لم يترك الأسد الهارب خلفه بلدا مدمرا غارقا في الفوضى والاحتلالات الأجنبية فحسب؛ بل اتفاقات جائرة، وديونا مستحَقة على خزينة الدول، لصالح الروس والإيرانيين، وعقوبات لا تزال مفروضة على الدولة السورية.
ومنذ سنوات، حذّر مراقبون من أن الاتفاقات التي كبل بها نظام الأسد البلاد، ستُفضي إلى أن يدفع السوريون ثمن الرصاص والصواريخ التي قتلهم بها الروس والإيرانيون، لكن ذلك يبدو أنه حدث بالفعل منذ مدة طويلة، عبر منح كافة الاستثمارات في البلاد، لموسكو وطهران، مقابل إسقاط الديون.
وعقب تراجع السيطرة العسكرية للفصائل نحو الشمال الغربي، والدخول في حالة من الهدوء الحذر، خلال سنوات خلت، بدا واضحا أن التحركات الروسية والإيرانية تأتي في إطار التنافس على الكعكة السورية، حيث حاول كل طرف تحصيل أكبر قدر ممكن من البلاد، كثمن لبقاء الأسد على كرسي الحكم.
ويتساءل السوريون اليوم، عن مصير الاتفاقات الجائرة، والديون المفروضة، بعد هروب الأسد وزمرته الحاكمة، وما إذا كانت ستبقى تلك الالتزامات قائمة بالرغم من كون النظام السابق فاقدا للشرعية.
يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، إن الديون مترتبة على الدولة وليست على أشخاص وبالتالي حتى لو حتى سقطت الحكومات فإن تلك الديون لا تسقط، كذلك الاستثمارات التي اتفقت عليها روسيا وإيران مع النظام لا يمكن إلغاؤها برحيله.
وكانت روسيا قد حصلت على استثمارات في مجال الثروات الباطنية كالغاز والفوسفات، فضلا عن ميناء طرطوس على الساحل السوري، فيما تركزت استثمارات إيران على الجانب التجاري.
كيف يمكن التخلص من تلك الديون والاستثمارات؟
يؤكد قضيماتي أن الممكن في تلك المسالة هو إعادة صياغة الاتفاقات المبرمة، بحيث لا تكون مجحفة بحق الشعب السوري، وهذا ما يحتاج وقتا وجهدا.
ويعتمد ذلك على مدى قوة الحكومة الجديدة التي ستستلم إدارة البلاد، ومدى الدعم الدولي الذي يمكن أن يُقدّم لها والضغط الذي يمكن أن يُمارس على روسيا وإيران لتعديل بنود الاتفاقيات التي كان النظام قد أبرمها معهما، وفقا للخبير السوري.
وكانت بريطانيا قد أعلنت اليوم، تقديم حزمة مساعدات بقيمة 63 مليون دولار لتلبية احتياجات السوريين، في اول تحرك فعلي تجاه الإطاحة بنظام الأسد منذ الأسبوع الماضي.
وقالت في بيان إن المساعدات ستوفر دعمًا فوريًا لأكثر من مليون شخص بما يشمل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية الطارئة والحماية، كما ستُخصص الأموال التي ستُوزع عبر قنوات الأمم المتحدة لإعادة تأهيل الخدمات الأساسية مثل المياه والمستشفيات والمدارس.
من جانبها أكدت وزارة الاقتصاد السويسرية أن قيمة الأصول السورية المجمدة في مصارفها بلغت نحو 112 مليون دولار نتيجة العقوبات المفروضة على سوريا منذ 2011، ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام الأسد خلال الثورة السورية.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن صحف سويسرية أن العلاقات المالية مع سوريا ظلت مجمدة منذ 2011 مما يقلل من احتمالية فرض إجراءات جديدة على هذه الأموال في المستقبل القريب.
بدوره أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه إرسال مبعوث دبلوماسي إلى دمشق، موضحا أنه سيحدد في اجتماع اليوم مستوى تعامله مع النظام الجديد في دمشق
أما وزير الخارجية الهولندي، فقد قال إنه من المبكر رفع العقوبات عن هيئة تحرير الشام ويجب أن يكون ذلك مشروطا، في موقف مماثل لموقفي ألمانيا والولايات المتحدة.
وأوضح قضيماتي أن حل الموضوع المتعلق بالديون يتضمن إعادة صياغة البنود المتفق عليها، ولكن من الضروري أن يكون هناك دعم دولي كبير للحكومة الجديدة حتى تستطيع حسم الموضوع والتفاوض مع الروس والإيرانيين من منطق القوة.
وكانت تركيا الدولة الوحيدة التي أعلنت استعدادها لتقديم التعاون والدعم للحكومة الجديدة في دمشق، على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
ما هو حجم الديون؟
لا تتوفر إحصاءات دقيقة أو معلومات رسمية حول حجم الديون، وتفاصيل الاتفاقات المبرمة مع كل من موسكو وطهران.
وأشار قضيماتي إلى أن حجم الديون غير معروف بسبب كون الكثير منها مُسقطا عن طريق الهبات، مثل استثمار الغاز في البحر المتوسط، والقمح الذي تنتجه سوريا والاستثمارات في مجال الأراضي والبناء والانشاءات، وأيضا استثمار كامل الفوسفات الموجود في سوريا.
وأوضح أن هناك الكثير من الديون التي أسقطت في السنوات الماضية مقابل الثروات الباطنية السورية، لذلك لا يمكن معرفة حجمها بشكل دقيق، لكن المؤكد أنها ستكون عبئا على الشعب السوري.
يذكر أن سعر صرف الليرة السورية يسجل تحسنا مستمرا، فيما تعتزم إدارة البلاد إصدار عملة جديدة فور استقرارها، مع مضاعفة الرواتب لأربعة أضعاف، إلا أن قلة موارد الخزينة تشكل تحديا كبيرا.