يستمر التقدم العسكري السريع في حلب وريف إدلب، فيما سيطرت الإدارة العسكرية على أولى قرى ريف حماة صباح اليوم السبت، وسط انهيار كبير في صفوف قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، ومشاركة خجولة جدا للطيران الروسي.
وغادرت القوات الروسية قاعدتها في بلدة معصران شرقي مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، مساء الخميس الفائت، مع اقتراب الفصائل العسكرية من المنطقة، كما انسحبت اليوم من قاعدتها بمنطقة السقيلبية بريف حماة.
وفيما يتساءل موالو الأسد عن “الحليف الروسي”، تكثر الأسئلة أيضا عن نبأ تداولته وسائل الإعلام حول زيارة مفترضة قام بها بشار الأسد إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين، لكن الكرملن قال إنه ليس لديه ما يقوله بشأن ذلك رافضا النفي أو التأكيد.
ووسط تلك الأحداث أصدرت إدارة الشؤون السياسية لدى “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام، بيانا استنكرت فيه قصف المدنيين، ودعت فيه الروس للتخلي عن الأسد، والمشاركة في إيجاد الحل للملف السوري.
وفي تعليقه على ذلك، قال حسام نجار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي، لموقع حلب اليوم، إن “المتابع للتطورات العسكرية وما يتبعها من أمور سياسية وإعلامية يرى بشكل لا يدع مجالاً للشك أن هناك اتفاقا واضح المعالم”.
وأضاف أن “هذا الاتفاق لا بد أن يظهر في كل البيانات الإعلامية الصادرة من الأطراف المشاركة، ولكون الهيئة تمتلك حكومة رسمية فإن البيان يعبر عن التوجهات الأساسية للأمر و يبين كيفية التوافق”.
واستنكرت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ “التصعيد العسكري والقصف الذي طاول المدنيين في محافظتي إدلب وحلب، مما أسفر عن وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة”، مؤكدةً أنّ “هذا القصف العشوائي لا ينتج عنه إلا مزيد من الجراح السورية وإطالة أمد المعاناة الإنسانية للشعب السوري”، دون الإشارة بشكل مباشر لروسيا.
وأكدت الإدارة أنّ “الثورة السورية لم تكن يوماً ضد أي دولة أو شعب، بما في ذلك روسيا، وليست طرفاً كذلك بما يجري في الحرب الروسية الأوكرانية، بل هي ثورة انطلقت لتحرير الشعب السوري من العبودية والذل، وتهدف إلى بناء بلد كريم حر بعيداً عن النظام المجرم، تسعى فيه إلى ترسيخ مفهوم الدولة وتفعيل المؤسسات المجتمعية والتعامل مع المصالح الوطنية كأولوية في العلاقات البينية في المجتمع”.
كما دعت روسيا إلى “عدم ربط المصالح مع نظام الأسد أو شخص بشار، بل مع الشعب السوري بتاريخه وحضارته ومستقبله”، مضيفة أن “الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم بما في ذلك روسيا التي نعتبرها شريكاً محتملاً في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة”.
وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: “فيما يتعلق بالوضع حول حلب، فهذا بالطبع تعدٍّ على سيادة سوريا في هذه المنطقة، وندعو السلطات السورية إلى استعادة النظام الدستوري بسرعة في هذه المنطقة”.
وبدا الموقف الروسي باردا جدا مقارنة بما يحدث على الأرض، وتفسير لذلك، قال نجار إنه يستند في هذا الأمر للبيان الذي أصدره رامي الشاعر المقرب من الكرملين، حيث قال إن الأسد ماطل وتجاهل الطلبات الروسية بعملية التعديل في سياسته ولم ينفذ الوعود التي قطعها وأن روسيا لا يمكنها استخدام الطيران “لوجود المدنيين”.
ولكن حتى “إن وضعنا هذا التصريح جانبا فإن الطيران الروسي لن يكون ذا تأثير فعلي دون مؤازرة أرضية، فالطيران يمهد والقوات على الأرض تقاتل وتملك المساحات وهذا غير موجود بسبب خروج الميليشيات الإيرانية و حزب الله.. لذلك لا دور للطيران سوى التدمير”.
وكانت صحيفة ميدل إيست قد نقلت عن مسؤول تركي قوله، إن إحجام الطيران الروسي عن دعم قوات الأسد يعود لمغادرة معظم الطائرات من حميميم بسبب الحرب في أوكرانيا.
بدوره قال الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريجع لموقع “الحرة” الأمريكي إن “برود” الموقف الروسي حيال الهجوم الحاصل في حلب وريفها “واضح بالفعل”، مشيرا إلى “الأزمة السياسية الحاصلة في سوريا، والتي حاولت وتحاول موسكو حلها مع تطبيق الحل السياسي”.
