لا تزال قضية الديون التي تطالب بها إيران السوريين مثار جدل، كما تغيب التوضيحات الصارمة من قبل حكومة تصريف الأعمال، وسط تحديات كبيرة تواجهها، بينما يرفض الشعب السوري دفع ثمن السلاح الذي استخدم للقتل والتهجير.
ورغم مطالبة طهران في تصريحات رسمية بدفع تلك الديون، إلا أنها لم توضح أي تفاصيل عنها، فيما قدر مسؤولون إيرانيون حجمها بنحو 50 مليار دولار، لكن الخارجية الإيرانية قالت الشهر الماضي، إن هذا الرقم “مبالغ فيه” دون تحديد المبلغ الصحيح.
بدوره أثار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الجدل مجددا حول القضية، عندما تحدث عن ديون لإيران وروسيا تُقدر بـ30 مليار دولار، تسببت بها سلطة الأسد المخلوع، دون أن يحدد موقفا منها ومن شرعيتها.
جاءت تصريحات الشيباني لصحيفة “فايننشال تايمز”، عقب مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي الدولي، حيث دعا لرفع العقوبات عن سوريا ومساعدتها في تجاوز الدمار الذي تسبب به الأسد، وهو ما دفع بعض المراقبين لترجيح أن تلك التصريحات أتت في إطار استعراض أزمة البلاد ودواعي مساندتها، ولا تعني بالضرورة الإقرار بها.
وفي تعقيبه على ذلك قال المحامي والباحث القانوني السوري، حومد سلطان حومد، لحلب اليوم: “نحن كشعب سوري غير مضطرين لأن ندفع فواتير النظام المخلوع ونرهق أنفسنا بديون وأعباء اقترفها في سبيل مصلحته وبقائه”.
وأوضح أن “المعيار في تحديد الدين هو؛ هل هذا الفعل الذي ارتكب في مصلحة الشعب السوري أو في مصلحة أشخاص محددين؟”، مضيفا أن الأسد استجلب الدعم لقتل السوريين وتسبب بتلك الديون على الخزينة، وبالتالي فمن غير المعقول أن ندفع ثمن السلاح الذي قُتّلنا وهُجّرنا به.
وأشار الشيباني إلى أن موظفي الدولة السابقين من عهد الأسد، كشفوا عن أضرار جسيمة ألحقها بالاقتصاد السوري، بما في ذلك ديون ضخمة لحلفاءه، واحتياطات أجنبية مفقودة، وقطاع عام متضخم، وتراجع في الصناعات الحيوية مثل الزراعة والتصنيع.
وأثارت تلك التصريحات تكهنات مختلفة حول ما إذا كانت بمثابة اعتراف بشرعية هذه الديون، أم أنها مجرد استعراض للواقع، خصوصا بعد شطب اتفاقية الاستثمار التي وقعتها سلطة الأسد المخلوع مع روسيا، دون أي رد فعل من الأخيرة.
وفيما لم تعقب وزارة الخارجية على قضية الديون، كما لم تجب على التساؤلات المطروحة، فإن العديد من القانونيين السوريين يؤكدون عدم استحقاق الدفع لطهران وموسكو بالمطلق.
وقال حومد سلطان: “نحن غير ملزمين بديون النظام المخلوع لأنها ديون عسكرية اشترى بها الأسلحة لقتل الشعب السوري”، منوها بأن ذلك “مرفوض عقلا ومنطقا وقانونا”.
وأضاف أن هذه الديون “تسمى بالديون البغيضة في القانون، وهي جائرة ومرفوضة، بل نحن كمحامين سوريين سوف نطالب إيران وروسيا بدفع تعويضات للسوريين عن الدمار والقتل، وسيكون هذا إن شاء الله من بنود العدالة الانتقالية التي سنعمل عليها”.
من جانبه ذكر القاضي السوري عدنان الويس، أن ما يعرف بمسمى “الدين الجائر” (Odious Debt) يعتمد على نظرية قانونية دولية أساسها اقتصادي، فهناك مبدأ في القانون الدولي يعتبر أن الديون التي يتم إبرامها من قبل نظام حكم استبدادي أو غير شرعي، والتي لا تعود بالنفع على الشعب وتُستخدم ضد مصالحه، ليست ملزمة للشعب أو للدولة بعد زوال هذا النظام.
وأوضح أن شروط الدين الجائر وفقًا لهذه النظرية، هي ثلاثة شروط؛ أولها أن تُستخدم لأغراض لا تعود بالنفع على الشعب، وثانيها أن يكون الدائنون على علم أو قادرين على العلم بأن الدين لن يُستخدم لصالح الشعب، وثالثها أن الدين مرتبط بحكومة استبدادية أو غير شرعية.
وذكر الويس أمثلة تاريخية على ذلك، مثل ما حصل في عام 1898، عندما رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بالديون التي فرضتها إسبانيا على كوبا بعد استقلالها، وحالات أخرى تشمل بعض القروض التي فرضت على دول في أفريقيا وآسيا خلال عهود الاستعمار.
وفي الحالة السورية؛ يرى القاضي أنه من الممكن – استنادا إلى هذه النظرية كذريعة – التخلص من الديون الإيرانية والروسية، عبر إثبات أنها لم تُستخدم لتحقيق منفعة للشعب السوري، وأن الدائنين (إيران وروسيا) كانوا على علم بأنها ستُستخدم لخدمة النظام الحاكم فقط، وأنها أبرمت من قبل نظام يعتبره المجتمع الدولي غير شرعي أو غير تمثيلي.
لكن هناك صعوبات قانونية يلفت إليها الويس، منها عدم الاعتراف الدولي الكامل بتلك النظرية، ما يعني أن تطبيقها يعتمد على مواقف سياسية أكثر من كونها قاعدة قانونية ثابتة، فضلا عن ضرورة إثبات الشروط السابقة، والجدل حول كون النظام شرعيا.
ويرى مراقبون أن تصريح الشيباني حول الديون ليس إقرارًا بل هو تشخيص للواقع، وهو بمثابة توضيح للمجتمع الدولي من أجل مساعدة الحكومة الجديدة على تخطي أعباء المرحلة الانتقالية.
وتُعتبر هذه المبالغ التي يجري الحديث عنها كبيرة جدا بالنسبة لبلد بحجم سوريا، حيث كانت الموازنة العامة السنوية تبلغ نحو 2.5 مليار دولار في السنوات الأخيرة.
وكانت خطوة إلغاء عقد استثمار مرفأ طرطوس، التي أقدمت عليها حكومة تصريف الأعمال، الأسبوع الماضي، دون الرجوع إلى الروس، بمثابة دليل على استطاعتها تجاوز أعباء كثيرة فرضتها سلطة الأسد لصالح دول الاحتلال، وفقا لمراقبين.