خاص|| عبد الواحد غنوم – حلب اليوم
بعد مرور ثلاثة أشهر على تحرير مدينة تل رفعت بريف حلب وعودة أهالي المدينة إلى منازلهم عقب تهجير دام لسنوات طويلة، يواجه السكان اليوم متاعب جديدة تتعلق بوجود الأنفاق التي حفرتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحت المدينة قبل انسحابها من المنطقة.
وتثير هذه الأنفاق مخاوف كبيرة لدى الأهالي بسبب خطر الانهيارات الأرضية التي قد تلحق أضرارًا بالممتلكات وتعرض حياة السكان للخطر، ويؤكد السكان أن هذه الحفريات تسببت بالفعل في تصدعات واضحة في البنية التحتية للمدينة، وسط دعوات عاجلة للجهات المعنية للتدخل قبل وقوع كارثة.
شبكة معقدة للأنفاق
وبحسب مراسلة “حلب اليوم” التي أجرت جولة في المنطقة، تمتد شبكة الأنفاق تحت المدينة بشكل معقد، وتنقسم إلى مستويين رئيسيين: الأول يمتد إلى عمق 15 مترًا تحت سطح الأرض، بينما الثاني يصل إلى عمق 40 مترًا.
وأضافت أن هذه الأنفاق تشكل مدينة متكاملة تحت الأرض، تحتوي على أفران، ومخازن أسلحة، ومخازن للغذاء، بالإضافة إلى نقاط طبية ومستوصفات، ومع ذلك، فإن البنية التحتية لهذه الأنفاق لم تُصمم لتكون مستدامة على المدى البعيد، بل نفذت وفقًا لخطط قصيرة الأمد ذات أهداف عسكرية محدودة.
وأشارت إلى أن “قسد” لم تأخذ في الحسبان تأثير حفر الأنفاق على المباني والمنازل التي تقع فوقها، مما يعرضها لخطر الانهيار، خاصة مع وجود غرف وأنفاق متراكبة فوق بعضها البعض.
وفقًا للملاحظات الميدانية، يظهر الهيكل التنظيمي لهذه الأنفاق تنسيقًا وترتيبًا دقيقًا، حيث تم بناء غرف ومستودعات تحت الغرف والمنازل الموجودة فوق سطح الأرض، مما يزيد من تعقيد الوضع الهيكلي للموقع.
من جهته، قال “عبد الرحمن”، أحد أبناء مدينة تل رفعت لـ”حلب اليوم”: “عند عودتي إلى بلدتي بعد تهجيري لمدة تسع سنوات في مخيمات الشمال السوري، تفاجأت بحجم الدمار الذي أصاب منزلي، حيث حولته قسد إلى مقر لصناعة الألغام، وكان مليئًا بالمعدات والماكينات، إضافة إلى شبكة أنفاق متطورة تمتد تحت المنزل إلى القرى المجاورة”.
وتابع: “هذه الأنفاق كانت مجهزة بمعدات ثقيلة، بعض منها إسرائيلي وروسي، وتمثل مدينة تحت المدينة لدعم الأنشطة العسكرية، وللأسف نهبوا كل شيء، وحفروا الأنفاق تحت المنزل، ثم أضرموا فيه النار”.
عبد الرحمن وصف المشهد هناك بالصادم، مؤكدًا أن ما حدث في تل رفعت كان تدميرًا شاملًا للبنية التحتية ونهب الممتلكات، مشيرًا إلى أن حوالي 60% من المدينة مدمرة ومنهوبة، وتحتاج إلى جهود كبيرة لإعادة إعمارها، وأنه يحاول إعادة ترميم منزله رغم التكاليف الباهظة.
الأنفاق تقف عائقًا أمام عودة الأهالي
بدوره، أكد مسؤول عن الخدمات بالمجلس المحلي في مدينة تل رفعت، أحمد تركي، أن الأنفاق المنتشرة تحت المدينة تؤثر بشكل كبير على حياة السكان اليومية، وتثير مخاوف كبيرة بشأن عودة الأهالي للاستقرار في منازلهم، لافتًا إلى أن هذه الأنفاق تسببت في أضرار كبيرة للمياه الجوفية، حيث تم تدمير نحو 65% من الآبار في المدينة.
كما لفت أيضًا إلى أن الأنفاق تتكون من طبقتين الطبقة الأولى، شبكة خدمية معقدة تحت المدينة تضم سجونًا، وغرف مبيت، ومستودعات، والطبقة الثانية عبارة عن أنفاق تربط بين القرى والبلدات، وتمتد لمسافة تصل إلى 50 كيلومترًا، وصولًا إلى منطقة الباب ومدينة أعزاز.
وشدد تركي على أن التعامل مع هذه الأنفاق يتطلب فريقًا من المهندسين المختصين، وخاصة مهندسي الجيولوجيا، نظرًا للمخاطر التي تهدد بانهيار المنازل نتيجة عمليات الحفر العشوائي التي تمت دون دراسات كافية، منوهًا إلى عدم توفر معدات أو تقنيات متطورة لتحديد امتداد الأنفاق أو تقييم مستوى المخاطر بدقة.
وبحسب تركي، فإن هذه الأنفاق تزيد مخاوف الأهالي، حيث يخشى العديد منهم العودة إلى منازلهم، خاصة بسبب الخطر الذي تشكله على الأطفال ووجود تهديدات أمنية محتملة، مثل عمليات التسلل أو الاختراق الليلي، نظراً لعدم تأمين الأنفاق بشكل كافٍ.