وأضاف: “روسيا وقفت مع الأسد وما زالت تدعمه، ولكنها تفهم أن الوضع القائم الاقتصادي يصعب الأمور كلها”، كما أن موسكو “كانت تعرف مسبقا بالتجهيزات المتعلقة بالهجوم، وأرسلت رسائل لدوائر صنع القرار السياسي والعسكري في دمشق، لكن الأخيرة لم تتخذ أي تدابير لتأمين المناطق”.
من جانبها لم تعلق تركيا رسميا على الأحداث، لكنها بدت راضية عما يجري، من خلال تسريب مسؤوليها تصريحات لوسائل إعلام عالمية.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي لم تسمه أن ما يجري يمثل عودة إلى ما تم الاتفاق عليه عام 2019، وخالفته روسيا وقوات الأسد وإيران عبر فرض أمر واقع، وأن العملية تبقى “محدودة”.
لكن آيهان أوغان، مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان، بدا أكثر حماسة لتلك العملية، حيث قال: “بالنسبة لما يحدث في سوريا؛ كل شيء بدأ يعود لأصله، الآن أُغلِقَت صفحة التوسع العسكري على أساس مذهبي في المنطقة.. الآن أغلقت صفحة المشاريع القائمة على هندسة القوميات، مهما كان داعمو هذه المشاريع”، في إشارة واضحة إلى إيران.
وكانت الأخيرة قد توعدت بأنها ستواصل دعم الأسد لاستعادة زمام المبادرة في سوريا، متهمة الفصائل بتلقي الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة.
لكن أوغان جدد التأكيد على رغبة بلاده في استمرار جهود التطبيع مع الأسد، حيث قال إنه “لا يملك الآن شخصًا يمكنه الثقة به سوى الرئيس أردوغان.. وطريق استقرار سوريا وخروجها من مأزقها هو بالتحالف مع تركيا”، مؤكدا أن “سوريا ليست ملكًا لشخص أو جماعة أو لدول خارجية.. هي ملك للشعب السوري”.
وقال محللون وإعلاميون أتراك، إن أنقرة دعمت العملية من تحت الطاولة، وإن ذلك كان بمثابة صفعة وجهها أردوغان للأسد بعد رفضه مصافحة يده الممدودة إليه.
لكن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أكد أنه “لا علاقة لتركيا بالاشتباكات المندلعة في حلب”، وأنها “ستتخذ التدابير لمنع موجة نزوح محتملة”.
هل يمكن أن تكون روسيا شريكا في الحل؟
يرى نجار أن روسيا “بالطبع أحد الشركاء الأساسيين في حل القضية السورية”، وأن من مصلحتها عدم فتح جبهات عديدة خاصة بعد التصعيد الكبير من الغرب وتسليم أوكرانيا صواريخ هامة.
وتؤكد موسكو منذ سنوات تأييدها للحل السياسي في سوريا، وعدم تمسكها بشخص الأسد، لكنها حريصة على حفظ مصالحها، في مواجهة أية أجندات أخرى.
ويقول المحلل السياسي الدولي، إن رؤية موسكو للحل التوافقي في سوريا، “سرعت في الأمر”، كما أن “الرسائل الإسرائيلية لها”، ساهمت في دفع موقفها نحو الأمام.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اتفاق أبرمته تل أبيب مع روسيا، لضمان قطع خطوط إمداد حزب الله في سوريا، حيث سيكون هذا الدور منوطا بالأسد وبضمانة الروس.
ويبدو أن الأخير لم يقدم للروس والإسرائيليين سوى المماطلة والوعود، وربما – وفقا لمتابعين – يكون ذلك وراء تهديد نتانياهو له بعبارة “لا تلعب بالنار”.
وبالعودة لتحليل نجار فإن خلافات الروس مع الإيرانين داخل سوريا، و الخوف من فقدان مصالحهم، ساهم في تشكيل هذا الموقف الروسي، لجانب “عدم انصياع الأسد لكل النصائح”.
وكان الشاعر قد قال إن “مماطلة الأسد تتمثل في عدم التجاوب بالبدء في عملية الانتقال السلمي إلى نظام جديد يتوافق مع تطلع جميع مكونات الشعب السوري العرقية والطائفية”، إضافة إلى “المماطلة لبدء الحوار مع تركيا، والتجاوب مع مبادرة الرئيس التركي لعقد لقاء مع الأسد.. كل ذلك أسفر عن هذا التدهور الحالي للوضع والذي قد يمتد إلى ما بعد من ذلك”، معتبرا أن “الحل الوحيد للخروج من هذه الكارثة هو البدء الفوري في الحوار السوري-السوري من أجل الشروع في الانتقال إلى نظام حكم جديد في سوريا”.