحرية، ولا تزال الساحة التي شهدت المجزرة تحتفظ بدم الشهداء في ذاكرتها، هي ذكرى موجعة لجميع السوريين.